ألف ليلة و ليلة فاروق مصطفى - الدكتورة (سلوى جرجيس) و رحلتها في (الف ليلة و ليلة)

كتاب (الف ليلة و ليلة) المثير في حكاياته الملأى بالغرائب و العجائب الذي يلدها مخيال ممراع ، و الحكايات التي تتناسل ليلة اثر ليلة و الملك شهريار يصغي اليها وهو التواق الى معرفة نهاياتها و حل الغازها ، و شهرزاد الحكاءة العجيبة التي لا تتعب من قص حكاياتها التي يصب بعضها في بعض و لا تسكت عن الكلام الا و نور الصباح يدركها . نقع في هذه الليالي على خلق عديدين و ناس يدبون ، يتحركون ، يغامرون يَقتلون و يُقتلون ، ملوك ، وزراء ، فقراء ، تجار ، مغامرون انس و جان . يقول طه حسين عن الف ليلة و ليلة “هذا الكتاب الذي خلب عقول الاجيال في الشرق و الغرب قرونا طوالا ” فلهذا غدا موضع دراسات و بحوث تدرس و تضيء العديد من جوانب مروياتها و مرجعياتها ، و من هنا جاء اهتمام الدكتورة سلوى بهذا الكتاب ، قراته و درسته و عاينته و اخذت جانبا مهما الا وهو تاثير حكايات هذا الكتاب في المسرح العراقي و اصطفت تسع مسرحيات فاحصة اياها و باحثة فيها عن اثر هذه الحكايات في حبكتها و بنائها و وظيفتها .

ان الذاكرة الجمعية الكركوكية مترعة بمرويات ( الف ليلة و ليلة ) فما زلت اذكر تلك الحكايات المشوقة التي كانت تُروى في بيتنا من قبل والدتي و شقيقتي و اشقائي فهي كانت حلية ليالي سمرنا و زينة جلساتنا الليلية ، تلك الحكايات التي كانت تتسلل من الدار و تخرج الى الحارة و تزين اجواء المقاهي في الليالي الرمضانية الجميلة و حتى انها كانت تتقافز في فضاء الحارة مشنفة الاذان و الناس مجتمعون امام الابواب او جالسون في الفراغات الممتدة بين البيوتات و قمر الصيف يلقي عليهم فواكه انواره الفضية .

تقر الدكتورة سلوى بانها شغفت بهذه الليالي منذ طفولتها الباكرة و ظلت مسحورة بفضاءاتها ثم بعد ذلك تلقتها على شكل كتابات و مطبوعات و تلذذت بعوالمها و تلذذت باندائها و عندما تخصصت في مجال اللغة شرعت تفحص قضاياها الانسانية بالاضافة ما اكتنزت من تضاريس الامتاع و ضروب التسلية و عوالم الادهاش.

تنوع دارسو الف ليلة و ليلة فمن درس المراة فيه و من بحث الحياة الاجتماعية ، و اخرون نظروا الى عجائبها و خوارقها و من نظر في تاثير الكتاب في الشعر و القصة و الرواية ، و لكن باحثتنا احبت ان تمد جسورا بينه و توظيف حكاياته في المسرح العراقي حيث تقر بان تاثير ( الف ليلة و ليلة ) في المسرح العربي يبدا في منتصف القرن التاسع عشر بصدور مسرحية (ابو الحسن المغفل ) ل (مارون النقاش) و تعد هذه المسرحية من علامات التاثر الاول بالكتاب ولكن في رأي الدارسة ان المرحلة الجديدة من التاثر و التوظيف فقد شرع مع توفيق الحكيم عندما اصدر مسرحيته الذائعة الصيت (شهرزاد) عام 1934 .

تفيدنا الدكتورة سلوى تاخر تاثير الحكايات في المسرح العراقي بقولها “ان عملية استيحاء حكايات الف ليلة و ليلة في المسرح العراقي بدات في زمن متاخر قياسا على الاقطار العربية” ص21 و هي تعلل ذلك ببطء تطور المسرح العراقي و تعد مسرحية (الموت و القضية) التي ظهرت عام 1968 للراحل عادل كاظم المسرحية الاولى التي استوحت اجواء الليالي ثم تعد ثماني مسرحيات ظهر فيها التاثير دارسة اياها بالتفصيل و اخر تلك المسرحيات هي (احزان الدولفين الاحدب) التي ظهرت عام 1990 لعادل كاظم ايضا .

ان كتاب الدكتورة سلوى الذي نحن بصدده دعوة صادقة الى كتابنا و نقدتنا للاهتمام بفن المسرح العراقي الذي اهمل من لدنهم و كان اهتمامهم الاكبر واقعا على جنسي الشعر و القص و من الضروري الاهتمام بهذا الفن و الكتابة عن نصوصه و كتابها و تاريخه و مرجعياته و الجدير بالذكر ان باحثتنا كاتبة معطاءة و متعددة الاهتمامات و اذا كان اهتمامها الكبير انصب على النقد المسرحي فانها تفحص النصوص القصصية و الروائية و تدرس المشهد الثقافي الكركوكي و ترعى المواهب الجديدة فيه و كل هذا من باب سخائها المعروف الى درجة من وصفها بانها ايقونة كركوكية اينما تذهب فهي تحليه و تزينه بجميل ثقافاتها و طريف طروحاتها ، و تواضعها الجم الذي يشبه قوتا من التسامح و زادا في النبل الذي يعول عليه الخلق الرفيع.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى