إبراهيم بجلاتي - في طريقي إلى مخبز " النجوم الخمس"

في طريقي إلى مخبز " النجوم الخمس"
كنت أفكر في صديقتين تتبادلان رسائل
عن الأمومة
والشعور بالذنب
واحدة تحتاج أحيانا إلى عكاز
تعبر به الكابوس
وتخرج من الجهة الأخرى
قرصانا يشرب قهوة بطعم بحر لا تراه
والثانية
تحتاج إلى وحش كامن في الغياب
ذريعة للكلام الحلو
ذريعة للكلام المر
أو للرقص على حافتين بينهما هاوية
ورغم ذلك تعلو
وأنا عائد بالخبز
أفكر أن العائلة كانت واحدا
انشق على نفسه وصار ثلاثة :
فلاحا
وحلوانيا
وجزارا
ذهب كل في اتجاه
الجزار أنجب سلالة من العماليق
قيل إن الواحد منهم
بإمكانه أن يحمل ذبيحة كبيرة على كتفه اليمنى
وزكيبة من العلف على كتفه اليسرى
يمشي بحمله هذا أميالا كثيرة
وهو شارد في الغناء
فلم أصدق
حتى رأيت بعضهم في جنازة جدي
يرفعون نعشه عاليا فوق الجميع
ونحن نشهد أن النعش كان طائرا بالفعل
في الليل
ونحن في الصوان نأخذ العزاء
شكى لي صغيرهم من كثرة الجماع
وأن أم عياله العشرين
لم تعد قادرة عليه
ولا يريد الزواج بغيرها
في لحظة كهذه لم أفكر في قوة الحب
بل في العلاقة بين الموت والشبق
وكيف يطفىء الواحد حزنه في قبلة أو حضن .
يبدو الحلواني شخصا غامضا
أو ليس غامضا
الحقيقة أنه شخص بلا اسم
دائما يشيرون له بالوظيفة
الحلواني جاء بسيارته الكبيرة
حضر الجنازة
وغادر مسرعا
الحلواني عاد من الحجاز
الحلواني اشتري خمسين فدانا في هذه الناحية
وأنا لا أعرف عنه ما أقوله لكم غير هذا
ربما أسأل
وربما أجد من يجيب
وقتها أنقل الخبر
الفلاح يا أحبتي لم يكن راضيا
ولن أشرح لكم الأمر مرة ثالثة
فقد فصلته من قبل مرتين:
مرة في "سيندروم"
ومرة في "أمسح التراب عن مرآة مذهبة"
المهم أنه انشق على نفسه
كما فعل الأصل
وصار ثلاثة
واحد أخذ جينة الحسن
وواحدأخذ جينة الطول
وبقيت لنا جينة تقرض الكتب
الوسيم هذا كان خياط القرية الوحيد
يحيل أي قطعة من القماش إلى ثياب
وكانت له في ذلك نظرية عظيمة
مفادها أن الثوب ثلاثة أنواع : الطويل جلباب والقصير فستان
وما بينهما مريلة أو قميص
نبتت له حدبة كبيرة
من فرط الانحناء على النسيج
وقعت عيناه
من خرم إبرة
ولم يفطن الناس لساعة موته:
بعد العشاء
وجدوا دكانه مفتوحا
وغارقا في الظلام
وعلى ضوء شمعة حزينة
كان في كرسيه نائما ورأسه على ماكينة الخياطة.
الطويل بدأ حياته كنجار للسواقي
لم أره في ذلك الوقت
لكنني أعرف أن شظية خشب خبيثة
فقأت عينه اليسري
هكذا رأيته
بعين واحدة
وبإصبعين يلف سيجارة
ويبلها بلسانه
والمسمار في زواية فمه لا يسقط
يخرج الدخان من أنفه كثيفا
وهو يضع علبة التبغ بحرص في كيس " العدة" الثقيل
ربما يشبه القراصنة الآن يا بنات
وقتها لم يكن كذلك
كان رجلا طيبا
يصلح الأبواب والشبابيك
ويبني لأمي "عشة فراخ" بابها ضيق
وكان هذا كافيا
لاشتعال حرب بينها وبين زوجته الجميلة.
هذه الجينة الأخيرة
قرضت الكتب
وقرضت كل شيء تقريبا
وتركت أعصابنا عارية
غاضبون دائما
وقصار النفس
بين الفكرة وعكسها
"نرقص على حافتين معا"
لا نعلو
ولا نسقط
ونعرف الآن لم لم يخلق الله
واحدا في هذه العائلة
يجرب حظه في الفيزياء النظرية
أو يصنع الساعات.

1 فبراير 2016

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى