صوفي عبدالله - توتـة.. قصة قصيرة

قالت أمها أنها مجموعة من ثمار التوت، فقد تشهت نفسها هذه الفاكهة الحلوة وهي حبلى، ولم يصادف طلبها لها موسم التوت قصير الأجل.. وولدت “ نصرة، وعلى خدها الأيمن هذا العيب الظاهر، الذي يشبه ثمار التوت في لونها، وسطحها المحبب، حتى أطلق الناس عليها في طفولتها اسم “ توتـة”…

ولم يكن أهل توتـة من ذوي اليسار، حتى يغطي الثراء على عيبها هذا.

يغطي عليه مجازًا، لأن عيون الناس لا ترى الدمامة إذا اتقاها الدميم بالدينار في يده، وبالمكانة العالية التي تشفع له. أو يغطي عليه حقيقة بعملية من عمليات التجميل الباهظة التكاليف التي تعيد هندسة الجسم، وتغير مقاييس الملامح، وتخرج الشكل العام في ثوب قشيب…

ولكن توتـة لم تتح لها الأيام مثل هذا الحظ العظيم، الذي يستر الدمامة، أو يحولها بالفعل إلى وسامة… ولم يبق أمام توتـة طريق للحياة إلا العمل لتكسب قوتها بعرق جبينها، وقد عزّ عليها أن تكسبه بصباحة وجهها وملاحة طلعتها، عن طريق الزواج. فأين هو “ ابن الحلال” الذي يطلب يدها من أجل جمالها-ـولا جمال؟ أو من أجل مالهاــ ولا مال؟..

وهكذا سلكت توتـة ــ أو نصرةــ سبيل العلم، تجدُّ في طلبه جدّ الغريق المتعلق بالعود الطافي على وجه الماء. كما جدَّت في طلبه أيضا جدّ من يلتمس فيه السلوى والعزاء، فوق التماس الغذاء والكساء…

ولكن الفقر الذي أبى أن يستر وجهها أو يقيل عثرته، أبى أيضا أن يفتح لها باب التعليم الكبير، مكتفيا بالسماح لها بالتسلل من الأبواب الخلفية الضيقة، التي يدخل منها الفقراء، وينبغي أن يكونوا على دخولها من الشاكرين! فدخلت المدرسة الأولية، ثم الأولية الراقية، وآن لها أن تتخرج فيها حين مات والدها.. وكان بها حفيا رقيقا. ولاذت أمها برجل آخر، تزوجت منه، وقد جعلت تبرر هذا الزواج لابنتها الوحيدة، بأن المرحوم لم يترك ذا بال، لم “ يقلع عين الشيطان” بولد تتعزى به عن فقده.

وواجهت “ نصرة” الموقف بثبات وشجاعة، ولعلها رأته أهون على نفسها وأعون على عيشها… فالوظيفة تضمن لها مقاما حيث تقوم بالتدريس، فلا تحتاج إلى كراء بيت.. وقطع الصلة بأمها أتم لعزلتها التي تميل إليها كثيرا مع تقدمها في مرحلة الشباب الباكر. ففي هذه العزلة التي تحيط بها نفسها ما يعينها على “ سبحات الأحلام” التي تنسى فيها الواقع تمتم النسيان.

غلا هي فقيرة، ولا هي “ توتـة”، ولا هي “ شيء غريب” ترى غرابته في أعين “ المهذبين” كما تراه على أسنة السوقة… ولعل المهذبين ليسوا أرفق بها في صمتهم من السوقة على ما يبدو من إنكارهم أو تساؤلهم. فأن النظرة المهذبة لا تخلو من إشفاق، أو رثاء.. وذلك الرثاء هو الطعنة النجلاء، التي لا تخطئ منها السويداء. والسويداء عند مثلها ليست في القلب، ولكن في موطن الكبرياء…

ونالت الوظيفة، ولم يكربها أن تكون في بلد نازح عن موطنها…

وانصرفت إلى حياة التدريس انصرافا خالصا. تعيش في المدرسة وتأكل فيها، وتساكن المعلمات الغريبات، ولا تنفق من راتبها إلا النزر، وتجمع الباقي في خزانة البريد إلى يوم موعود… وتقطع الوقت مختلية إلى نفسها على صفحة كناب ــ فهي تقرأ كثيراــ أو في ركن من أحد المنازه العامة.. تحلم، وتحلم، وتنظر إلى الواقع نظرة إن خلت من الرضا، فهي لا تخلو من التسليم..

ومرّ عام، وجاءت إجازة الصيف، فنزحت إلى القاهرة، ومعها ما ادخرته من مال قليل تظنه شيئا ذا بال، لكثرة ما حرمت نفسها في جمعه والإبقاء عليه.

ومن قصاصة في صحيفة، فيهما خبر عن طبيب جراح متخصص في التجميل، تلمست الطريق إلى مكان هذا الطبيب، وقلبها لا يكف عن الخفقان والوجيب، حتى أدخلتها الممرضة الحسناء غرفة الانتظار…

وكان الطبيب الماكر جعل من هذه الممرضة الحسناء نوطا مقصودا لآمال من يقصدنه عائذات من عيوب خلقتهن. فقد جعلت “ نصرة” تتفحصها بنظرها، وهي تحسبها “ العينة” التي يقدمها الصانع الماهر آية على حسن صنعته وطول باعه!… وفحصها الطبيب –وهو كذلك وسيم رقيق الحاشية باسم الثغر- بالنظار، وبالكهرباء، ثم سألها مدققا عن تاريخ ياتها، وحياة والديها من قبلها، ثم هزّ رأسه هزّة العليم الخبير، وقال لها أن العلاج يسير، فما أن ترقد في المستشفى بضعة أيام، ويعمل المبضع في وجهها بضع دقائق، ويلتئم الجرح تحت إشرافه، تى تنقلب من حال إلى حال. وقادها من توّها إلى المرآة، فحجب لها نصف وجهها المعيب، وجعلها تنظر في الإضاءة إلى النصف الآخر، وقد أشرق وجهه بنظرة إعجاب وقال:

ــ انظري بديع صنع الله! سيكون الخد الآخر نظير هذا الخدّ الصابح الأسيل بعد قليل…

وملأتها الفرحة حتى ما كادت تطيق بسها في جوانها. ولكن هذه الفرحة انكمشت حتى كادت تنقلب ابتئاسا حين ذكر لها الطبيب رقم المبلغ الذخم الذي ستكلفه هذه الجراحة وتوابعها…

واستأذنت منه في كلمات خافتة مضطربة، ثم تسللت خارجة وساقاها لا تقويان على حملها…

هل تصبر حتى تدخر هذا المال؟ ولكن كيف تدخره؟، وادخاره يستنفد من عمرها خير سنواته العِذاب.

ولو سدّ في وجهها باب الرجاء لما كبر عليها الأمر حتى عزّ عليها العزاء، فقد راضت نفسها على الاستسلام.. وأما الرجاء موجود، والأمل ساطع لامع، فكيف تصبر على ظمئها والماء منها قريب المورد داني المنهل، لولا دريهمات، إن قلّت أو كثرت فما قيمتها إلى جانب سعادة إنسان، بل حياته، لأن الحياة بلا اعتبار، وبلا متاع، خير منها موت لا يصاحبه الألم النفسي الوجيع؟

وأخذت تنظر إلى الناس ولها وكأنها تهمّ بشتمهم أو ضربهم، لأنها تحسب أهل الأرض جميعا مسؤولين هن هذا الإجحاف الذي تعاني من جرائه: أموال تبعثر، أو تدخر لغير وجه، في حين تذهب حياتها هي سدى لأنها لا تملك من المال بضعة معلومة…

هنا إنسان يتعذب أيها الناس!

هنا قلب يتلظى أيها الناس!

ولكن آذان الناس لا تسمع هذه الصيحات التي تنطلق من عينيها أسى، وثورة، وقنوطا،….

والآن، هل تعود أدراجها إلى مدرستها؟ كلا، فالمدرسة معطلة. وعليها أن تتخير مكانا تقضي فيه الصيف، مع القصد في النفقة ما استطاعت، فأن راتبها قليل، والأمل الحلو لا يزال يداعبها وإن بعد كالنجوم، أو هو أشدّ بعدا.

وقيل لها ” المكس”، فهو مصيف ناء عن المدينة، فيه لمثلها مقام يناسبها عزلة، وتواضعا في أسباب الحياة.

ونزلت المكس”، وهي تنشح بظلمة الغسق، وفي يدها عنوان أرشدتها إليه زميلة لها لقيتها في القاهرة. وذهبت تلتمس العنوان من أفواه السابلة وأصحاب الحوانيت المتناثرة، حتى دلوها على البيت المقصود، الذي تديره امرأة رومية عجوز، ووجدت الباب مفتوحا، فصعدت السلم. وكان البيت طابقين من الخشب، تؤجر حجراته مفروشة، وتسكن صاحبته في السطح، لكي توفر حجرتها للراغبين في الكراء…

ولكن “توتـة” لم تكن تعلم هذه الحقيقة، فوقفت بالطابق الثاني قليلا ونادت. ولكنها لم تسمع جوابا، وإنما هي رائحة دخان وأشياء محترقة تنفذ إلى أنفها وحلقها في إلحاح جعلها تسعل سعالا متداركا. فدخلت لتتبين هذه الظاهرة التي قد تفضي إلى خطر ماحق، لأن البيت من الخشب كما قدمنا. فإذا الدخان يصدر عن حجرة من الحجرات الثلاث… والباب مفتوح، والحجرة تبدو خالية لأول وهلة. وقد أخذت النار بأغطية الفراش وحشاياه… وهمّت أن تصرخ وهي تتراجع، لولا صرخة سبقت إلى أذنها صرختها. وهبت من الفراش صبية كانت نائمة فيه، وقد أخذت النار بملابسها.. أتصرخ؟ وهل يجدي الصراخ والبيت خال على ما هو ظاهر؟ والصبية، أ تتركها تموت، أو تتخلف لها عاهة ظاهرة _كعاهتها هي!_ فكأنما حكم عليها بالإعدام، أو أن تدفن وهي حية؟

معاذ النخوة! بل معاذ العذاب الذي تعرفه وتكابده من التشويه…

وهجمت في أقل من رجع الصدى _فما أسرع عمليات العقل في ساعات الروع والفصل_ فجعلت تطفئ النار من ملابس الفتاة، حتى إذا رأتها لا تخمد، حملتها وخرجت بها إلى السلم، وجعلت تخمدها بيديها، وهي تطلق صرخات الاستغاثة، ثم أخذتها سحب الدخان فخرّت مغشيا عليها… وهي ترى أشباح الناس يصعدون السلم وقد أتوا ينظرون ما الخطب..

وأفاقت لترى العصائب حول ذراعيها، ووجهها ، إلا عينيها. ولترى نفسها على فراش نظيف في حجرة كل ما فيها ناصع الباض في لو اللبن…

هو المستشفى إذن…

هو المستشفى في الدرجة الأولى.

وحيدة في غرفتها. ولكن كيف؟ ولماذا؟ وإلى أي حد بلغت إصابتها؟ وكم من الوقت انقضى عليها هنا؟ والصبية؟ هل أنقذت بعد هذا كله؟ أم هل ذهبت محاولتها اليائسة أدرج الرياح؟..

ولمحت زرا معلقا بسريرها، فضغطت عليه، ولم تجد في يسراها ما في يمناها من ألم عند الحركة. ودخلت عليها الممرضة، فحذرتها من كثرة الحركة، ثم أخذت تسرد عليها ما حدث. فبدأت بالجروح التي شملت جلد الوجه، والذراع الأيمن، والساقين، ولكنها كلها حروق سطحية لا خطر منها…

وترددت “توتـة” لحظات، ثم تجاسرت فسألت عما كان يحيرها في الواقع قبل سواه، وهو علة وجودها في هذا المستشفى، وفي الدرجة الأولى، وبتدبير من؟

ــ إنه “البك”… والد “سوسن”.

ــ سوسن؟

ــ أجل سوسن.. الفتاة التي أنقذتها بشاعة نادرة…

ــ لعلها لم تصب بسوء؟

فابتسمت الممرضة وهي تقول:

ــ انظري حكمة الله! لم يصبها وهي الأصيلة في الاحتراق أي سوء.. إلا حرق بسيط في الفخذ.. بسيط جدا، لن يترك أثرا…

ــ وجهها؟

ــ أبدا أبدا. لم يصبه سوء… وتجهم وجه الممرضة أسى ورثاء وهي تستطرد:

ــ لا كخدك أنت، الذي لفحته النار ونزعت عنه معظم الجلد. ولكن لا تحزني. فلعله لا يعقب أثرا…

ثم هناك جراحات التجميل…

وشرد عقل “توتـة” عندما سمعت ذكر جراحة التجميل… وذهب بها بعيدا… ثم خطر لها أن تسأل الممرضة سؤالا، أجابتها عنه قائلة:

ــ إنه الخد الأيمن الذي تحمل معظم الضرر. أما الأيسر فخطبه يسير…

فقد كانت النار مشتعلة عند إغمائك في جانبك الأيمن، فاحترق الذراع الأيمن… ولكنها كلها سليمة العاقبة إن شاء الله…

وأحضرت الممرضة الطعام، فأطعمتها منه وهي مضطجعة…

وبعد قليل جاء والد سوسن، ولم يكن “بيكا: كما نعتته الممرضة وإنما هو رجل في نحو الخامسة والثلاثين، أميل إلى البدانة، ليس في مظهره ما يدل على اليسار، وبدا الرجل مرتبكا لا يدري ماذا يقول. فكان كلامه صورة مفككة غاية التفكك للموقف من أطرافه المختلفة: تشكرات، سجود للعناية الصمدانية التي أرسلت الآنسة الفاضلة لإنقاذ وحيدته، البنت اليتيمة.. فأمها ميتة، منذ عامين.

ــ قطعت قلوبنا أم سوسن، وصمت ظهري، وخربت بيتي.. والبنت المسكينة هدها الحزن، من قال أن الأطفال لا يدركون؟ بل يدركون يا هانم… ومرضت البنت. وقال الطبيب أنها في حاجة إلى تبديل الهواء عاجلا، وإلى عناية الله.

وحاولت أن تتحدث إليه في أمر المستشفى، وأنها لا يمكن أن تقبل هذا الوضع، فاحمرّ وجه الرجل وصاح بها: لا تقولي هذا الكلام المؤلم يا ست هانم. أنا رجل في وجهي دم. واسألي الناس في المنصورة عن “غانم عبد المتعال”. أنا رجل فقير إلى الله، أي نعم. ولكني رجل لا يضيع عنده جميل. ولا أدري كيف أكافئك. لقد آذيت نفسك وأنت شابة من أجل ابنتي. سبحان الله!

وطرح ذراعيه مستنكرا، وانصرف…

ومضى أسبوعان، وحان أن تغادر المستشفى، وتقدم الرجل الطيب يكرر الشكر والأسف، لهذه “البقع” التي لا تزال ظاهرة على صفحة الخد الأيمن، وكان صادقا في أسفه وتأذيه، حتى لكأنه يتمنى حقيقة لو انشقت الأرض وابتلعته، فقد كانت الحيرة بادية في وجهه المستدير، وعينيه الزائغتين، في طيبة قلب ظاهرة، حتى لقد همت أن تضحك، ولا تدري ماذا لأجم لسانها فلم تذكر له شيئا عن “التوتة” القديمة في الخد الذي أحرقته النار. سكتت لا عن سوء قصد، كلا فطالما همت، وعزمت على الافضاء، لتهون على الرجل أسفه وتأذيه. ولكن شيئا كان يمسك لسانها، شيئا يريد لها أن تستمتع بتقديس هذا التشويه الذي طالما كان موضع الازدراء وكانت منبوذة من أجله. وهي اليوم ترى نفسها معبودة بسببه. فهل يسهل عليها _مهما صدقت نيتها وخلصت_ أن تتخلى هكذا سريعا عن هذا النعيم العظيم؟

امتحان صعب. و”نصرة” بشر على كل حال… فيها ضعف البشر. وهي قد تحملت من الألم فوق ما يحمل البشر.

وتقدم الرجل وهو يمسح عرقه، يقول لها في تلعثم ظاهر كأنه فتى مذنب ضبطته أمه متلبسا:

ــ سوسن أختك. أنت أنقذتها من الموت، أو مما هو أشد من الموت على الفتاة. وحدث لك هذا الذي أتمنى لو أن حياتي تستطيع محوه… فلماذا لا تحتفظين بسوسن مدى الحياة؟ من يحنو عليها أكثر منك، وقد فديتها بنفسك؟.. اقبلي، أكن عبدا لك منذ الساعة. وتكون حياتي وما أملك طوع يمينك…

وجف ريقها.. ورأت الرجل قد خدع أكثر مما يجب، فتحاملت على نفسها وقالت له بصوت أجش:

ــ يا غانم بك… أنت مخطئ.. ليس الأمر كما تتصور، فليست هناك تضحية تذكر.. فقد كان خدي هذا بالذات مشوها من قبل، منذ ولدت، كانت فيه “وحمة”…

وحملق في وجهها الرجل لحظة، ثم ضحك ضحكة الأريب الحصيف:

ــ ها ها. ما أبدع هذا الاعتذار!

تريد تهوين معروفها على نفسي لترفع الحرج عني.. ولكن كلا! هذا يزيدك في نظري فضلا وسموا… ويزيدني بك تعلقا. أنت درة فريدة في النساء… ولكن معك حق، فلست أنا أهلا لهذه السعادة. ولكن سوسن.. سوسن التي أنقذتها؟..

ورأت نفسها تقبل، بغير ممانعة، مع أن عقلهايقول لها ارفضي هذا العطف الذي نجم عن جهل وخديعة…

ومع هذا لم تصغ لصوت نفسها، وتزوجت غانما..

وفي بيت الزوجية بالمنصورة، وقد اعتزلت التدريس، غدت تنظم البيت، وترعى الزوج وابنته… وقد حملت إلى البيت كل ما كان لها من متاع قليل.. كل شيء، إلا صورها القديمة، التي قد يكون فيها أثر التوتة المعهودة…

وكانت في بعض الأحيان تلوم نفسها على هذا الاستغلال لطيبة الرجل، الذي يكاد يعبدها من أجل تضحيتها. ولكن طعم السعادة يغريها.. وثقافتها التي حصلتها بالاطلاع والتأمل كانت تعينها على “ فلسفة” الموقف، فتقول لنفسها:

ــ الحقيقة؟ وما الحقيقة؟

إن شعور المرء هو في ذاته حقيقة كبرى. وألا، فهل يطعن في حقيقة شعورنا بجمال القمر المنير، “ حقيقته” كوكب بارد كالأرض لا أثر فيه للنور؟. وهذا رجل يظنني “ البدر المنير” جمال نفس ونبل تضحية، فإحساسه بهذا الجمال وتقديره لهذا النبل ثروة من الحقيقة النفسية لا ينبغي أن نفجعه فيها، من أجل حقيقة لن تفيده شيئا. إنه يظن نفسه قد حصل على يد “ ملك كريم”، ففي سبيل أي غاية ننكبه في السعادة ونقول له أنه إنما تزوج فتاة شوهاء؟.

حقائق القلب هي الحقائق الكبرى… أمّا العقل فليست حقيقته بعد ذلك بذات بال، إذا لم يكن من ورائها إلا الأسى والوبال…

وترفع رأسها، وتبتسم ابتسامة مشرقة، لأنها سمعت صوت مفتاحه في باب المسكن، وتتصوره مقدما وقد دخل عليها دخول العابد الوامق إلى محرابه… فتهون عليها الحقيقة ويهون عليها الخداع.. ويهون عليها عذاب “ التوتة” القديم. وأثر الحريق الذي عصف بها غير ملوم.

صوفي عبدالله


* توتة.. قصة مصرية تصور إحدى عجائب المصادفات.
نشرت في مجلة الهلال عام 1951



أعلى