عامر الطيب - لديَّ كتاب الرّب الأخير.. شعر

لديَّ كتاب الرّب الأخير
قرأت صفحات منه و قررت أن أُخفيه.
ليست كلماته مؤثرة لكنها ليست مُملة.
في البدء لم يقل شيئاً
ثمَّ بدأ يتحدث عن نفسهِ
بَدت حياتنا تشبه حياتنا
مشوار طويل من الرّأفة و الحبِّ و النّدم أيضاً .
أسماؤنا جميعاً موجودة في الفهرس
كلّنا صغاره و وصاياه
و على اعتبار أنَّ الكتاب مُدون
بلغة الفيلة القديمة
فثمَّة وصية مُحببة استرعت انتباهي :
أيّها الفيل الصغير
ستعرف حياتك عندما تفتح كتابي هذا
و تعيشها عندما تركنه على الرّف !

عادةً أمدُّ يدي اليمنى للمصافحة
لكن العكس حدث مرة واحدة
في حياتي .
كنت مع صديقتك في مدخل المكان
عرَّفتني عليك
فمددتُ لك يدي اليسرى
و حميتُ خجلي بنفسي .
أحسست أنّ دمَّك يضحك و ملامحك تُسيطر
على المشهد.
لم يكن الوقت مناسباً لنجلسَ
لكنّنا جلسنا
ذهبَت صديقتك لتجري اتصالاً فأحببتك
كما يحبُّ الغريب
نفسه في البرد .
إن تأخرت صديقتك مطولاً
و أحببتك بشراهة مفرطة
هل يحق لي أنْ أُلوحَ لك باليد اليسرى
أيضاً
للحفاظ على بهجة أخطائي !

تعلمتُ بسرعة فائقة
كيف أميز بين الأشياء .
بين الحفرة و بين تجويف الشّجرة
مع أنّهما عتمة واحدة .
بين الصعود على جبل
و الصعود على السطح
مع إنّها السّعادة التي لا تكتمل برؤية الله.
بين أنْ أهزَّ رأسي موافقاً
عندما تقترحين عليَّ أن تَهبيني قبلةً
أو جبنةً
مع إنّها إجابةٌ ليست كافيةً عن الجوع
بين قصائدك و قصائد امرأة أخرى
مع إنّكما تتحدثان
عن طفل مرير
يحبُّكما بلهفة متقاربة .
عرفتُ أن أُميّز
بين حياة الطّفل و حياتي أيضاً
لكنَّ هذا ليس صعباً
فقد أَحبَّك لدقائق صغيرة في الدرس
و أَحببتُك طوال اليوم !

نحن شهود عيان
كنّا موجودين عندما وُلِد العراق
بكى باهتياجٍ غريبٍ
ثمَّ سكت و هو يتفحصنا جميعاً .
وجوهنا لم تكن بشعة
لكنَّه وُلدَ قلقاً .
نحن الذين سميناه العراق عن قصدٍ
شربَ قليلاً من الحليب
و نام
إلّا أنَّ إحدى عينيه ظلَّت جاحظةً
و لو أنَّه
أغمضَ عينيه تماماً
مثل بقية الأطفال
لما سميناه العراق إذن !

شَغلوني متفرجاً في قاعة شرهة
تتسع الآلاف
لكنّي وحدي هنا
يُوضع من أجلي الكرسي
و تنطفئ الأضواء
ثمّ تُعرض الأفلام :
فيلم مأساوي يجب ألّا أتأثر به
فيلم قصير يجب ألّا أشعر بالممل
فيلم رعب يجب أن أزن نفسي
فيلم مثير يجب أن أزن نفسي مرةً أخرى
فيلم كوميدي يجب أن أحتفظ برزانتي
فيلم خيالي يجب أن أُحبَّه
فيلم طويل يحب أن أُركزَ معه جيداً
فيلم عن المطر يجب
أن اقولَ أنّها تُمطر في مكان أعلى
من بيوتنا .
بعد هذا يمكنهم أن يشغلوا متفرجاً
أشدَّ صبراً منّي
و بالفعل تمَّ لهم ذلك
و ها هو يشاهد
فيلماً سريعاً عن حياتي !

يجب أن نحترمَ المومسات
حتى اللواتي لم يعاصرن المسيح
لم يتقدمن نحوه
بحنان و بهجة
فيرفض رجمهنَّ بحجة أنَّنا جميعاً
نُخطئ مراراً .
حتى عندما يكون ثمّةَ
ملاكٌ دون أي خطيئة
يفترض أن يحمل الحجر
ثمّ يتعفف
عن النّظر للمومسات بهذه الصّيغة المُشفقة
فيحبُّهنَّ
مبتكراً طريقة مثالية للتخلص من الحجر !

أريد مهلةً صغيرة لأُحبّك
ينبغي أن أعرفَ إن كان هناك فراغ
كافٍ في هذا الصّباح .
أرجو لك أن تغفري
صلتي المزعجة
بالزّمن
إن لم يتوفر فراغ صغير
فقد لا تكفيك الأيام الأخيرة
من حياتي كلّها !

وقعتُ بالنّسيان كما يقع المرء بالحبِّ
أعني أنّ الأمر
كان صدفةً
في طريق مزدحم بالوجوه
نسيتك فجأةً
ثمّ حاولت التّأكد من نفسي .
تأمّلت الوجوه
بدقة
فلم أجد لك أثراً
لكنّي أغمضت عينيَّ حذراً
لئلا أجد وجهاً يشبه وجهك
فأحبُّك مرةً أخرى !

هنا نهارٌ و في بلادك ليلٌ
كتبت لك صباح الخير
فقلتِ:
إنّها التّاسعة ليلاً
و سنعدُّ العشاءَ
يمكنك أن تتفضل معنا
قلتُ:
إنُها السّابعة صباحاً و أنا أضعُ
فطوري بنفسي.
قلتِ :
ألا يمكنك كعاشقٍ
أن تتجاهل الصّباح قليلاً
و تتعشى معي ؟

عامر الطيب
  • Like
التفاعلات: ياسين الخراساني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى