صلاح عبد العزيز - ديوان درجة فى نص ردئ..

المحتوى

1 – أمس بالأحمر
2 – عزلة وامضة
3 – فى المستنقع
4 – اليمامات
5 – فقد
6 – صلاة الخروج للجائحة
7 – فى النقطة العمياء
8 – الساعة
9 – لم يحدث أن
10- السافل
11 - سلم لا مرئى
12- درجة درجة فى نص ردئ
13 - رجفة وحيدة بمشجب
14- زيارة لشيخوخة مبكرة
15- مرايا
16 - شخص كمرآة
17 - فى السراب
18- نافذة خريفية
19- بين نص ونص
20 - انا صاحب ظن سئ

-----------------------


الإهداء :
( من لاشئ إلى لاشئ )

لماذا فى أواخر أيامى
تأتين
هذا اللاشئ من الحنين
لن يمحو اللاشئ الذى تحولنا إليه
ومع ذلك - ربما - يأتى زمن آخر
نستطيع من خلاله أن نحيا ولو فى ذاكرة القش
ولو ببضع كلمات عن لا أشياء كانت هنا ومضت .

------------------------------



أمس بالأحمر

كان لى قمر غير هذا القمر كان قمر المحبين ضوء القمر بنعومته الفضية لا يليق لهذه الليلة غير أن كل ليلة أقطع جلدى النازف وأرتق أسفلت الشارع

سرت كثيرا حتى أننى استغرقت عمرا طويلا ولم أتعب كأنما فى جراحة عاجلة أطوى المسافة أجد نفسى أنا المطوى أنا الآخر ـ على غير المعهود ـ رائحة كلس فى زخم الهواء البشر لا فرق بين الدم الجاف والأسفلت

ليتنى كنت متواريا فى مائك القمرى حيث لا شكل ولا جسم أينما ذهبْتِ الشمس ريح موج والحجارة دودة ويرافقنى غراب وحدأة يتيمان فى وحدة الأحمر ويتيهان صوت الخواء يتشكل فوهة جحيم أخلاط السلالات هى أيام الأسبوع حسب ما فعل الرب

هذه الليلة الدموية صبغت أيامى بالأمس فى اليوم السابع تفوح من الدم عرق سلالتى ـ لم تكن لى سلالة وقتها ـ كان حلما مجردا كان دمويا ومن جوعى قطعت قمرا نصفين ووضعت شمسا فى جيبى

الأمس شارع لا ينتهى فى بطن أمى سرته وحين ولادتى سار فىّ وللآن لا قطعة قمر تكفى ولا جيب مفتوق يرتق ظلمتى فى اليوم الثامن

ما بيننا وبين شوارعنا علة : ما الفرق إذا كنت أنت شارع يسير فى شارع ربما علة وجودنا أن نتجول فى شوارعنا نقيس المسافة بين (أنا)شارع رقم (1) و(أنت) شارع رقم (2) وهناك ميدان كبير . الخطأ فى علة الوجود كيف يلتقى الشارعان المتوازيان فى صورة متلاشية

وهناك خطأ لماذا يليق دم بجثة وفضة بقمر ألا يمكن مثلا خارج النص أن نتوازى ثم نتقاطع لكنها علة ناقصة . أىُّ هذا الوجود وجه حبيبتى فضة وجه حبيبتى علة العلل

--------------------------------



عزلة وامضة

الكتابات
مثل الملبس
قميص مشجر باهت
والعالم ضيق جدا

يلزمنى عالم أوسع
لن اكتب شيئا
كيف أكتب والمفردات انتهت
وعندما أدلف إلى نفسى
أجد جغرافيتى

من يستطيع اكتشافها

فى الداخل كتابات أخرى
كلما نظرتُ تضاءلتُ كلية
وعرفت أن هناك فارقا كبيرا
غير أن تفقد حواسك

أو تفقد ما تتخيله من قدرة

ماوراء الحواس دائما ما يصيبك بالرعب
كل طريق مر بى سلكته
وكل غبار سفر
جمعنى

والآن
عاريا وجائعا ومهانا
هل تثق أنك
بين بين
وانت بالصف الاخير
انظر للأمام
ماذا تجد
جمهورا من المرتزقة يجلس بالصف الاول
تقل مناعتك ويقل جهدك
وبلغت أقصى العمر والسلم يؤذى ركبتيك
ثم انظر للخلف
تنحاز دائما لرصيف بلا اقدام
ولأن أقداما كثيرة مرت
دون أثر

لن يصيبك الفزع
لأنك فى عزلة
تصعد فوق سطح المعنى
تطل
لا تجد غير مفردة وامضة
لها الحضور البهى
ولها العالم

يا لبهائى
ذاك نور يأتى من قلبى
وكنت قبل ذلك
لا بهاء لى

العبور إلى الجانب الآخر
يتطلب أن تكون مجنحا
عليك أن تستعير نسرا
سأرسمه لك فى التراب
وقل له وصلنى

مزقت أحزانى
بسكين المجاز
سوف اغسل حزن شجرة لا تورق
سوف افرش سجادتى للعصافير
وسوف تغنى لى
وتقول : أحسنت .
هى كل ما أملك
من حطام دنياى
ومع ذلك لن أضن بها

أخيرا سأسمع العصافير

ها هو العالم الكبير
حائط بدهان فسفورى
وصور كثيرة تجلس إليها
وفيه
فراغات
وهيولى
وهناك وحوش كثيرة ومستنقعات
قد تكتب شيئا ذا بال
هناك بحر أجل
هناك كواكب نعم
هناك أجناس تنتظرك وتراك دون أن تهملك

---------------------------------



فى المستنقع

أعود أقل انحيازا لمن يسير عكس اتجاهى ماء داكن مثلا كيف هى الحياة بداخله الروائح الكريهة أيضا تلك التى تفرزها طينة فى قاع مستنقع كان – فى الماضى طبعا – ولكن الذكريات نفسها تعيد العالم مجزء كأشواك تين وأنت تمسك بملقط ولا فائدة أعود من الخارج إلى الداخل حاملا جنون تلك العوالم التى تُرى والتى لا تُرى تقابلنى نفسى وأنا المُجزأ فتسلمنى نفسى لنفسى الأخرى وأظل هكذا إلى أن أصل وكلما استرحت فى طريق أظل أتجزأ وأتفتت كماء داكن فى مستنقع الروائح ليست نفسى العليا إنما هى مرحلة وسطى ما بين مادتى وروحى وفى الواقع أننى انجذب فى كل اتجاه تتكرر تلك الصور المادية حتى أننى أنطق أحيانا بلا غلبة مع أن صوتى يصدر من كوكب ويخطو خطوة واحدة إذ أن المعرفة فى الخطوة الأولى تتشكل وأظل أقل انحيازا لنفسى التى تسير عكسى فى المناطق الرمادية تنتقل بوجودك ولا تستطيع أن تتخلص من صورتك الأولى إلى حيث لا تولد ولا تموت كمثل غيمة تمسكها ولا تعرف كيف تسقط وعلى ذلك كل انحطاط من طينتى من ذرة ومن لا شئ فيما اللذات تنكمش وتسقط من شجرة أيامى وكل لذة مرهونة بها فكيف تتركنى وحدى وتسلمنى لنفسى أنا الخائف .

-------------------------------



اليمامات

يلزمنى أن أحط اليمامات فى عشها
اليمامات عششت فى كفها
والعش ليس مثل الكف

الفرق ليس كبيرا
فى عشها أو كفها عيناى فى يدى
أم عيناى هى
والله ما طلعت اليمامات إلا
وكأننى أشرقت شمسى
من عينها إذا نظرتنى بعينى

واليمامات استوطنتنى
ما غربت شمسها عنى
ويلزمنى أن أرى أو لا أرى
نقر اليمامات فى كفى
ما بال تلك اليمامات
والحمامات أيضا وسائر الطيور
فى كفها الغابات كلها
يا لبحريك العجيبين وصحرائك المسنونة
والله
ما طلعت شمس ولا غربت على اليمامات
إلا وجدتنى أنا كفها

-----------------------------------



فقد

دائما فى المساء وقبل عودتك بقليل وعندما يختفى القمر تهب ريح قبل طرق الباب وتخبر عنك فلا تطرق الباب لأنه فُتح وتدلف للصالة تستقبلك أريكة ساهرة وتنظر إليك صور الحائط تُسلم ملابسك لمشجب بعشر عُلّاقات تجلس أمام التلفاز قليلا تتخطى حوادثك اليومية وتقول فى نفسك هكذا يجب وفى نصف الليل تماما تغادرك الأشياء كوب شاى لنصفه ومنفضة مليئة بأعقاب سجائرك ودخان يظل منبسطا أمام عينيك وهى غافية ينسحب الغطاء حول جسدك وينام .
فى مساء آخر تجد قفلا على الباب لا تتذكر متى وضعته بمفتاحه ربما لأنك تنتظرها هى الحاضرة أنت تعرف ذاك جيدا رائحتها التى تكفيك ثمة جسد يملؤك بالوحشة ويجذب يديك لخصرها وفى مواجهة وجهها تظل عالقا بين يديها فمك فى فمها للصباح .

ككل مساء لست وحدك على يقين أنها معك الشقة مرتبة بعناية ولا أثر لتراب الثلاجة مليئة بالطعام والفاكهة منذ رأس السنة وحتى الآن أغنيات التلفاز كما هى وضحكات الجيران وشارع لا يكف عن الضجيج تبتسم لها وهى آتية تلاحقها من غرفة لغرفة لا وقت لكلام فائض عن ذكرياتها .

وككل مساء يظل الجسد بين يديها ذلك الذى ينام معها ولا تستطيع كبحه لا تستطيع أن تهمس له بأن العزلة تعطى الخيالات جسدا والأوهام حقيقة ومنذ زمن وإلى الآن وهى تدفع إيصال الكهرباء وتطفئ النور وتنام بجانبك

-----------------------------------



صلاة الخروج للجائحة

سلاما للطيور والنباتات وللصخور
سلاما لسائر البشر
للهواء والسحاب
وعن انحطاطى فى نصفى السفلى بعيدا عن مشارق النور سلاما
كنت فى سريرتى وفى ماء دافق لا منزلتى تدنو ولا تعلو ونفسى معجونة بالرغبات
كنت قبل الخلق فى نهاياتى
كنت مربوطا بوتد الروح
يتشكل الإدراك غالبا من اليأس
كنت يائسا

لا نفس غير نفسى
كنت مطهوا فى قالبى
مستقبلا رداءة الوعى
وداخل كينونة ماسطره الخالق

كان جسدى مجرد وسيلة نقل
وها هو فى غفلة يتداعى
فى الجائحة
ويخرج

سلاما لانحطاطى سابقا
وعلى الدنيا السلام
ماعشنا سوى حلم
وعندما ادركنا كانت تمر
لهذا
لم أستطع الخروج من قالبى

-----------------------------------



فى النقطة العمياء

هل تستطيع أن تسمع
أو تشاهد
النظر للأمام يلهيك
مع أن ما يحدث ربما يعيد لك الإدراك
حين تهاجمك الهوام
والوحوش المختبئة
البعض منا يدرك أنهم هناك
ينسحبون من بؤرة الرؤية
وفجأة
لن يمنحوك سر المقاومة
كن واثقا أن النقطة العمياء
أهم بكثير
منها تعرف مدى صلاحية الأصدقاء
ومنها ينطلق السهم القاتل
وفيها أعداء كثيرون
يتيهون بعمائك
ولأنك قطار
هم لا يسيرون بين القضيبين
كن منحرف العينين
حتى ترى
فى حياتى السابقة أهملت ذلك
وأحدثك عن كم الأعداء
كم كنت ناجحا
فى اقتناص النسوة
حتى السرير
و أدرك أن نصائحى لهن
لم تنفع
السبب فى الزوال – غالبا – من النقطة العمياء
النقطة التى يختبئ بها اللصوص
و العاهرات
وقوادون لم أنتبه لهم
وحين افترشت البلاط
وجدتنى أعمى
إنتبهوا
يا أصدقائى لربما هناك سهم مارق
وربما هناك عدو
وربما لا شئ

----------------------------------



الساعة

سأعطيكٍ عشر دقائق حتى تأتين
لن أمد يدى
التراب متشبث
والعشب والحديقة
ولست بيد حبيبتى التى نسيتك
ها أنا منذ سنوات
أتذكر ان الأرض اهتزت
وأحدث الهواء ثقبا
بأذنى
تلك الصرخة لطائر وزع الثوانى ومضى
وظل الوقت يكبر لعشر دقائق
ثم لعشر سنوات
ثم لعشر سنوات أخرى
وهكذا
الساعة متوقفة منذ سنوات
وليس على أن اعيد حزن الطيور
وهى ترقب
يدها الخالية
وهى بالنسبة لى
عشر سنوات
ثم عشر سنوات أخرى
وهكذا

---------------------------------------



لم يحدث أن

أنا أيضا أضحك كثيرا
أظل فى ارتباك
علّنى فى نهاية الأمر أكف عن
مواجهة محنة مشيتُ لها عمرا بأكمله

تتقشر شقوق وجهى
تنحت أخدودا يمر منه نهر إلى عتبة البيت
يتوقف ناس كثيرون بقوارب
يرون فى إقامتهم
انهمار شظايا نيزك
فى لامبالاة من السحاب والعطش

سماء تمد يدها
كل مافيها رمال وجبال مقلوبة نحوى
مأساة حقيقية أن لا تكف عن الضحك

أعود إلى حجرتى
ألبس ملابس الوحدة
أفتح شارعا طويلا
أسير إلى محل اخترعته للتبغ
دخان الذاكرة مر على مدار العمر
لا شئ تقريبا حدث

كل مرة أبحث عن اللاشئ
ربما يكون حنينا أو مجرد ذكرى
وحيدة كورقة
أعطى المكنسة راحة من التعب
وأضع ذلك اللاشئ فى جيبى وأعود

هل هذا اللاشئ هو الوحدة
ربما

وهى آتية أحمر شفاهها بلون الأفق
وعصفورا خديها يسبقان قبلة لنصف الطريق
ربما هى
ربما تكون امرأة وحيدة تلتقينى
قبل فتح الباب
تدلف معى للسفر
من حجرة إلى حجرة
أتحمل خطاها فى جسدى
ووطء نعلها المكعوب

تلك الأنثى النقية البيضاء
وعيناها المغروستان فى عنقى
أخط بسببهما مدينة على التراب
أدخل حاناتها
تتعدد وجوهها وهى فى كأس الشراب
تشربنى

تخطيت حاجزا من الوهم أو من الحزن كى أضحك
ومازلت أتخيل الناس فى الشارع
بين يدى
يلعبون ويبنون بيوتا يسكنون ويتناسلون

أصبحتُ قبيلة منفصلة عن الواقع
عن اللاشئ الذى ربما خرج من جيبى
وتجول فى الحجرات
وبلا وعى
أنفض عن نفسى غبار ذكرى وحيدة
مازالت تتجمع صورها
تدلف تحت غطائى
وما بين النعاس والوسن
أجد جلدها الفضى يغمرنى بالسعادة
وعلى ما يبدو نسيت زر النور وشعلة الغاز

ألقى تعبى على وسادة
تنسحب من تحت رأسى
أعود كما أنا واللاشئ

الذى لم يحدث أن أظل مرتبكا
هكذا تعوزنى الكلمات

----------------------------------



السافل

الأكثر إيلاما
أن تسير فى شارع لا تُرى خيالات الناس
ومع ذلك يعضك كلب
زحام متواطئ
لدرجة البكاء
لدرجة أن صوتك لا يحتوى
مقدار بوصات من الفزع .

انت تتألم وكفى
ماذا يهم
تجاوزوك حين سرت لآخر الشارع
ما الذى يجعل الشعاع يلتف ويوخزك
يجعلك لحما منسابا فى العرق مملحا
بالروائح
حاسة الشم منك إلى الكلب مباشرة .

مثل آخر مرتبط بالكلب أيضا
ومع ذلك
لا تفهم
كمن من كوكب آخر يتعلم لغة الأرض
كى يصير معلما .

الناس كالحروف وكالكلمات
كلما انتقيت حرفا
بحثت فى المفردات
ليكن
- فى تلك المناسبة -
حرف ( ك )
حرف( ل)
حرف (ب )
المفردة كلب
والمثل عن كلب
ظلم للكلاب بالطبع
ما المانع أن يعضك إنسان
وسط الزحام .

فى الزحام لست سوى رقم
إما لبائع أو لص
لا تساوى غير رقم
ربما رقم قومى .

حين تصبح حادثة
ساعتها ضرورى وإلا
تصبح مجهولا
تأخذ رقما مجهولا .

أظن أنك تحمل أرقاما فى جيبك
وفى الذاكرة
ما أشبه الذاكرة بالسلة .

مسودات
حروف
مفردات وأرقام

حرف لرجل سافل
رقم لنفس الرجل السافل
مفردات سافلة لرجل سافل
السافل يدوم ولا يموت
ك : ل : ب
فى السلة

ألست تتألم وكفى
ما الداعى لاحتكاكك باللغة
تألم بصمت
تألم دون حرف
تألم دون مفردة
تألم وكفى .

عن مثل شعبى آخر :

المتشحات بالسواد
هؤلاء هن من أكلننى
على مأدبة الطغاة

فصيلتهن غير مدرجة على اللائحة
ربما صنف جديد
بفعل الهندسة الوراثية

كنت تطعمهن الشهد كما يقولون
النفس التى لا تستسيغ الشهد لوجود جائع فى الجوار
هى نفسها التى ترملت لوقت كاف لنمو صبارة عملاقة تنخر القلب

وكما فى جنازة يحدث أن كلبا مات

مات كلبهن العقور

كانت جنازة فخمة جدا
على حسابى بالطبع
على حسابنا جميعا

لما تلك الجنازات دائما حارة

القرى والعزب والرجال الأقوياء وفود من المدن الرحمات الواسعة وهن المتشحات بالديون والسحت ما بين النسوة الفرحات والحمقاوات والمعقورات يملأن جرارا من الأعمال الصالحة لمن دخل المقبرة توا

بالنسبة لى كنت ميتا قبل ذلك بزمن يفوق التحمل بفعل ندبات كما يقولون تفرح قلب العدو
ندبات مازالت فى قلب المقابر
يتناولها الناس مع الطعام والشراب

كيف يتشفى ميت من ميت
أو من حى
الأموات عادة ينتظرون

سأنتظرهن تلك الفصيلة المنتقاة للغدر
وحتى تنمو لى أسنان لمضغهن دفعة واحدة أنا صديق الكلب العقور بلا أسنان أطحن حجارة الغدر بريبة واهية .

----------------------------------


سلم لامرئى


شعاع يخترقني مباشرة
والرأس طبولها المدوية كصهيل الخيل
فى مربط فقير
دقت طبول الحرب

تسلقت الشعاع

لم أدرك
لم أدرك أى شئ بالفعل
سوى أشباح من لم يُقدروا المسافة
بين السماء والأرض

مثلما تخلى الشعاع عنى لم أصل
ولم يصلوا

ومهما كان
لو سقطت شمس أو انهار كوكب
لخرجت بيدين مرفوعتين
عسى فى حنو السقوط تكونين معى
لشد ما ارهقتنى المعاذير
الأمل مثلا
الشعاع الذى يختفى ويعود
ثم يختفى كأمنية وحيدة

إذا سرت منفردا تبتسم نجوم فى سمائى
وتجمع حطامى

انا زورق من البردى يعبر المحيط
ومهما تهيأت العواصف
يتجنبه الغرق

البحار تائهة
لن تتحمل غرقى تائهين
ولعدة مرات أمسك لسماء قريبة العهد
مقشة
أكنس نجومها المعتمة
تصبح كشارع نظيف
وما كان لشخصها أصبح لى

كانت رائحتى تفوح منها
كعائد من حرب
تعب ثم توارى ثم عاد

وكنت أقول لها : يا قمر .
كانت تقول : لا تشبهنى بالقمر. أنا أجمل.
قلت لها : الشمس .
قالت : أنا أجمل .
قلت : ما يكون منى.
قالت : ولو
- أهكذا فى العلاقة
- هكذا
- لا أفعال لا أسماء لا حروف
- لو اخترت غير هذا لكنتَ هالكا

لهذا يجب
أن يكون الإله جميلا
فى لحظة الدفق
ولحظة الولادة
الشعور بأنه معنا
يسمع أنين المواجع
رغم ذلك لا يمنعنا عن اللحاق بأقربائنا

أنا مثلا
لم يحرمنى النظر فى عين الشعاع
فتساوت الحياة معى
لا يهم
هذا الشعاع يضحك ويبكى ويتلون
بما يفعله الحلم
الحلم الذى أتت به الحوريات

الشعاع ذلك السلم اللامرئى
فى منتصف المسافة
والأكثر قابلية للتصديق يمكن أن
يتنزهن فى حدائقى
يمرحن ويصعدن إلى جبهتى
يتمددن بقربى وينمن معى
تظل أرواحنا معلقة بهن

وهى الأجمل
وهى ما لا يمكن أن نصل إلا بالموت
وعلى ذلك
كل الأمنيات مثقوبة بملابس القتل

--------------------------------



درجة درجة فى نص ردئ

سأترك نصى على سلمك وأمضى لتاريخى
كل قدرتى أن استسلم
فى ارتباك قلبى
لإرادتك
يشهد العالم ويرى نصا
ترتجف عمدانه وحوانيته المزدحمة
مذبوح الصوت على عتبتك

لا شك أن السلم يئن
بصداقة معطلة
بين الكلمات والمعنى المؤجل
لنص ردئ
والذى يبدو
أن عطرا ما فر منه فامتلأت الأرض بالحنين

لماذا أسمع صوت بكاء
لماذا كلما قرأت شعرا
تدمع شجرَةٌ
لماذا فررتُ سابقا

فى المنفى شعراء آخرون مروا
تركوا نصوصهم الجائعة
وكل مرة تسيرين إليهم فى الحلم
يلتهمون أصابعهم

ما الذى يجعل الشعرَاء جوعى
لا أظن الحنين فقط
لا أظن الجسد فقط
لا أظن أنهم رحلوا
فى نصوصهم تركوا الروح
وبلا جسد عادوا

كنت أصعدُ
غير أنى انزلقت لهاويةٍ
عاندتنى الأحجار والجدران
كنت أقرأ النص
لا تتركى قلبى فى متاهة من يشرب
ولا يرتوى

تعلقت بشجرة قاسية
أغصانها العوالم المنهارة
وعلى ما يبدو
وجدت نصا معلقا
على سلم

معى نص ردئ آخر
لكى يصل
لكى لا يعلق صوته الأخرس بالفضاء
عرفت مكانا للبكاء
بعيدا حيث لا أرى غير أصابعى المدماة

بعد أكل الثمرة المحرمة
أصبحت عاريا على سلمك
أبحث عن ورقة
انا جائع منذ رحيلك القدرى
منذ هبوطى الأخير
درجة درجة

------------------------------


رجفة وحيدة بمشجب

سديم يفر من يدك تراب عالق
يمنع سماء رمادية تهبط
على عشب أصابعك

نوم وحلم تجلس فيه
عناقيد ونوارس وكائنات
تلعق ما تبقى منك وتصعد لامعة

هناك رجفة فى لافتة
بالطبع لن ترفض قبلة
من شجرة طبطب عليها الخريف
ومضى لصحراء لاهثة
بالطبع الرصيف أيضا
وسائر النباتات والجمادات
تستطيع اختطاف قبلة عابرة
حيث تركتَ عينك وسرت

لولا التراب ماكنتَ ترابا
لولا الهواء ما كان صوتك
أنت نسل زمن فارغ
فى وقت يسحب العمر
لولا النطفة العمياء
من تمنح السلالة عرشك

كلنا يمضى
كلنا على الأرض ضيوف
أبقتنى النطفة فى الرذاذ
فى صوتى يتسرب
الهواء
رقة الروح
مظلة مثقوبة

كالماشين على دمى
الراحلين فى ضباب العالم
كنهر ترك ماءه على مشجب
كنجمة تنزل من ليلها بلا
مظلة مثلى
عينها مغمضة لكنها مثقوبة
سأرتق المظلة ليوم آخر
وهى تغسل أقدامها العارية

هكذا ارجع مليئا بدموع السماء
على الأرض السلام
ولنا المسرة

بطبيعة الحال لن أرفض
ولو على سبيل التغيير
حجرا مر فى طريقى
وتنحى
الواحد إذا نام
تصبح اليابسة موجا يفوق البحر
الواحد اذا انتصب
كالألف
تلين حجارة القاع
تصبح كوكبا
أو
رجفة وحيدة بمشجب .

-------------------------------


زيارة لشيخوخة مبكرة


ثمة غمامة كثيفة من الجيران
فى الصالون
أشم رائحة ثلاثين عاما من الغياب
عندما أدلف من الباب
لا أريد أن أوقظ الموتى

عادة كما هم
الحاضرون أبدا
من مشوا وتعبوا فى البحث عن أجسادهم
تعلقوا بأجسادنا

تتغير المناخات
لكن ليس كثيرا
حتى أن جسدى يظل مشتبكا بأرواحهم

لمبة الصمت
حين يتكلمون فى ضوئها
تشتعل عين حجرتى بالدمع
يرسلون الرسائل
كلما سرت كهرباء أرواحهم
ومرغما أطير من ظلمة إلى ظلمة

ما الذى يدفعنى أن أقوم من نومى
لكى اغلق الثلاجة
أحيانا تمطر السماء على مدار اليوم
وهكذا أصحو
على
حلم مطر

ما الذى يجعلنى هكذا
كلما ذهبتُ قدماى فى مكانها
أتحسس وجهى بمفرداته على الحوائط
كشخص غائبٍ
إلى أن أنام

هناك حفلة وتعارف كيف حالك .. ازى الصحة .. وكلمات من ذلك النوع الذى يتكرر كثيرا
بين الأصدقاء

الشيخوخة قاسية
عندما تأتى مبكرة
فى دوران الأرض
ينقص العمر
نشيخ
فى ذهاب يوم آخر

مروحة السقف تئز
لغة الموتى هكذا
لا تحس بها غير الآلات
مثل الثلاجة والخلاط والمكنسة
سلسلة المفاتيح أيضا

لا أريد إيقاظهم
عندما أدلف للداخل
فى مروحة السقف
وزر النور
وكلما تلمستُ حائطا
كلما أضأتُ مصباحا
نحتاج لمن يرمم الأعطال
لآلات تلبست بأرواحهم

أى إشراقة لهذا الأفق
لشجرة قديمة
تنزل لها النجوم
بمرآة من البهجة
ولهذا
انتباهة الضوء
وبعض الندى
تنبت
تحت عباءتى
ومن جسدى
أطعم فرخ غراب
فى يوم مطير

------------------------------

مرايا

1

يتعانق ظلى مع ظل شجرة ويتركان أثرهما فى التراب
المرور على ظلال الناس يجرحهم
وتلك الندبات فى الارض تلد الفزع
الفزع نهر خالد فى تلك البلاد يمسح ظلالنا كلما فاض
وكلما فاض يجلب أشجارا جديدة
تتعانق مع ظلالنا التى ترفض المغادرة
فى أحيان أخرى تصبح الظلال
شعبا
والأشجار قرى .

2

عالق فى المسافة انتظرت حجرا وانا أجلس على شخص فى مسافة عالقة عكس عقارب الوقت كم ساعة فى يد الشخص وكم تنظر وجها لمن تعكس الأشياء وضعه إذن نعيد ترتيب ما لم يكن مثلما :
انتظرت شخصا على حجر وانا عالق فى المسافة كان الوقت يسير عكس عقارب الساعة
ما اتفقنا عليه
لم يكن .
هناك رسائل تكتبنى وترسلنى إليها لتقول لى :
أن موعدا يحددنى وأنى سأجلس على شخص من حجر كما أن البريد لم يُرْسَل وجلستُ أنظر ما تبقى منى بعد أن غبتُ
ولم أذهب
وها أنا أنتظر .

3

لست اكتبنى بل يكتبنى هو
أنا رجل عادى وهو غير عادى
يمارس نحوى طقسه اليومى
فى النهار
يبدأ يومه حيث ينتهى يومى
يكنس شارع الذاكرة
بمقشة أحلامى
وكلما استكشفنى
أجدنى
ذلك الفناء الذى
تطقطق عظامه
كعظام الموتى
فى مائة عام من العزلة .

4

قتل الفراغ كخداع حبيبة برشوة
صحيح فى غمرة الحزن تفجؤك السعادة
هى تبكى وأنا أضحك
وأكون فى غمرة الحزن أعلقنى
عدة ثوان على صدرها الطرى
قتل الفراغ حرفة .

5

جئت من المعلقات السبع وحفرت نفسى فى جدارها
مال الجدار
صنعتُنى وتدا وانغرست
فى ترابها وأقمت الجدار
وظللتُ هكذا فى التيه
أجدنى فى النص المعلق
ما بين جدار وجدار

6

مرآة لمرآة
ماذا تتوقع أن ترى
عالم يسير فى غير اتجاهه ( صح - خطأ )
اختر إجابتك
مرآة لمرآة ( صح - خطأ )

------------------------------


شخص كمرآة

فى الواقع لا أجد شيئا سيئا رغم أن حياتى كلها سيئة خذنى مثلا : يحدث كثيراً أن أتجول بدون أعضائى ولأنها ليست مهمة لا أفرق بين من أحبة ومن أكرهه وبينما تمر حياتى لا أجد غير طفولتى .

البعض منا يتخيل زمنا آخر كالسجين ولكل منا زمن متخيل فماذا تستطيع أن تفعل بأعضائك ترسم بلا يد وتتكلم بغير لسان وترى عالما مشيدا بغير عين ليس جنونا بقدر ماهو وعى بذاتك المنهكة .

ما هو العالم ؟! بحر بلا سمك وصياد بلا أدوات الأغرب من ذلك أن يصيدك شص مصنوع من الهواء وتظل معلقا على جدران الآخرين أعضاؤك ليست معك وليست معهم وما كان متخيل أصبح حقيقة .

الظل الذى يتعانق والأثر الذى فى التراب كيان مارق حتى أن الفزع نفسه يكون أنت فلا تفزع من نفسك حين تمر أنت الشخص الصحيح تخيل أنك فى مرات عديدة كدت تفقدنى ولن أنسى أنك أنا .

شخص ما فى الواقع يعمل كمرآة كل انعكاس يحتوى فراغات هائلة ممتلئة تشرب الشاعر منى الفراغ الأبيض كتابتى خربشات التراب ودم الحجر وما خلف السطور والواقع صورة وانا خلف الصور .

الشكل متقنع بالقوالب لى عدة قوالب تصبنى ومن حيث لا أنتظر أنتظر ومن حيث لا أكتب أكتب سيدتى القصيدة لا تنتهى وأنتهى بين يديها فى الواقع أنا شخص يعمل كمرآة لمرآة .

---------------------------------

*

فى السراب

......
......
فى المطبخ
وبينما تقشرين البصل
نظرت الأوانى لابتسامتك
ويدك البضة الطرية تخرج من الحلم
الأوانى لا تجد غير العطش وكلما غرفتِ لا ترتوى
......
......
فى المطبخ
الماء مر
والهواء ليس هنا
حلم مطبخك الصغير
غير أن ما حدث
كان شيئا آخر بعدما كسرتِ كوبا
......
......
أنا أيضا كنت فى غرفة السراب
كان لى نصف السرير
من يومها كل شئ نظيف
من سعادة تنهمر فيها العتمة
كلما سبقتها سبقتنى
......
......
الصحو كما النوم
كل هذا المدد ولا تبقى نفسى باخضرارها
تتبدل وجوهك الكثيرة فلا أعرف لك وجها
يقاسمنى الحنين والطعام ودورة المياه
......
......
بعد عشرين عاما من الوفاة
كنت تعدين الطعام
بشعلة بطيئة
تنضج الأرواح فتقيم موائد واحتفالات
أنا نفسى
كنت اعشق لمستك النهائية
وأنت آتية من بعيد
......
......
أشعة متكومة نسيتها الشمس
أرواح ترتسم على وجه
فى الحجرة التالية
فى قطار تسرب من الحلم
......
......
فى محطة الوصول
لوحتِ لى
عرفت اننى معك طوال الوقت
فى حلم يدور مع النهار والليل
......
قناعك فى الحقيقة هو هذا الشعر
......
فى السراب
أحاول مواساة نفسى بتصنيع دميات للصبية من حطام القلب
كزجاج مرآة كلما دستُه
انفجر جرح وغرقتُ فيه
......
......
مبادلة خسارتها ظلام أبدى
......
كل قناع يتبدل حسب الشخص
إلى أبعد ما أستطيع
أعشاب رأسى تبوح وإن تهدل نصفها واجتز صوفها الزمن
كان الصف طويلا طويلا
كما هى الأحزان مزدحمة
تبحث عن أجسادها
......
......

-----------------------------
*

نافذة خريفية

فى الضجيج الصامت
رائحة أعشاب مجففة
رطوبة زنخة
وكل صباح تتآكل أفواهنا

تباطأت السحب
أرسلت ضبابها فاختلفنا فى الطريق
ولأننى هنا أبحث
كيفية محاصرة الفراغ
فى عمل وجبة للطيور والثعالب
مع النافذة
تصبح رأسى فارغة
وتفر منى

أتخيل حديقة نمت
نافذة تورقت
سحبا تدمع
كنت أدعوها جيرانا
فى السنوات العجاف

امرأة شريرة
طفل تتحول أمانيه إلى ما يشبه
إنسانا بائسا يدخل عينيك
كشوكة
المارون منها يرون الصمت
أو الأرض
- بطينها المعوج -
أقرب منك

كدب يقفز على شجرة
ينكسر فرع شجرتى القديمة
كنت أحملها فى خضم تقلباتنا
بين جذر يمتد
ومن أيامنا أفرع تسقط

ورقة خريفية أخرى
نمشى ونبتسم وتظل نوافذنا
المفتوحة مغلقة
كأنما لم نر الموتى منتظرين
فى الردهة

يعطينا الخريف حرائقه
فلمن سيهطل المطر

........................

----------------------------
*
بين نص ونص

يكفى
أن تظل بلا وهم
فاردا أضلاعك على الأفق
والطيور التى تسابقها
تقر أنك البلاوهم
وأنك تسير نقيا بعيدا عن
الخطأ
على شرط
أن تظل عينك باردة
وثلجية
تلائم الجبل الأبيض
الذى ينمو بأطرافك

انت الرجل الذى يلائم ظله
ويتواءم مع وقت تسرب
من ساعة متوقفة
كسماء مدهشة تنمى
رغبة الحياة
فى نبت صغير

يكفى
الليل والنهار
أيهما تختار

دائما السكون
حيث البشر المتعبين نائمين
وأنت مع مرواغة القصيدة
كطفل
هى العارية تأبى خلع ملابسها
ليس عليك سوى أن
تدخل عباءتها
تتحسس ملمسها
ولا يكفى

فى الكراهية تعم الفوضى
ربما تكره ما تحبه
ربما تحب ما تكره
وهى لا تأتى كل وقت
هى النائمة بحضنك
وانت الفراش الوثير
ويكفى

ايها المراوغ ما بين نص ونص
تحترق فى كتابة اللاوهم
مثل " أمس بالأحمر "
وتلك - كائنات القصيدة -
الكلس الذى نتنفسه
جدار عازل ما بين
نص
ونص

ولا يكفى

-------------------------------
*
انا صاحب ظن سئ

للشاعر أن يستريح يستعيد نفسه من معركة خاسرة فى نهاية النص يفلت النص منه منتصرا ويعود هو مهزوما يلم اعضاءه المبعثرة ومن آبار عرقه يُخرج آباره التى جفت وطمرها الرمل يعود إلى صحرائه هرما ويابسا كخشبة .

يموت الشاعر فى نهاية النص وتحت عباءة روحه فى انتظاره تابوت من العتمة كل نص هكذا الشاعر جثة تمشى فى السوق شبح فى شتات نفسه له تحيات مقتضبة وايماءات مبهمة وباحثا عن نزيف آخر يطلقه كنص .

الشاعر الحى ليس افضل من الشاعر الميت كلاهما فى البلوى سواء كهرة تقفز فوق سور تطارد فأرا له مخالب نسر وأسنان أسد فى غابة حية من المفردات المسننة تاريخ من العبودية والاغلال بين النص والشاعر هوة .

الجبال الزرقاء والخيالات وكل ما يقرب الموت يخرج بجسد نحيل كخيط إذا لففته صار كرة وإذا طويته صار قشا وإذا شددته انقطع انا صاحب ظن سئ جبالى الزرقاء تنتهى انا حافة مسننة القى بنفسى فى هوة الخيالات .

ولا موت بل خيط مشدود كوتر ما بين نص ونص انا إبرة الوقت بثوب القصائد معطلة خارج النص ممزق بظنى كأضحية لعلامات الترقيم والأمثال الشعبية والخرافة وردئ ما بين نص ونص بلا عمل تقريبا فى انتظار النص .


****************
صلاح عبد العزيز – مصر ⁦🇪🇬⁩⁦🇪🇬⁩⁦🇪🇬
الزقازيق
مارس - مايو 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى