نقوس المهدي - الجنس في الادب بين الماضي والحاضر.. تقديم

يقتحم الادب الايروسي خلوة المحرم وتفاصيله.. صانعاً من ذلك دلالات شبقية ولذاذات تعبيرية مستعينا بمكر اللغة وجموحها وبراعتها ورقتها وبلاغة بيانها للدلالة على جمالية وشبقية العواطف البشرية، حتى ليبدو الإيحاء الفني والخيال الواسع هو المنتج الرئيسي للصور الشعرية..
يرى رولان بارت: ( أن الكلمة تكون شبقية بشرطين متعارضين هما: التكرار المفرط والحضور غير اللائق )... " لذة النص
تشير الايروسية الى الرغبة الجنسية العارمة والجامحة فى الحب والعشق.. ومن بين الاسماء التي اطلقت على الجنس هو علم الباه. وهذا النوع من الكتابة ليس بطارئ او جديد على ميدان الأدب بل تضرب جذوره عميقا في القدم ذلك ان " ايروس " في الاسطورة اليونانية هو ابن آرس وأفروديت، وهو كيوبيد لدى الرومان القدماء.. وترتبط بالعهود القديمة وتحديدا بالكتب المقدسة وخاصة ما جاء في " سفر حزقيال" ..
ويلقى بعض القراء الكثير من التحرج في قراءة هذه النصوص.. او أن يقرأها اخرون تحت ستر الظلام وفي الخفاء.. فيما لا تخلو مكتبات البعض من كتب من هذا النوع من الكتابة الادبية.. وقد عرف التراث العربي العديد من النماذج الايروسية شعرا وكتابة، وفي قصيدة بانت سعاد وصف كعب بن زهير سعاد أمام الرسول

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ = مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا = إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً = لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ

ووردت العديد من الايحاءات الجنسية في الكتب السماوية وبعض الاساطير القديمة،كما وصلت الينا قصائد لامرئ القيس والنابغة الذبياني هي من الجمال في نهاية حتى اننا بثنا نتصور ونعتقد جازمين بان هذين الشاعرين وغيرهم ممن كتبوا في هذا المضمار لو تأخر بهم العصر ، لاقيمت لهم المحاكمات، واحرقت اشعارهم وكتبهم ، ولاعدموا او زج بهم في السجن .. ففي القرن التاسع عشر تعرض الروائي غوستاف فلوبير للمحاكمة، كما تعرضت الروائية ليلى بعلبكي للمحاكمة بسبب كلمة واحدة وردت في مجموعتها القصصية "سفينة حنان إلى القمر".، قرأتها صحافية مصرية بعد ثمانية أشهر من صدورها، وقال عنها محاميها محسن سليم
"إن محاكمة ليلى بعلبكي هي الأول من نوعها في تاريخ القضاء اللبناني، وهذه هي المرة الأولى التي يحكم كاتب عن كتاب ألفه".
كما حوكم الشاعر العراقي حسين مردان عن ديوانه الشعري قصائد عارية، في حسن تعرض الروائي المصري للسجن في قصية ( الشهوة الفانية واللذة الزائلة) وهي العبارة التي وردت في بلاغ احدهم، بخصوص فصل من رواية استخدام الحياة نشر في اخبار الادب المصرية
وتعود اولى التدوينات في مجال الجنسية العربية والباه الى المدائني الذي يعد رائد التأليف الجنسى عند العرب، ويتبعه في ذلك العديد من الفقهاء والعلماء المسلمين يقول داود سلمان الشويلي في مقال بعنوان " الجنس في التراث العربي ":
" ....وكنا الى زمن قريب، نظن ان المكتبة العربية خالية من هذه المؤلفات التي تدرس تلك العلاقة - مهما كانت المعالجة التي عالجتها ،علمية، او ادبية، او كانت ممزوجة بصور اللذة والشهوة الجنسيتان- بعد ان قرأنا الكتب المترجمة من اللغات الاجنبية، الا ان الكثير من المحققين ودور النشر، قد حققوا ونشروا مؤخرا العديد من تلك المؤلفات التي تتحدث عن الجنس بصيغتة الشرعية، او غير الشرعية، و كان اغلب مؤلفيها من رجال الدين الاسلامي"
ويتطرق القدماء من الائمة وعلماء الدين في مصنفاتهم الى مواضيع يمتزج فيها الفقه بالاخلاق بالموعظة الحسنة بالحكمة وبالطب بدون ادنى حرج وحشمة .. ويسوقون الحجج المبنية على الشريعة الاسلامية والمدعومة بالايات القرانية والاحاديث النبوية والحكايات الواقعية والاخبار والاشعار القديمة في الدفاع عن مواقفهم وارائهم، ولم يجدوا حرجا في تسمية الاشياء بأسمائها، وبتلفظ اسماء العملية الجنسية ووصفها وصفا صريحا ، ذلك ان أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الشهير بالجاحظ يقول في هذا الشان: " وإنما وُُضعت هذه الألفاظ ليستعملها أهل اللغة، ولو كان الرأي ألاّ يُلفظ بها ما كان لأوّلِ كونها معنىً، ولكان في التَّحريم والصَّون للُغة العرب أن تُرفع هذه الأسماء والألفاظ منها."
ويدعم رايه بالعديد من الاحاديث والاسنادات الدينية منها على سبيل المثال:
"وقد رُوي عن أبي الدّرداء رضي الله عنه أنه قال: " إنِّي لأستجمُّ نفسي ببعض الباطل مخافة أن أحمل عليها من الحقّ ما يُملُّها"
يقول بودلير ايضا
"أغبياء البرجوازية الذين يتشدقون دائماً بكلمات من قبيل "لاأخلاقي" "لاأخلاقية"، "الأخلاق في الفن" وغيرها من الحماقات، يذكرونني بـــ "لويز فيلديو"، وهي عاهرة بخمسة فرنكات، رافقتني ذات يوم في زيارة إلى اللوفر، وكانت تلك أول مرة تزور فيها هذا المتحف، فاحمرَّ وجهها وراحت تغطيه بكفها وتجذبني من كُــــم سترتي، متسائلةً أمام اللوحات الخالدة: كيف أمكن عرض هذه العَوْرات على الناس؟
الكتابة الايروسية لا تعني بالضرورة البذاءة وقلة الأدب، والا لتحولت إلى كتابة فجة، لأنها كتابة حسية ابيقورية صادقة نابعة من الوجدان تضبط ايقاعها على مناخ الجسد، وترتقي بالكلمة وتتغنى بمباهج الروح الإنسانية، وتستأثر بجسد المرأة بكل بذخه وعنفوانه وجماله. سواء بالنسبة للمرأة او الرجل، لأن للجسد الأنثوي أيضا إيقاعاته ولغته وأسراره الخبيئة، وقد وجدت الكتابة الايروسية في كل لغة وزمان ومكان وعبر عنها في الثقافات القديمة بالتماثيل المجسدة والملاحم العظيمة الأكثر جرأة،
كثير من اللغط صاحب ظاهرة الكتابة الايروسية بين مؤيد ومدافع. ولا يتورع البعض عن وصفها بــ " أدب المواخير" او الكتابة المثيرة للشهوة الجنسبة... علما ان هناك فرق كبير بين الكتابة البورنوغرافية الفجة الجافة المستفزة المعتمدة بالاساس على الاثارة الحسية وتناول العملية الجنسية .. وبين الكتابة الابداعية التي تتناول بشكل رائع العواطف الانسانية في بعديها الجمالي والاخلاقي.. ونستغرب الموقف الشجاع لعلمائنا وائمتنا القدماء وانفتاحهم وتسامحهم وموسوعية معارفهم ووقوفهم بوجه ظلامية الفقهاء ونفاقهم.. من قراء هذا الزمان الذين لا يتوانوا في ذم كل صنف ادبي وانتقاده وحتى من دون الاطلاع عليه، بل وممارسة الرذيلة والفحش في الخفاء في هذا الزمان العصي على الوصف .. عصر قبلية الفيسبوك والتويتر والنت.... والقبلية النتية اشد كفرا ونفاقا من قبلية خيبر وبني قينقاع...
ولعل ابلغ كلمة اختم بها هذه التوطئة قول الجاحظ في احدى رسائله
" إن بعض من يظهر النسك والتقشف اذا ذُكر الأير والحر والنيك تقزز وانقبض. وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجل ليس معه من المعرفة والكرم والنبل والوقار إلا بقدر هذا التصنع"
وقد وجدت الإيروسية الأدبية في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي، ولا تكاد تخلو أية قصيدة من ملمح شهواني، سواء في الكتب السماوية، والاساطير التي وصلتنا ، الى أشعار امرئ القيس والنابغة والمنخل اليشكري والأعشى ميمون، ومن ثم بعدهم شعراء صدر الإسلام والعصور التالية.
ومن بين ما كتب قديما من كتب الباه ومن باب الاختصار هناك لائحة بأهم العناوين علما أنها كثبرة وطويلة، ولا يمكن حصرها في هذه العجالة، نترك للقارئ الكريم سر اكتشافها والوقوف على أهميتها مما يعني بأن أسلافنا كانوا أكثر انفتاحا وتقدما في وعيهم وطرق عيشهم..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى