عامر الطيب - أحبكِ مراراً في رقصتي الخفيفة هذه

أحبكِ مراراً في رقصتي الخفيفة هذه
من جهات قصية
و بلغات جريحة أيضاً.
من مدينتي هذه
و غداً من بغداد
و بعد غد من مدينة لا أعرفها
و حتى بعد أن أستوحش
حياتي
فأهاجر مع الغرباء
سأحبك من بيتي
الجديد
من سقفه و جدرانه
من عتمته و فوانيسه
و كتبه المستعارة أيضاً.
أحبك مراراً
في دوري الطفيف
على المسرح،
كلمتي الصغيرة جداً
الكلمة التي أقولها و يسدل الستار!

أدخل التأريخ من أوسع أبوابه
أم من أية فجوة
تسع جسدي؟
أدخله صدفة
أم أدق الباب لسنوات طويلة
بحكمة و شغف و إصرار؟
أدخل وحيداً
أم برفقتك متوهجة
و لامعة ؟
أنني حائر
بهجتي الآن ملحةٌ
و أبواب التاريخ لا تفتح إلا غداً !

أقول لحبيبتي:
كنتُ أحبك منذ خمسين سنة
أو منذ ألفين سنة
لكنك لم تكوني مشاغبة
كما الآن.
أعرف أنك حزينة و لست متيقنة مما أقوله
مع أنني أتذكر كل شيء
قبل ألفين سنة
كما لو أنه حدث
قبل ساعات،
كما لو أن كل حبٍ
سيحدث مراراً
للتعود على الموت!

دموعي تنزل بغزارة
أريد أن أمنعها من البكاء
أريد أن أخبرها
أنني خائف
أنني ضحية المعبد الجديدة،
لعبة الأطفال
المرعوبين،
أريد أن أخبرها
أن عيوننا الشاخصة
مثل الأبواب
يمكن لها أن تبكي
فتمضي الدموع الغزيرة إلى الخلف !

سيصبح حبنا لعبةً لطفلنا
يجره و يمرغه بالوحل،
يلوي رقبته
و يعلقه من قدميه .
ها هي الغراميات غالباً :
يتعذب حبنا
وحده
و يكبر طفلنا الصغير مع الأطفال!

صار جسدي شجرة صغيرة
في حياة لاحقة
فاستند عليه رجلان
يتبادلان الطرائف و الأسرار
و الحيل
ثم استند عليه رجل
و امرأة
حاولا أن يكونا هادئين فقط.
ثم رجل أراد
أن يغمض عينيه،
ثم امرأة وحيدة
فكرت أن تسرد حياتها
صار جسدي الآن
بقعة قصية من الظل !

يا حبيبي دعني أحبكَ
عندما تشيخ و تتكاسل عن تقبيلي.
ألم مفاصلك
يمنعك من القيام
و شحوب عينيك
يجعلك رجلاً عديم الرغبة تماماً.
دعني أحبك
عندما تصاب
و تعزل في غرفة عالية
أصعد لك لأحييك
فأجد جسدك منطفئاً
و لسانك يابساً
لكنك الآن الرجل الذي يشدني :
تتذكر نصوصي القديمة
و لا تعرفني!

يجب أن أكون إلهاً مغامراً
مثل المسيح
لأحبك بشجاعة و خذلان .
يجب أن أحميك
من الأخطاء و النهايات أيضاً
كأن أخترع عقاراً
يجعلنا لا نموت إلى الأبد
لكني أجربه بنفسي فأموت!

الآن هذا الكتاب ليس لأحدٍ منكم
إنه دمعة قوية و جامحة،
شهوة وحيدة و مزيفة،
ظلال و خرائب و الواح،
رياح تجيء
و رياح تنسى
و رياح تملأ فراغي بالأشباح.
الآن هذا الكتاب ليس
لامرأة ما
إلا إذا كان نسيانها ضرورياً
مثل صباي و هرمي و أهوالي .
هذا كتابك المجاني إذن
أيتها المرأة المنسية
مثل بذرة،
المشعة دفعة واحدة مثل موت الأفيال،
المتقطعة مثل آخر كلماتي!

امرأة ما
تأخذ شفتي لتعالج بهما
رغبة بالية،
تسلب عيني
لتتفقد تواريخها ،
تسحب نفسي
لتدخن سيجارة متأخرة
بينما يصل الغرباء
من كل مكان
ليدنسوا أثرها.
امرأة ما تحرق جسدي
كله
مع أن ذلك هو الحب
تلك هي حاجتها في الظلام
تلف ذراعي
حولها من أجل الدفء ،
و تشعل أصابعي
الصغيرة
من أجل النور!

إن كنتم آلهة فلم تسخرون من حزني
لم تعتبرونه ألماً عابراً
أو إرثاً يمكن التخلص منه ؟
لم تربطون يدي
لئلا ألوح
تسدون فمي لئلا أتذكر أغنياتي؟
لم تحرقون الصور
بالمباني و الوجوه و الأزهار
لئلا أعرف مكاني
مجدداً ؟
إن كان كل شيء في العالم
يرغب أن يصير إلهاً
لم يأتي الفرح مخذولاً هذه المرة؟
بلادي تبكي و أنا أيضاً
لكنها تبكي
لأن الأنهار بدأت تجفُ
و أنا أبكي لأن الأسماك
لا تعرف ذلك إلى الآن!

أعرف حياتي كلها مثلما أعرف كلمة
واحدة
يحتم علي أن أبرزها كحشرجة
أو أصوبها كنظرة رعناء
لكن تلك الكلمة
ليست عابرة أو غابرة
ليست من أجل الحب أو من أجل السخط
ليست من أجلي
أو من أجل الناس و المرافئ و الأوطان
ليست من أجل أن تصير الموسيقى
عالية
أو يتم نسيانها تماماً.
إنها كلمة عبرت وحدها
نحوي
لتدلني
و ها أنا أتعقب أثرها لأضيع !

عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى