المعتمد بن عباد - سكن فؤادك لا تذهب به الفكر

سَكِّن فُؤادكَ لا تَذهَب بِهِ الفِكَرُ
ماذا يُعيد عَلَيكَ البَثُّ وَالحذرُ
وَازجُر جفونك لا تَرضَ البُكاءَ لَها
وَاِصبر فَقَد كُنتَ الخطب تَصطَبِرُ
وَإِن يَكُن قَدرٌ قد عاق عَن وَطَرٍ
فَلا مَرَدّ لما يأتي بِهِ القدرُ
وَإِن تَكُن خيبَةٌ في الدَهرِ واحِدَةٌ
فَكَم غَدَوتَ وَمن أشياعك الظَفرُ
إِن كُنتَ في حيرَةٍ مِن جُرمِ مُجتَرِمٍ
فَإِنَّ عُذرك في ظَلمائِها قَمَرُ
كَم زَفرَةٍ مِن شِغافِ القَلبِ صاعِدَة
وعَبرة مِن شؤون العين تَنحَدِرُ
فَوِّض إِلى اللَه فيما أَنتَ خائِفُه
وَتِقْ بِمُعتَضِدٍ بِاللَهِ يَغتَفِرُ
وَلا تَرُعكَ خُطوبٌ إِن عَدا زَمَنٌ
فاللَه يَدفَع وَالمَنصور يَنتَصِرُ
وَاِصبر فَإِنَّكَ مِن قومٍ أَولي جلَدٍ
إِذا أَصابَتهم مَكروهَةٌ صَبَروا
مَن مِثل قَومك وَالمَلك الهُمام أَبو
عمرو أَبوك لَه مجدٌ وَمُفتَخَرُ
سَمَيدَعٌ يَهَب الآلافَ مُقتَدراً
وَيَستَقِلُّ عَطاياه وَيَحتَقِرُ
لَهُ يَدٌ كُلُّ جَبّارٍ يُقَبِّلها
لَولا نَداها لَقُلنا إِنَّها الحَجَرُ
يا ضَيغَماً يَقتُلُ الأَبطال مُفتَرِساً
لا توهنَنّي فَإِنّي الناب وَالظُفرُ
وَفارِساً تَحذَر الأقرانُ صَولَتَهُ
صُن عبدَك القِنّ فَهوَ الصارِم الذكرُ
هُوَ الَّذي لَم تَشِم يُمناك صَفحَتَهُ
إِلّا تَأتّى مُرادٌ وَاِنقَضى وَطَرُ
قَد أَخلَقتَني صُروف أَنتَ تعلمها
وَقالَ موردها ما لي بِها صدرُ
فالنَفسُ جازِعَةٌ وَالعَينُ دامِعَةٌ
وَالصَوتُ مُرتَفِعٌ وَالسِرُّ منتشِرُ
وَزادَ هَمّيَ ما بالجسم مِن سَقَمٍ
وشِبتُ رأسا وَلَم يبلُغني الكِبَرُ
وَذُبتُ إِلّا ذَماءً فيَّ يُمسكني
أَنّي عَهدتُكَ تَعفو حينَ تَقتَدِرُ
لَم يأت عبدُك دَنبا يَستَحِقُ به
عُتبى وَها هُوَ ناداكَ يَعتَذِرُ
ما الذَنبُ إِلّا عَلى قَومٍ ذَوي دَغلٍ
وَفى لَهُم عهدُك المعهود إِذ غدروا
قَومٌ نَصيحتُهُم غِشٌّ وصدقهمُ
مَينٌ وَنَفعهم إِن صُرّفوا ضَرَرُ
يُمَيَّزُ البُغض في الأَلفاظِ إِن نَطَقوا
وَيُعرَفُ الحِقدُ في الأَلحاظ إِن نَظَروا
إِن يَحرِقِ القَلب نَفثٌ مِن مَقالهمُ
فَإِنَّما ذاكَ مِن نارِ القِلى شَرَرُ
مَولاي دعوةَ مَملوكٍ بِهِ ظمأٌ
بَرح وَفي راحَتَيكَ السَلسَلُ الخضرُ
أَجِب نِداءَ أَخي قَلبٍ تملَّكَهُ
أَسى وَذي مُقلَة أودى بِها السَهَرُ
لَم أُوتَ مِن زَمَني شَيئا أُسِرُّ بِهِ
فلست أَعهَدُ ما كأس وَلا وترُ
وَلا تَمَلَّكَني دَلٌّ وَلا خَفَرٌ
وَلا سَبى خَلَدي غُنج وَلا حَوَرُ
رَضاكَ راحَةُ نَفسي لا فُجِعتُ بِهِ
فَهوَ العَتادُ الَّذي لِلدهر أَدّخِرُ
وَهوَ المُدامُ الَّتي أَسلو بِها فَإِذا
عَدَمتُها عَبَثَت في قَلبيَ الفِكَرُ
ما تركيَ الخَمرَ مِن زُهد وَلا وَرَعٍ
فَلَم يُفارِق لَعَمري سِنّيَ الصغَرُ
وَإِنَّما أَنا ساعٍ في رِضاك فَإِن
أَخفَقتُ فيه فَلا يُفسَح ليَ العُمُرُ
ما سَرّني وَأحاشي عَصر عَطفِكمُ
يَومَ أَخَلّ في القَنا وَالهامُ نَنتَثِرُ
أَجَل وَلي راحَةٌ أُخرى عَلِقتُ بِها
نَظم الكُلى في القَنا وَالهامُ تَنتَثِرُ
كَم وقعة لي في الأَعداء واضِحَة
تَفنى اللَيالي وَما يَفنى لَها الخبرُ
سارَت بِها العيسُ في الآفاقِ فاِنتَشَرَت
فَلَيسَ في كُلِّ حَيٍّ غَيرها سَمَرُ
لازلتَ ذا عِزّة قَعساء شامِخَة
لا يَبلُغ الوَهمُ أَدناها وَلا البَصَرُ
وَلا يَزالُ وَزَرٌ مِن حُسنِ رأيك لي
آوي إِلَيهِ فَنِعمَ الكَهفُ وَالوَزَرُ
إِلَيكَ رَوضَةُ فِكري جادَ مَنبتها
نَدى يَمينك لا طَلّ ولا مَطَرُ
جَعَلتُ ذكركَ في أَرجائِها شَجَراً
فَكُلُّ أَوقاتِها لِلمُجتَني ثَمَرُ
أعلى