رانيا محيو الخليلي - الثوب اﻵخر

رانيا الخليلي.jpeg


استيقظت هذا الصباح وفي داخلها مزيج من اﻵمال واﻷماني تعتقد أنها ستصادفها هذا اليوم. ﻻ، ﻻ تعتقدوا أنه عيد ميلادها، وﻻ أي مناسبة منصوص عليها في تاريخ البلد أو العائلة، إنه مجرد ذكرى جميلة في حياتها وفي حياة أي فتاة تصادف من يهتم ﻷمرها ويكترث. من يقول لها "أحبك". لقد سمعت هذه الكلمة منذ عام وهي ستحاول استردادها.
نهضت من سريرها وفي نيتها نقل ما حدث في مثل ذلك اليوم بحذافيره. فتحت خزانتها وارتدت نفس الثوب الذي ارتدته وقتها. لقد أرادته أن يصبح الزي الرسمي لهذه المناسبة. وقفت أمام المرآة وراحت تستعيد نفس التسريحة. حتى أنها تبرجت بنفس اﻷدوات والألوان وهي مصرة على افتعال التكرار ليتطابق ذلك اليوم مع هذا اليوم.
خرجت إلى الصالة، جلست على مقعدها المعتاد، وانتظرت. كانت أمامها جدتها تشغل نفسها كالمعتاد بأعمال الخياطة. يا لهذه المصادفة الرائعة التي لم تقترفها! ﻻشك أن التاريخ سيعيد نفسه، وسيعود إليها معتذرا ويكرر على مسامعها ما قاله يومها. كانت تنظر إلى الباب من وقت ﻵخر وهي تترقب أن يقرع جرسه، فتنهض مسرعة لتفتحه وتبدي تفاجأها أوﻻ، ثم سعادتها. ولكن ﻻ شيء وﻻ أحد!
خرجت إلى الشرفة، علها تراه قادماً من آخر الشارع، ربما يكون في يده باقة ورد أيضًا. لكن ﻻ شيء وﻻ أحد!
فعادت إلى المقعد وهي ترمق الهاتف، لعله سيتصل بعد قليل ويعتذر عن عدم قدرته على القدوم ﻷمر طارئ حدث معه. فهو ﻻ يمكن أن ينسى هذا اليوم العاطفي التاريخي الرائع. لكن ﻻ شيء وﻻ أحد!.
الشرفة أمامها كما أنارها الشروق أعتمها الغروب.
وطالما أنه ما من عائق أمام عقارب الساعة فهي بﻻ شك ستتابع دورانها حتى تصل إلى نهاية. نهاية اليوم المنتظر.
ها هو الليل يحل بسواده والتاريخ يثبت لها بأنه ﻻ يتكرر، حتى لو ارتدينا له نفس الثياب وصادفنا نفس اﻷفراد، وافتعلنا بعض التفاصيل. بدأت مشاعرها تتضارب بين الخيبة والتفكر بالخيبة. لم تعد تطيق مكانها، دقات الساعة كانت كالمطارق تضرب قلبها، وخزات دبابيس جدتها في القماش باتت وكأنها تخترق جلدها وشرايينها.
ﻻ، لم يعد باستطاعتها تحمل المزيد. وبينما هي تهم في النهوض بحركة منتفضة وعنيفة، علق ثوبها بالكرسي... وتمزق. أسرعت بتناول دبوس من علبة دبابيس جدتها لتصل اﻷجزاء المتباعدة قبل أن تتسع رقعة التمزق، إذا بجدتها تمسك يدها وتمنعها من الوصول لعلبة الدبابيس وهي تقول لها: " لم يعد ينفع يا ابنتي! لم يعد ينفع ! لقد أصبحت بحاجة لثوب آخر..".

رانيا محيو
بيروت 1994

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى