البروفيسور عادل الأسطة - الست كورونا: ظلال المخيم ( ٩)

أخذت الكورونا تلقي بظلالها على المدينة كما لم تفعل من قبل ، فمنذ نهاية آذار حتى منتصف حزيران خلت تقريبا من الإصابات ، ومنذ أسبوعين بدأت تتخذ منحى مختلفا؟
كانت التوقعات أن موجة ثانية من الكورونا قد تأتي عنيفة في تموز و آب ، وها نحن في نهاية حزيران.
إغلاق أكثر من مشفى أو مستوصف لأيام قليلة تعقم خلالها لتعود من جديد تؤدي وظيفتها ، ثم إقامة حواجز بين أجزاء المدينة وإغلاق جزئي ليوم أو يومين ، وامتد الإغلاق إلى بعض قرى مجاورة ، واليوم تم إغلاق مخيم بلاطة للاجئين . أمس اكتشفت فيه حالة وصارت سبع حالات ، فعائلة المصاب كلها انتقلت العدوى إليها ، واليوم تضاعف العدد ، وبيئة المخيم تربة صالحة لكل شيء ؛ الثورة والفوضى والمشاكل الاجتماعية ، وهي بيئة تزود المدينة بالأيدي العاملة وقد تحقق بطولة دوري كرة القدم على مستوى الضفة الغربية ، واحتراف اللعب صار ظاهرة في بلادنا ، ولا أعرف إن كان هناك بين لاعبينا من ينعت بميسي ورونالدو ومحمد صلاح !
في الحافلة سألني السائق الذي يضع كمامة عن سبب عدم وضعي لها ، فأجبته إنها في الحقيبة ، ولكني حتى اللحظة لم استسغها علي فمي .
الحركة في نابلس شبه عادية وسائق سيارة الأجرة / التكسي الذي عدت في سيارته شرح لي سبب عدم تشديد الحكومة في هذه الأيام وسبب قبولها باتباع سياسة القطيع . السائق قال لي إن الشهر الثاني يكاد ينتهي ولم تصرف الحكومة الرواتب وهي تخاف من انفجار الأوضاع ، فقلة ما في الجيب قد يقود إلى انفجار . لقد اقترح أيضا أن يسهم كل قادر في الأسرة على مساعدة أقاربه المعدمين ، وذلك بإنشاء صندوق " وقفة عز " عائلي ، وكدت أسأله إن كان قرأ خربشاتي.
الأجواء صيفية بامتياز والعمال يصرون على شرب المياه الباردة وأنا أعلمهم أنني لا أضع الماء في الثلاجة ، وإنني أشربه ساخنا لقتل الفايروس ولأسباب صحية أخرى ، وأبتسم حين يتحدثون معلنين انهم ريفيون وليسوا مدنيين ، وأقول لهم إننا نجسد في عائلتنا الوحدة الوطنية تقريبا ؛ المدينة والريف والمخيم ، فهناك فتح وحماس ويسار ؛ هناك متدينون محافظون وشبه علمانيين ، ولذا يعلو صوتنا أحيانا ، علما بأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة . هل صحيح حقا أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ؟
هناك صوت الرئيس محمود عباس وأصوات عزام الأحمد وعدنان الضميري وتوفيق الطيراوي وحسين الشيخ ، وهناك في غزة صوت اسماعيل هنية وصوت أبو عبيدة وصوت الناطق الرسمي باسم الحكومة ولم نعد نسمع صوت محمود الزهار ، ولا صوت للمعركة في ظل معمعة الأصوات هذه كلها ، فلقد غاب صوت المعركة منذ زمن كما غابت أصوات مشجعي كرة القدم في الملاعب الرياضية وصارت المباريات تجري مثل زواج زوجين ارتكبا فعلا شنيعا معيبا فضبضب الأمر .
أعراسنا في زمن الكورونا صارت أيضا كذلك .
الكورونا تلقي بظلالها على الحياة كلها ، كما لو أنها نكبة ١٩٤٨ أو هزيمة ١٩٦٧ أو اجتياح بيروت ١٩٨٢ أو اجتياح مدن الضفة الغربية في ٢٠٠٢ .
ماذا يفعل الناس في مخيم بلاطة في هذا الصيف اللاهب ؟
مساء الخير
خربشات
٢٨ حزيران ٢٠٢٠


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى