أنس الرشيد - مأزقُ الحق...؛ في دركات الحب.

في عام ٦٤٢هــ؛ أواخر شهر رجب المعظّم، دخل شمس الدين التبريزي (قونية)؛ بعد أن جذبه جاذبٌ من بعيد؛ حيث ناجى اللهَ أن يبعثَ له مَنْ يعشقه... مَن يشربُ إناءه؛ فهو قد امتلأ معرفة، وآن أوانُ مساكبته مع عاشق.
ولمّا نامَ في تلك الليلة؛ انتبه على طارقٍ يطرقُ آفاقَ الحقيقة خارج إدراكه؛ ويقول له: أنا في بلاد الروم.
استيقظ شمسُ الدين على (نتيجةٍ ظاهرية من مقدماتٍ باطنية)
=(( وتلك أول دركات الحب)).
لهذا سار نحو الباطن؛ راكبا ذلول الظاهر، حتى وصلَ إلى (قونية)؛ حيث شخص من أهل الظاهر يُدعى جلال الدين الرومي.
كانت نفسُ التبريزي تقوده نحو ما يريد، لهذا اعترضَ موكبَ الرومي؛ ليسأله:
أمحمد أعظمُ أم البسطامي؟
وهذا سؤالٌ أرّقَ التبريزي؛ وأرادَ أن يطرح حملَه؛ إذ هل محمد طريقُ الله ؟ أم هو عظيم المتصوفة وكبيرهم الذي دلّهم على الطريق فحسب؟ فإن كان الأول فما معنى الباطن الخاصّ؟ وإن كان الثاني فما معنى بقاءه الأكبر وسرّه الأعظم؟
=((وتلك ثاني دركات الحب)).
لهذا سار نحو الظاهر =( جلال الدين الرومي) راكبا ذلول الباطن (إرادة نقض الخصوصية النبوية).
ولهذا لمّا سمع الروميُّ سؤالَ التبريزي؛ تخيّلَ أن السموات يتفطرن منه، وتنشقّ الأرضُ وتخرّ الجبالُ هدّا.
إذ كيف يوضع البسطامي إلى جوار أعظم العالمين؟!
لكن الروميَّ لم يفلت من حبائل التبريزي؛ لأن السؤال رجع إلى إدراك الرومي نارًا تلظى، لها دخانٌ يصل إلى السماء السابعة.
ومصدر احتراق الرومي بالسؤال وهو - حينها - من أهل الظاهر أنَّ المقارنة قائمة حتى عند الظاهر؛ فمحمد خير الخلق، والتفاضل هنا يعني وُضِع في سلسلة العظمة والمحبة. لكنّ هذا الوضع لديه غير مستقيم؛ فأهل الظاهر يرون محمدا متلقٍ من مُطلقٍ متجاوز؛ ومن ثمّ فلا موضع لهم.
لهذا صُعق من السؤال؛ وارتضى أن يُفكّر في معنى المفاضلة.
=((وتلك جزئية من ثاني دركات الحب))
لهذا قال التبريزي: إذا كان البسطاميّ يقول (سبحاني ما أعظم شاني) فما معنى أن يقول محمد: (ماعرفناك حق المعرفة)؟
هنا دخلَ العشقُ دربَ (جلال الدين الرومي)؛ فذهب يطلبُ المعرفةَ ويترك العلم. = (.. فالعاشقون رفاقُ).
فدخل العاشقان (الرومي والتبريزي) إلى سرداب الباطن، متأبطيْن سؤالَ الظاهر الأليم: ما مادة النبوة، إن كان العارفون رفاقا؟
وهنا دخل العاشقان في عُزلة مدة أربعين يوما؛ ليفكرا في السؤال.
=(وهنا نزلا إلى الدرك الثالث من دركات الحب؛ بانقسام السؤال إلى شطرين)) : هل مادة النبوة كمال مطلق؟ أم أرض واسعة جدا؟
إن اختارا الأول لن يزيلا برزخ الظاهر؛ إذ المراد أن النبي مادته أكمل من العارفين؛ وهنا سينبثق لهما سؤال: مامعنى الكمال المطلق هنا لعارفٍ يُحسّ ويبني حياته الظاهرة على ما يَخبُره. وحياته الباطنة على:
(فكان ما كان مما لست أذكره/فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر).
وما قيمة المعرفة المستقلة التي انبثق عنها سؤال (المفاضلة)= بين النبي والبسطامي؟.
لهذا اتجها للتفكير في أن مادته أرض واسعة جدا؛ = (ألم نشرح لك صدرك) ولم يتجاوزا الظاهر حين قال التبريزي: (إن البسطاميّ يَسكر من كأسٍ واحدةٍ؛ أمّا محمد فهو ظمئ للسُكر، لهذا فكلاهما وصل للحق، لكن البسطاميّ وجدَ نفسه ممتلئا بما وصل إليه، أما محمد لم يكتفِ؛ ماضيا يطلب المزيد).
=(وتلك رابع دركات الحب)) إذ ما المادة الواسعة التي افترض أنها لا تمتلئ أبدا؟ فهذا سؤال يُعيد العاشقان إلى مربعهما الأول؛ وسيلتقيان بالظاهر ويلتحمان به.
ويتحد سؤال (الكمال المطلق) و (الأرض الواسعة) إذ ما معنى أن نقول: إن مادة النبي قابلة لزيادة معاني الحق، ومادة العارفين الباقين محدودة؟!

٢/ نيسان /٢٠٢٠م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى