روضة الأسدي - الكتاب هذا المعشوق الذي يأخذني إلى عالم الخيال

أتمنى أحيانا لو كنت أُمية ، إذ اكتشفت أن مصيبتي أو نعمتي تكمن في كوني أعرف القراءة أو بالأحرى في كوني أقرأ. كل كتاب أقرأه ، يدخلني عالماً جديداً ويفتح أمامي بوابة نحو المجهول ، أغوص فيه أسابيع ، أُقلب الصفحات بنهم الجائع وبشوق الملهوف . والعجيب في الكتاب أنه يشعل ويشغّل خيالي فيجعلني أعيش تفاصيل البيوت أو القصور أو الاكواخ أو الغابات أو البحار على حد سواء ، أعيش فيها كأميرة أو ملكة أو كاتبة مجهولة أو خادمة أو حتى عصفور . أتفاعل مع الشخصيات ،أتقمص الأدوار حتى أصبح طرفا خفياً أو ظاهرا في التأثير على مجريات الأحداث ، وكثيرا ما أقحم نفسي في شخصية لدرجة أنني أعيش معها كل حالاتها، وكثيرا ما ينقلب مزاجي رأساً على عقب بعد قراءتي لعدد من الصفحات في الكتاب ، فأعيش الفرح كما الحزن ، القوة كما الضعف ، الرزانة كما الطيش ، الاهتمام كما الإهمال .

صفحات تؤجج فيَّ شوقاً وحنيناً لحبيب مسافر أو تثير شفقتي وألمي على سقيم عليل أو تبعث في عيني بريق عاشقة بين يدي معشوق أو تجعلني أنتشي على سلم النجاح .

صفحات تدخلني في حالة سبات شتوي ثم ما تلبث أن تفرشني ربيعاً ، صفحات تقلبني ، تبعثرني ، تلملمني ترميني وتسقطني ثم تتلقاني وتحضنني

كلمات تجعلني أرى العالم من خلال عينيْ رضيع , مراهقة , زوج خائن , امرأة معشوقة ، عجوز وحيدة ، تاجر خاسر ، عازف يعتلي أشهر المسارح ثم تشل يده ، أحدب يقيم في قلعة مظلمة ، عروس في ليل زفافها ، عفيفة تقهرها ظروف الحياة فتغدو بائعة هوى ، طالب يدرس في الخارج ، سياسي كاذب منغمس في كل شيء عدا الوطن ، حصان كادح ، فأر في مصيدة ، طاووس مختال ، ثعلب مخادع ....

إن أصعب مرحلة في قراءة الكتب هي مرحلة انتقاء الكتاب ، فتراني أزور المكتبات مرتين سنويا ، أبقى فيها وقتاً طويلا أبحث ، أُقلب ، أقرأ ، أقرر ، أُغير رأيي ، أتفحص العناوين ، الغلاف ، عدد الصفحات ، جودة الخط وحجمه ، مستوى الكتابة ، أسترجع اسم الكاتب من ذاكرتي فربما قرأت أحد مؤلفاته ،أقرأ التلخيص على ظهر الكتاب ... ثم اُقرر وأدفع ثمنه كأنني اشتريت أثمن جوهرة وأخرج محملة بكنز لا استبدله بآخر ، بزاد يسد جوعي نصف سنة . في غرفتي، أضع كل الكتب أياماً بجانب سريري كأني استعطفها أن ترسل إليَّ حلما منها أثناء نومي ، أو شخصية توقظني صباحاً وقد أعدت لي الفطور ... ثم تأتي مرحلة اختيار الكتاب الذي سأقرأه أولا ، وهي مرحلة تشلني وتقيدني ، وكثيرا ما يكون الانتقاء عشوائياً حتى لا أثير سخط كتبي علي خوفا من تمردها يوما ...

وتبدأ رحلتي إلى عالم آخر . مع كل صفحة ألتهمها ، أقترب من النهاية ، فأكتئب وأحزن كأنني سأفقد أناساً رافقوني زمناً ، عرفتهم وعرفوني ، ألفت وجودهم في وجودي ، عشتهم ، تذوقتهم ، شربتهم ،سكرت من خمرهم ، تجرعت همومهم ، سعدت لفرحهم .... لكن لابد من فراقهم ليتركوا فيّ بصمات خالدة ، بصمات جعلتني ما أنا عليه اليوم .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى