سمرقند الجابري - كافور.. قصة قصيرة

فتحت عينيّ على جدتي التي دعكت الطفل الصغير ـ ابن ضرتها ـ بزيت الكافور حتى قتلته، فارتبط الاسم في ذهني بانتصار جدتي على جبروت زوجها لذا اسميت ابني (كافور).

كان ينام في زاويته بلا همّ وخطيئة ، بينما لا انام انا ، كأنني أتوسّد مخدة من جمر القلق ، فظنوني تأكلني .. كان عمره سنتين عندما علمته إمساك الحجارة بقوة وسحق رأس الفأر الصغير الذي علق في المصيدة.. وبعدها بعام ملأت قلبه بالحقد على القطط، فصار يتربصها، وأخفيت عنهم إغراقه ثلاث قطط للجيران ولدت حديثا ، في غفلة من امهم التي تجوب قمامة الحي بحثا عن الطعام، ولم احزن على موائها الدامي ولكنها تخلصت منه بإلقاء نفسها ـ كما سمعت ـ تحت عجلة العم ناصر.

قتلت فيه الخوف، ولذت بخطط المجوس واليهود فهم اسياد الحقد بلا منازع وانتزعت منه رحمة المؤمن لأبدل بدمه قيحا ًله لون الحبر الازرق، فكبر بين جدران بيتي شيطان رجيم ،يظنه الجميع خير شباب مدينتنا .

ماذا علمتك اكثر يا ولدي كافور ؟ علمته بأن القتل حلال لرد الثأر ولمد النفوذ كما تفعل امريكا، قرأت له تاريخ الحروب وقصص الموت وقوانين الغابة الانيقة التي نعيش فيها ،ونؤثثها بأحلام غبية نخدع بها انفسنا ، فنصحو خلايا نحل نعمل ونعمل لننام مهدوري حق وكرامة.

حقرت النساء في نظره كما يفعل رجال الدين الذين وصفونا بأننا لعنة تقود الرجال الى جهنم ، كأن الذئب الذي يسكنهم مغسولاً بالكوثر ويحتكر الجنة، كي لا يهزمه الحب ويدق قلبه فيترك عقله للحظة في اجازة.

لم يبُح ِْاسراره لصديق او جار او استاذ ، يدرس نهارا ويعمل ليلا لان المال عزّ وان الفقراء في وهم ، يباتون مع الجوع والعوز، وينقادون للرذيلة في الخفاء لرد اعتبارهم.

اشتريت الدار التي سكنها رجل اذلني سنوات كخادمة لزوجته الدميمة ، والتي لا تساوي نعلي القديم ، اتذكر ضربها لي غيرةً مني وسرقتها مصروفي البائس ، فتحت من الدار دكاني لابيعهم سلعا مغشوشة وانا سعيدة لان كل سكان الشارع ، استدانوا ليشتروا من محلي شيئاً.

كافور وامه دولة من شخصين ، وعندما بلغ العشرين لم اخف الله فيما صنعت.. فأنا إمرأة هذه الارض ، ما جلبت شيئا من خزانة امي ، بل كنت بئراً القيتم فيه كل يوم قطرة سم في عمري، وجاء أوان الجدب ، فأشربوا ما رميتم .

أعطيته سكينا صدئة كالتي يمررها قادة البلاد العربية علينا كشعوب ، وأرشدته إليه، عاد مساءا يحمل سطلا مغطى بالصحف التي تبيع كرامتها ، لتملأ رؤوسنا بالخديعة ، وفي السطل رأس عمه الذي اغتصبني صبيحة استشهاد زوجي في حرب ايران .

كنت عروسا يوم تركني (بهجت) فالحرب استوجبت سرقة الرجال من أطفالهم وزوجاتهم وأحلامهم ، فليس لي ان ألـد غير كافور ،لأهدهده في مهدٍ مصّت براءته أفاعي التوجّس ، حتى إذا كبُر ، انتقمت به من قاتل يمامة فرحي .

حفرنا ستة اشبار تحت النخلة الكبيرة ودفناه، وكل صباح نشرب شاي تفوقنا عليهم فنحن الان أصحاب الدار والقرار ، غير أني أشعر أن لشاي تفوّقنا ، طعم الدم !


من مجموعة القصصية دبان صغيران

سمرقند الجابري
  • Like
التفاعلات: نبيلة غنيم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى