شوقية عروق منصور - وانا مالي يا بوي وانا مالي

عندما كان المغني الصعيدي يغني بصوته الخشن المطعم باللوعة والتساؤل – وانا مالي يا بوي وانا مالي – كنت اعتبرهذه الاجابة الهاربة من المسؤولية جزءاً من ثقافة اللآمبالاة التي يرضعها الانسان العربي من ثدي التربية البيتية ، ويضيف اليها المجتمع الذي يعمق الفجوة بين الانسان وقضاياه ايضاً هروباً مزنراً بالغربة والتقوقع والانانية .
الذي يجري في وسطنا العربي من قتل الشباب والنساء وحرق سيارات وبيوت ومتاجر ومؤسسات ، بحاجة الى صرخة مدوية وليست صرخة آنية تصمت بعد دفن القتيل ، هذه الجرائم التي خرجت من اطار العنف العادي المحتمل الى العنف المجنون المدمر الذي فقد السيطرة عن كل القيم والأخلاق والسلوكيات ، وادخلنا في جحيم من الخوف الذي لم نعرف متى تمطر ساعته حمماً ؟ ومتى يخترق الرصاص اجسامنا ؟ ومتى تشتعل النار في سياراتنا وبيوتنا ؟ رعب في بث مباشر .
جرائم تقشعر لها الابدان ، اصبحت صورها بحاجة الى تحليل نفسي واجتماعي ورصد عائلي وتربوي ، عدا عن السؤال الضخم الذي يخيم على وجودنا الى متى سنبقى رهائن للرصاص والحرائق ننام ونصحو على اخبار القتل والحرق ؟
هذه الاخبار هي الوجبات الدسمة لوسائل الاعلام التي تحولت الى صفحات ندب تسيل منها الدماء والدخان ،وتقشر الأبدان من صور السيارات المحروقة او البيوت التي القيت عليها القنابل او صور القتلى الشباب الذين عانقهم الرصاص المباغت .
وسائل الاعلام تعدد مناقب القتيل او القتيلة ، ولكي تحرك شوربة الضمائر في طنجرة الشفقة تضع صور القتيل وهو عريس او مع زوجته واولاده او وهو في وضع انساني يدفع الحزن الى التنهد العاجز ، واذا كانت القتيلة امرأة تضع صورها وهي تستدر العطف الذي يقف امام البوابات المغلقة ، هل كان القتل هو الحل ؟ ثم نقلب الصفحة ، ونجلس في انتظار قتيل جديد ، نقرأ ونسمع ولا نتحرك، فقط نسير في الجنازات ونرسم التاثر والحزن على وجوهنا ونهرول الى بيوت العزاء !!
الخيوط متشابكة ، اخبار القتل والحرق في مجتمعنا اصبحت مثل اخبار الولادة والزواج والغلاء وسأم المفاوضات واقامة المستوطنات ، قد يطفو ارتفاع سعر البندورة على اخبار القتل اليومي ، مع ان كليهما احمر والسائل النازف من حبة البندورة يختلف عن الدم النازف من جسد الشاب ، الا ان سعر البندورة قد يأخذ حيزاً من الدراسة اكثر من جثة الشاب التي تكومت في سيارة او في شارع في لحظة قنص عابرة .
نعترف- نحن العرب في اسرائيل- كأقلية قومية ، نواجه مجتمعاً ديناصورياً ، فقراته المتعددة من اليهود القادميين من جميع انحاء العالم ،عدا عن مشكلة الهوية الفلسطينية ومصادرتها ومصادرة الأراضي والتميز وقلة الميزانيات ، ووضعنا كعرب على قائمة الطرد والتنكيل الكلامي والشعارات التي تبرز مدى وضعنا الحرج سياسياً وعدم الأمان للمستقبل.
ليست دعوة للرضوخ للواقع البائس ، لكن للنظر حولنا بدلاً من النظر الى قوائم الاغتيالات والتصفيات وشهية الانتقام المفتوحة على الحرق واشعال النيران في السيارات والبيوت .
اليوم لغة الشارع في مجتمعنا العربي لغة اسعار جميع الاعمال الاجرامية ، يا بلاش ..! تخلص من عدوك بأقل الأسعار وهناك تفاوت بين عصابة وعصابة :
سعر حرق سيارة مبلغ كذا ، رصاصات تطلق على الاقدام سعرها كذا ، رصاصات تطلق على الصدر لها سعر ايضاً اما على الراس فالسعر هو الأعلى ، لأنه خلاص .
وفي المقابل الشرطة الاسرائيلية في واد ، والمئات من حوادث القتل والحرق في مجتمعنا العربي مازالت في وادي الاهمال ولم تحل ولم يعرف فاعلوها ، جميعهم لبسوا قبعات الاخفاء ، مع انهم يعيشون بيننا .
مدن وقرى عربية ذاقت طعم القتل والحرق ، لم تفكر ولم تحاول صياغة سياسة للتحدي والتوعية ، عدا عن بعض الشعارات واضراب هنا وهناك واستنكار ممل خافت .
نعيش اليوم بين الرصاصة والرصاصة ، ولا نعرف ماذا يحمل لنا الغد ، الذي نعرفه اننا نعيش في زمن الخوف والاختباء ، كل واحد يقول – وانا مالي يابوي وانا مالي – نمشي في جنازات القتلي ثم نهرب الى بيوتنا كأن الذي يحدث في جزر بعيدة عنا .
لا نريد ان نسأل عن اللجنة القطرية للسلطات المحلية ولجنة المتابعة وعن سلطاتنا المحلية المأزومة ، لأن الفجوة التي بينهم وبين الجماهير تتسع كلما ارتفع منسوب الدم النازف ، والناس ، للأسف الشديد لم تعد تثق بقدرة هذه المؤسسات والشخصيات وغيرها على لجم الرصاص .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى