مصطفى نصر - نساء عاشقات

يضرب المثل في سرعة الزواج بأم خارجة، وهي عمرة بنت سعد بن عبد الله بن قراد بن ثعلبة. يقولون في المثل " أسرع من نكاح أم خارجة ". فقد تزوجت أكثر من أربعين رجلا من أشراف العرب وهي أم للكثير من القبائل العربية. تزوجت في بادئ الأمر من رجل ايادي فخلعها منه ابن اختها، فتزوجت من بكر بن يشكر بن عدوان فولدت له ابنها خارجة الذي تكنى به، وتزوجت عمرو بن ربيعة فولدت له سعد أبو المصطلق- من قبيلة المصطلق الخزاعية- وتزوجت من بكر بن عبد مناة بن كنانة فولدت له أولادا، وتزوجت من مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد فولدت له، وتزوجت من جشم بن مالك بن كعب القضاعي فولدت له، ثم من عامر بن عمرو البهراني القضاعي فولدت له، ثم من عمرو بن تميم فولدت له أسيد والهجيم ابنا عمرو.
يقول عنها الميداني في كتابه مجمع الأمثال عن المبرد: ... وكانت تطلق الرجل اذا جربته وتتزوج غيره، فقد كانت العصمة عند ذوات القدر والشرف من نساء العرب في أيديهن، إن شاءت بقيت عند الزوج وإن شاءت تركته.
وقد بلغ من سرعة نكاحها أن الخاطب يأتيها فيقول: " خطبة "، فتقول هي: " نكاح "
وزعموا أن بعض أزواجها طلقها، فأخذها ابنها، لينقلها للحي الذي يسكنه، فقابلهما في الطريق راكبٌ، فلما تبينته قالت لابنها:
- هذا خاطبٌ لي لاشك. أتظنه ينتظرني حتى أنزل عن بعيري؟
فضاق ابنها بحديثها وسبها.
**
ومثال ذلك ما حكاه لي السعاة الذين كانوا يعملون في الشركة التي كنت أعمل بها- وكانوا من قري تابعة لمحافظة البحيرة - فزعموا أن امرأة مات زوجها تاركاً لها أولادا، أصبحوا رجالا أشداء، اغتنوا وامتلكوا تجارة كبيرة في البلدة، لكن المرأة أحبت جارها " الحاج علي". فكانت تسير أمام بيته في أناة علها تراه ينظر من النوافذ والشرفات. وكانت تُكثر من ذكر اسمه في مناسبة وغير مناسبة. حتى أحس الجميع بمدى حبها له. وأحس أولادها بالعار من تصرفاتها، وكانوا قبل ذلك يوقرونها ولا يخلفون لها أمراً، وحاروا في أمرها، وتدخلت نسوة العائلة في الحديث معها، علها تكف عن ملاحقة جارها – الحاج علي -، فأشار البعض على أولادها بأن يبعثوا بها إلى الحجاز، فتحج، وتأتي وقد نسيت حبيبها هذا، وتعود – كما كانت - أماً عاقلة ذات وقار وهيبة. فقدموا أوراقها للسفر إلى الحج، وسافرتْ. وعندما عادت أقام أولادها الأفراح، وتجمع أهل البلدة، يباركون ويهنئونها. وتحدثتْ عن الطواف بين الصفا والمروة. وسألها أحد الجالسين:
- كم هي المسافة بين الصفا والمروة؟
ففردت ذرعيها على اتساعهما وقالت:
- من بيتي هذا، حتى بيت الحاج " علي ".
وضحكتْ النسوة، وأخفى الرجال ابتسامتهم، خشية أن يغضبوا أولادها الأشداء، وأحس الأبناء بالعار والخزي. وخرج الجيران يرددون:
- مازالت تحب الحاج " علي.
وحكوا عن سيدة ، تزوجت مرات كثيرة، ولديها أطفال من عدة رجال، لكنها لم تكن تقبل هذا إلا في الحلال. وقد تزوجتْ رجلاً كان شريكا لها في دكان ملابس مستعملة في سوق العطارين، وقد سكنا معا في شقة بالدور الأرضي في بيت تحته امرأة تبيع الخضار والفاكهة، تفرض على زوجها أن يبقي حتى الصباح حارساً لبضاعتها، وتصعد هي إلى سطح البيت، فتنام مع أطفالها. لكن الزوج كل ليلة يسمع أصوات المرأة وهي تتأوه، فيترك خضار زوجته وفاكهتها ويصعد إليها، فتصيح فيه:
- جننت يا رجل – انزل إلى البضاعة حتى لا تُسرق.
فيصيح فيها:
- المرأة تصنع أصواتاً لا أستطيع احتمالها.
وفي الصباح تتشاجر بائعة الخضار مع المرأة :
- يا امرأة امسكي نفسك شوية، الرجل يأتي إلي كل ليلة بسببك.
فتبكي المرأة، وتقسم ألف قسم بأن هذا لم يحدث، وزوجك يتلكك لكي يصعد إليكِ.
وتم الاتفاق على أن تنقل سريرها إلى حجرة بعيدة عن النافذة التي تطل على الشارع.
ويحكون عن امرأة تقدم إليها شاب لكن أهلها رفضوه، فحزن عليها حزنا شديدا بعد أن أجبروها على الزواج من غيره، وكانت تحبه وتخفي صورته وسط أشيائها، وكلما خلت بنفسها تخرج الصورة وتناجيها. ومات حبيبها من شدة الوجد. فبكت عليه وصرخت متحدية الجميع.
وهي تحرص الآن على ارتداء فستانها الأسود أبو قطيفة كل خميس، وتضع الكحل في عينيها، وتذهب للمدافن تزور والديها، ثم تُسرع لزيارة قبر حبيبها، وتبكي بجواره، فهو كان يحب أن يرى الكحل في عينيها وأن يراها بهذا الفستان.
وتعود إلى بيتها وسط همسات وتلميحات أهل البلدة، وتمارس حياتها العادية بين زوجها وأولادها. حتى ضاق زوج شقيقتها بهذا، فالناس يحرجونه بتعليقاتهم. وهدد بتطليق أختها، التي ذهبت لمقابلتها لتحذرها من مغبة ما تفعل. لكنها وجدتها تتحدث مع زوجها في هذا. والزوج غير معترض أو غاضب مما تفعله زوجته، بل يراه نوع من أنواع الوفاء.





L’image contient peut-être : 1 personne
  • Like
التفاعلات: علي سيف الرعيني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى