سعد عبد الرحمن - قائد ينهزم و جيشه ينتصر

توفي أحمد بن طولون سنة 270 هـ و قتل الأجناد ولده الأكبر أبا العباس و ولوا السلطنة ابنه أبا الجيش خمارويه، و قد استغل وفاة ابن طولون إسحق بن كنداجق و ابن أبي الساج و كان أولهما على الموصل و الجزيرة ( ما بين دجلة و الفرات ) و الثاني على أرمينية و الجبال ( هضبة أرمينية ) من قبل أحمد بن طولون فطمعا في الشام و كاتبا المعتضد بالله أبا العباس أحمد بن الموفق في العراق و استمداه ( طلبا المدد منها )، فأمرهما بالتوجه إلى الشام و وعدهما بالدعم و النصرة فاستوليا عليها، فلما انتهى الأمر إلى خمارويه ندب العساكر المصرية إلى الشام فدخلوا دمشق، و هرب نائبها الذي شق عصا الطاعة على خمارويه و انحاز إلى إسحق و ابن أبي الساج، ثم سار عسكر خمارويه إلى شيزر ( قلعة شمال غرب مدينة حماة ) لقتال ابن أبي الساج فطاولهم ( ناوشهم ) ريثما يأتي المدد من العراق، و لكن صقيع الشتاء هجم على عساكر الطرفين و أضر أكثر بعساكر خمارويه فتفرقوا في المنازل اتقاء لسطوة الصقيع ، و وصل العسكر العراقي و على رأسهم المعتضد بالله ابن الموفق فكبسهم في المنازل و وضع فيهم السيف فقتل منهم مقتلة عظيمة، و من سلم منهم سار إلى دمشق، و لما سار إليهم المعتضد فروا إلى الرملة ( مدينة كبيرة بقلسطين شمال غرب القدس ) و أقاموا بها .
و في سنة 271 هـ سار المعتضد بعساكره إلى الرملة ليلتقي بعساكر خمارويه القادمة من مصر فأتاه الخبر بوصول خمارويه إلى عسكره و كثرة من معه من الجموع فهم بالنكوص و العودة، و لكن أصحاب خمارويه الذين انضموا إليه و صاروا معه اعترضوا و لم يمكنوه من ذلك، ونزل خمارويه فعسكر بأجناده في منطقة الطواحين بالقرب من الرملة، و جاء المعتضد فعسكر في مواجهته، و عبأ كل منهما عساكر جيشه و كان خمارويه قد دبر كمينا جعل قيادته لسعد الأيسر، و لما بدأت المعركة بين الجيشين حملت ميسرة المعتضد على ميمنة خمارويه فانهزمت، و لما رأى خمارويه ذلك و لم يكن شاهد مصافا ( يقصد معارك ) من قبل ولى مدبرا في طائفة من الأحداث ( الشباب صغار السن ) الذين لا علم لهم بالحرب .
و نزل المعتضد إلى خيام خمارويه و هو لا يشك في تمام النصر، فخرج عليه سعد الأيسر بالكمين و قد انضم إليه من بقي من الجيش و نادوا بشعارهم و حملوا على عساكر المعتضد الذين انشغلوا بنهب السواد ( ما في المعسكر من مضارب و دواب و آلات )، فوضع المصريون السيف فيهم فظن المعتضد أن خمارويه قد عاد؛ فركب و انهزم لا يلوي على شيء و لما وصل إلى دمشق لم يفتح له أهلها فمضى منهزما حتى وصل طرسوس ، و اقتتل العسكران المصري و العراقي و ليس لواحد منهما أمير، و لم يكن سعد الأيسر على علم بانهزام خمارويه فطلبه فلما لم يجده أقام أخاه أبا العشائر مقامه، و تمت الهزيمة على العراقيين؛ و قتل منهم خلق كثير و أسر كذلك .
و جاءت البشائر بالنصر إلى مصر فسر خمارويه، و لكنه خجل من انهزامه فأكثر الصدقة و فعل مع الأسرى ما لم يسبق إليه فقال لأصحابه : هؤلاء أضيافكم فأكرموهم ثم أحضرهم بعد ذلك و قال : من اختار منكم المقام عندنا فله الإكرام و المواساة، و من أراد الرجوع جهزناه و سيرناه ، فمنهم من أقام ،و منهم من عاد مكرما، و سارت عساكر خمارويه إلى الشام ففتحه أجمع و استقر ملكه .



( من نهاية الأرب في فنون الأدب ج 28 للنويري بتصرف ) .



من كتاب المخطوط ( مائة حكاية و حكابة من التاريخ ) :

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى