الشاعر محمد عمار شعابنية : لا أهمية لأي شاعر يقيم خارج وجع الكتابة.. حاوره : محمد العائش القوتي

للشاعر التونسي العربي محمد عمار شعابنية كثير من الإصدارات في مجالات الشعر والنصوص المسرحية وأدب الرحلات واليوميات والبحوث التاريخية والكتابة للطفل وصل عددها إلى اثنتي عشر إصدارا ، وله مشاركات واسعة في الملتقيات الأدبية داخل البلاد وخارجها ، كما تحصل على العديد من الجوائز التونسية والعربية إلى جانب ترجمة بعض من أشعاره إلى الفرنسية والروسية واليوغسلافية والرومانية وغيرها .
وقد عكف في الأشهر الأخيرة على ترتيب مجموعة من أعماله التي لم تنشر بعدُ لإصدارها ، وقد وجد بعضها الطريق إلى ذلك ، وهي تحمل العناوين التالية :
* مجموعة شعريّة " سأمكث في الأرض "
* "محاوراتي قبل الثّورة وبعدها".
*"ما كتبه النّقاد عن قصائدي" .
* "كتابات في الشّعر المنجَميّ والشّعر العمّاليّ ".
* "كتابات في الثقافة والأدب" .
* " كتّاب وضعوني في الميزان "
* "أغان وأناشيد للأطفال ". .
*ارتجالات ساخرة "الكلمات المرة في النّظم السّاخر بعد الثّورة".
*مسرحيّة للأطفال ّ " النّسور كانت بيضاء".
*مسرحيّة للأطفال "لأجل الشّمس".
*مسرحيّة شعريّة للأطفال "كرنفال الورد".
* " بلديّة المتلوّي من 11 نوفمبر 1908 إلى 11 نوفمبر2008".
عن مسيرته الشعرية وتطلعاته الإبداعية وآرائه حول دوْر الكتابة ومقاصدها وجهنا إليه مجموعة من الأسئلة التي أجابنا عنها في هذا الحوار:


■ س: لك مسيرة طويلة مع الكتابة تعود إلى أواخر ستينيات القرن الماضي، إلى أين قادتك خطاك الأدبية وهل استطعت عبور المسافة بأمان ؟
□ ج: ارتبطت بالمعاناة الشعرية منذ ما يزيد عن نصف قرن بعد انتقالي من التعليم الابتدائي فقادتني خطواتي الأدبية إلى فضاءات عايشت تحركاتها فتحوّلتُ من بعضها إلى غيرها وتصفحت تجارب شعرية كثيرة فلم أتأثر بشطحات العديد منها واكتفيت بالافتتان بوميض النصوص الجادة بعيدا عن المفاضلة بين أشكالها ، وإن كنت مؤمنا بأن الإيقاع هو العمود الفقري لكل شعر، ولا أقول لكل قصيدة لأنه يجوز كتابة القصيدة النثرية اعتمادا على تنغيم داخلي تحدثه تفاعلات اللغة والمناخ الدلالي ولكنه لا يرتقي إلى وظيفة الوزن لأن القصيدة الشعرية تحتاج إلى الموسيقى المحسوسة بالأساس.
وبالرغم من بعدي في الجنوب الغربي التونسي عن فضاءات الإبداع فقد تحدّيت الظروف القاسية والإقصاء والتجاهل والعزلة المفروضة أحيانا من طرف البعض من شعراء العاصمة وما جاورها ولم أتوقّف عن الكتابة التي اجتزت بها في المكان المهجور الحواجز والمصاعب وأصررت على نقش اسمي الشعري فوق جدار الإبداع فلم أقتنع بكتابة الشعر فحسب لأنني عززت هذا المسار بإنتاج نصوص مسرحية لفرق مختلفة .

■ س: يقال أن الشعر المنجَمي قد ذهبت ريحه نوعا ما وانخرطت كتاباته في اليومي والهامشي ، فأية نقلة نوعية تريدها ؟
□ ج: كان يحلو لبعضهم أن يتفطن إلى أنه محشور في تسمية شعراء المناجم لأنه لم يع التجربة ولم يحدّد موقعه داخلها، بينما صرّحت أنا منذ ماي 1976 في مقدمة مجموعتي الشعرية الأولى " ألغام في مدينة بريئة "بأنني لست شاعر مناجم بـل أنا شاعر منجمي أعيش الأحداث ولا أتأملها ، لذلك فإن تعارض الرؤى والأفكار داخل الحلقة كان لدى فئة منّا ـ مع الأسف ـ شكليا وأسلوبيا ولم يكن مستندا إلى براهين ورؤى واعية وقادرة على الإضافة والتجاوز لتفجير الألغام التي زرعت في الهواء الذي كان يتنفسه المنجميون ،وهذا ما جعل أصحاب المواكبة يتوقفون عن مواصلة الإنجاز ويهجرونه ولم يهيّئوا أنفسهم لما بعد المرحلة لتطوير أعمالهم ـ بينما يشهد العديد من المهتمين بأن محمد عمار شعابنية المقيم بأرض المناجم وحسن بن عبد الله المتنقل داخل البلاد ـ وهو أصيل الرديّف ـ هما المتبقيان بالتواصل إبداعيا ـ استنادا إلى النصوص المنشورة مؤخرا ـ من سلالة الشعراء المنجميين لأنهما لم يعودا إلى الوراء في ما كتبوه .
وهناك سبب ثانٍ يصعب عليّ إقناعك بطرحه الموضوعي لا الهامشي عند القول بأن ما اصطلح على تسميته بالشعر المنجمي قد كان شعر مرحلة ينتمي إلى الشعر النضالي العمالي الذي أنجز فيه العديد من القصائد التي انخرطت في مسار الهم المنجمي الذي كان يتجرعه المنجميون داخل الأنفاق الفسفاطية وخارجها ممزوجا بالأتعاب والتعرّض إلى مخاطر الحوادث المهنية والمعاناة الناجمة عن ضيق أفق الحياة وضآلة الأجور .. وقد انتقلتْ أحوال هؤلاء الناس من العِوَز إلى الحلم واتساع المشاغل التي ارتبطت بالرؤى الوطنية والقومية والكونية .. فهل يجوز لي أن أصرّ على البقاء في مكان واحد أجتر فيه الغائب الذي انتهي وأواصل فيه الانخراط في كتابة زالت دوافعها ؟
طبعا لا .. لذلك فأنا أعتبر إن الشعر المنجمي قد مرّ بمرحلة سابقة فأخلص للتعبير عنها وعليه أن يدرك أن هناك مرحلة جديدة تختلف عن السابقة من المفروض الانخراط فيها شعريا للمساهمة في نية التغيير التي يتطلع إليها أبناء الحوض المنجمي .

■ س: بعد سنوات طويلة مع الحرف اكتشفتَ الساحة الأدبية التونسية عن قرب. فماذا لم يعجبك فيها؟
□ ج: لم أكتشف الساحة الأدبية بعد سنوات طويلة مع الحرف لأنني انخرطت فيها منذ شبابي اليافع متحديا محاولات التجاهل التي أسكتت العديد من الأصوات الواعدة المقيم أصحابها داخل البلاد بعيدا عن العاصمة.. فقد كنت ـ وأنا في الخمس سنوات الأولى من سبعينيات القرن العشرين أتكبد مصاريف النقل ذهابا وإيابا بين المتلوي ومدينة تونس وأنفق على الإقامة ليومين أو ثلاثة بأحد النزل الشعبية وأخصص مبالغ مالية للأكل يصل مجمل تكاليفها إلى ما يزيد عن خمسين دينارا في ذلك الوقت لأحضر ملتقى شعريا لم أدع إليه ....لأستمع إلى ما يقال فيه ولأتعرف عن بعض الشعراء والكتاب.. والخمسون دينارا التي ذكرتها كانت تقارب خمسة وسبعين من المائة من أجرتي في ذلك الزمن.
ولعلمك فأنا أوّل من تنبأ بانهيار جدران " في غير العمودي والحر " الذي كان يبشّر به الطاهر الهمامي وفضيلة الشابي ومحمد الحبيب الزناد لأنني كتبت أول مقالين معارضين لهذا التوجّه المُصرّ على الانتماء إلى الشعر ونشرتهما بالملحق الثقافي لجريدة العمل سنة 1967 ( عمري آنذاك سبع عشرة سنة) ، وكان أحدهما يحمل عنوان " كتابة غير مجانية في غير العمودي والحر"... كما أنني كنت شاهدا على تفشّي المحسوبية في الشعر ببلادي خلال ثمانينيات القرن الفائت عندما كان أغلب المحسوبين على النقد يؤلهون هذا ويحطون من قيمة غيره بتزهيد أشعاره ـ وهم لم يقرؤها . ويتجاهلون ذلك وينقرون على دفوف تمجيد شاعر آخر لعلاقات خاصة بعضها يترعرع على مقاعد الحانات . كما تألمت أمام سخافات لا يتجرأ جنين في بطن أمّه على اعتبارها من الشعر، وشعرت باشمئزاز إزاء تطفّل البعض على الملتقيات الشعرية التي لم توَجه أليهم الدعوات للمشاركة فيها .

■ س: إلى أيّ مدى نجحت في إنجاز مدوّنة شعرية مستقلة وذات خصوصية ؟
□ ج: لا أجرؤ على تقييم تجربتي الشعرية بغير محاسبة عسيرة لما أنجزته فيها سعيا إلى تطويرها باستمرار . وأنا أرى أنّ القراء والنقاد أحقّ مني بالحديث عن مدوّني التي أعمل على الإضافة إليها بما لي من توَهّج في العبارة وصدق في التناول وتفرّد يؤازر الفكرة والأسلوب حتى عند التحوّل من موضوع إلى آخر ومن مستوى انفعالي إلى غيره لأنني مؤمن بأن الإبداع لا يأتي إلا من المعاناة وأن لا أهمية لشاعر يقيم خارج وجع الكتابة .
كما أنني مقتنع بأنني أصبحت قادرا أكثر على إبراز خصوصيتي التي أرجو أن تلفت الانتباه إليها بعد صدور مجموعتيّ الشعريتيْن" ثلاثون سماء تحت أرض الخوارزمي " و" شقيا ..مرّ ذئب الوقت " في انتظار طباعة كتابي الشعري القادم " سأمكث في الأرض " ولكن الذي يقلقني هو أن مسالك توزيع الكتاب منعدمة في وطننا ولا تسمح بوصوله إلى من نريد أن يقرأه لينقده.

■ س: قبل القول بأن النقد في تونس مقتصر على بعض الأسماء دون غيرها دعني أسألك إن كان هذا النقد قد استطاع التعريف بمن يكتب عنهم خارج البلاد؟
□ ج: نقد الشعر عندنا لا يتم غالبا إلا بدوافع تقديم مداخلات في التظاهرات الشعرية أو لمحاباة أشخاص دون غيرهم.. وقبل دعوة النقاد إلى الكتابة عمّن تحُقّ الكتابة عنه أدعوهم إلى محاربة الرداءة وعدم التوَرّط في متاهاتها من خلال تحبير بعض المواضيع بدعوى الأخذ بالأيْدي والتشجيع على الإبداع.
وقد أكون محظوظا شيئا ما إذا قلت أنّ هناك كتابات نقدية داخل البلاد وفي بعض الأقطار العربية ( عياش يحياوي وشادية شقروش وعبد الحميد شكيل وجلال منّاد من الجزائر) ،(أحمد فضل شبلول وعلي عبد الفتاح من مصر) (أمين مازن وخالد درويش من ليبيا )،(لامع الحر من لبنان )،( إدريس علوش من المغرب )، ( أمين جياد وطراد الكبيسي وعبد الرحمان مجيد الربيعي من العراق)..هذه الكتابات اهتمت بتجربتي وأبرزت تفرّدها وإضافتها وحتى طرافتها.

■ س: تحتفظ بالعديد من الطرائف مع الأدباء وقد رأيناك ترسم كل هذه الطرائف على الورق في كل التظاهرات الأدبية والثقافية .. فهل لك أن تعدّد لنا بعضها؟
□ ج: بعض ما رسخ بالذاكرة من الطرائف :
- رسم كاريكاتوري يبرز الهادي الغابري جالسا في جميع مقاعد ملتقى قفصة للقصة سنة 1998 بينما يظهر الدكتوران محمود طرشونة ومحمد القاضي مُطِلَّيْن من الباب حامِلَيْن يافطة مكتوب فيها " لن ندخلها حتى يخرجوا منها " ، لأنه كان في خلاف معهما جعله يتهجّم عليهما بما يكتبه في مجلة " الملاحظ".
- الساسي جبيل وجلال الحبيب في صراع دِيّكة سببه الاختلاف حول حرف الثاء ( الرابع في الألفبائية ) إن كان يُكتب مربوطا أم مفتوحا في تراث وأثاث ولهاث .
- الشاعر المرحوم الميداني بن صالح يتسلق نخلة وفي يده عرجون تمر وقد علقتُ عليه بـ" ما هي أنواع التمر التي لم يذقها الميداني بن صالح ؟
- الشاعر المرحوم عبد الله مالك القاسمي يدفع أمامه نقّالة مملوءة كُتبا معروضة للبيع.؟
وقد خصص الشاعر المولدي فروج في موقع مروج الذي يشرف عليه بالفايسبوك ـ والمخصص للأنشطة الأدبية ـ ركنا خاصا برسومي الكاريكاتورية .

■ س: محمد عمار شعابنية وجيله .. هل ما زالت العلاقة متواصلة بينكم أم أنّ كلّ منكم عبر طريقه نحو عالمه الخاص ؟
□ ج: بدأت مسيرتي مع جيل البرنامج الإذاعي "هواة الأدب" الذي كان يشرف عليه الشاعر الكبير أحمد اللغماني ـ رحمه الله ـ وقد ربطت علاقات متينة جدا بمن تعرّفت عليهم منذ ذلك الزمن أمثال الروائيين والقاصين عبد القادر بالحاج نصر وأحمد ممّو وعبد الجبار الشريف ونافلة ذهب وفاطمة سليم وزهرة الجلاصي وفتحية العروسي، والشعراء حسين العوري والطاهر الهمامي وعبيد عياش والطيب الرياحي وسويلمي بوجمعة ونور الدين عزيزة الخ ... إلى جانب مجموعة أخرى انتهت بالسكتة الأدبية من أمثال حمة الهمامي وأحمد حسون وعلي خشارم ونتيلة التُّبيْنية ..كما امتدت هذه العلاقة إلى منصف المزغني ومنصف الوهايبي ومحمد الغزي وبشير وحسين القهواجي وجميلة الماجري ونجاة العدواني وسوف عبيد ويوسف رزوقة وعبد الله مالك القاسمي وعبد الرؤوف بوفتح ومحمد الصغير أولاد أحمد وشمس الدين العوني وسمير العبدلي وصولا إلى محمد الهادي الجزيري وحافظ محفوظ وعادل معيري ومجدي بن عيسى وفاطمة الشريف وفاطمة عكاشة وفاطمة بن رحومة وفاطمة بن فظيلة وإلى غيرهم من اللاحقين كمبروك السياري ونزار الحميدي وعبد الفتاح حمودة ورحيم الجماعي ، وما زالت الأيدي تمتد إلى بعضها البعض .

■ س: ما رأيك في مقولة البعض المصرّحة بأن الرواية الآن هي ديوان العرب ؟
□ ج: هذه المقولة أطلقها الأديب الناقد جابر عصفور في موضوع نشره بمجلة إبداع المصرية التي كان يشرف على تحريرها ، وهو رجل متشبع بقراءة الشعر ومفتتن بأقطابه الذين رفعوا لواءه منذ أواخر الأربعينيات كبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي ونزار قباني ويوسف الخال وبلند الحبدري معين بسيسو وأمل دنقل ومحمود درويش وسميح القاسم وغيرهم ممن كان القراء والمتلقون يتهافتون على متابعة ما يكتبون باهتمامات بالغة لأنه يعبّر عن مشاغلهم .. وبعد نكسة جوان 1967 بدأ الكثير من الشعراء يميلون إلى الميوعة والاغتراب القصائدي والضبابية التعبيرية فهجرهم القراء لتجد الرواية منفذا لتلميع صورتها ، إلا أن رأي جابر عصفور لا يستند إلى غير ما ذكرته لأنه لا يستطيع تقديم البراهين الدلائل المادية التي تبرر مقولته ، فكُتُب الرواية ليست أكثر انتشارا من كُتب الشعر في أقطارنا العربية ،وملتقيات ومهرجانات الشعر التي تتابعها أعداد محترمة بل كثيرة جدا أحيانا داخل القاعات وحتى في الهواء الطلق أوسع وأشمل من الندوات الضيقة التي تهتم بالرواية داخل فضاءات محدودة المقاعد.

محمد العائش قوتي / المتلوي / تونس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد العائش القوتي ( الخليفي ) ـ دار الثقافة بالمتلوي 2130 / تونس ـ الهاتف.....................................FB:.bidine KhlifiًًًًZIne ela





محمد العائش القوتي.png

محمد العايش القوتي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى