رولا حسينات - أنت مجرد وهم..

بودي يا عزيزي لو أني نسيت اسمينا، ولذنا بالشفق الأحمر ليغمسنا في سكرتنا حتى الثمالة. أترى فأنا لا أخشى تلك المرأة الشرقية فيَّ، عندما أعشق أعشق بجنون ليس له دواء. وإن خيروني بين البنادق والسيوف، فلن أختار سوى أن ابصم بدمائي اسمك قبلي..

من أين تراه قد جاء عشقي لك؟؟

الأرق المباح.. حكايا العشق وفنونه وتوعكاته... وكل منغص قد يسري فيه كالداء فما من دواء. كثيرا منها ينتهي بالكي، ولكنه أنت من أحببت فليكتوي جسدي قبل جسدك، رغم أني أتعلق بأستارك أينما ذهبت، زلفت وخيالاتك الداكنة والجدران، حتى طائشة طفقت أبحث عن هن أطيافك، رائحة عطرك المفزع لحواسي، الذي يسكرني في نشوة فلا أفيق، إلا إليه. سكرة تلو الأخرى حتى تضمخني من أعلاي إلى أسفلي وبالعكس.. صرت أتجنب الرفاق.. أتجنب كل ألقٍ يثور من عينيَّ، ارتديت نظارة سوداء لأدقق في ملامحك أكثر، لأغوص إلى ما أبعد من الجسد، إلى تلك الروح الهلامية التي أضيع باحثة عنها دون جدوى..

أراك بكل ألوان الوجود، فقد صُمم لكلينا معا، وابتغى أن نعلنها ربيعا من نوع أخر لا استبداد فيه ولا ظلم ولا قهر.. فيه إنصات للآخر ومودة وحرية سقفها السماء. هذا لا يتبعني بالساقطة يا عزيزي... رغم أنّي أنكر شرقيتي فعوالقها ما زالت تتشبث بي كامرأة جدارها من زجاج.. وسمعتها جدُّ هشة، وأنت لم تطبع قبلتك على أي من جماليات النص، لابتلعها فلا أجدني إلا وقد قُتلت فيك أكثر فأكثر. أأنت الوحل تبتلعني أم جناح الظلام يخفي كل كياني أم أن أسطورة تأتي ثم تغيب ليتذكرها أناسي هذا الزمن؟؟ المتكالبين على مص الدماء، لقد برعوا فيه يملؤن زجاجاتهم بألوان منه، ولكني ملئت زجاجاتي بريحك.. طيبك..، نظراتك.. كانت بألف طيف وطيف.. أذكرك عندما دخلت فاقدا جزءا منك خليته معي، في ليلتي الأولى معك تحت مسمى حلم، فوق الفراش أمضينا ساعات في لعبة الحب وأحمر الشفاه قد لطخ جسدك، وملأتني كؤوس الحب عشقا، فما أفقت وأنت كذلك.. أعجزت أن تحقق الحلم فأرديته ذبيحا؟؟ لما عليّ أن أسير بنظارتي السوداء في الظل؟؟ ولما عليك أن تسير ببرودة الطرقات؟؟ كنت حينها خاوي القوى.. لأول مرة تجلس.. لأول مرة تحاكي فينا إنسانيتنا دون مبادئ للقانون ولا ألف نص ونص من نصوص مؤلفيه.. ولا تغشى أبصارنا من تزاحم السطور في مدافن الخلايا الميتة، وصلت عيناك إليّ تسألني وكأنك لا تعرف؟! يأتي صوتك بعيدا كما هي حكايا ألف ليلة وليلة.. ضعيفا وئيدا.. قبل طلوع الفجر. لتنتشلني من أعماق البحر، ولكنها نظارتي السوداء من جعلتني لسبب أو لأخر أرسو إلى شطآنك.. عندما خرجتَ عن المألوف لتتبين صفحاتنا كنت أنا صفحتك الأخيرة.. لا أدري لما كان ذلك الشعور ينتابني؟ إنما رميت صيدك لتصيد سمكة تتوثب من صخرة إلى أخرى باحثة عن صيادها وهو أنت.. طلبت إليَّ برقةٍ أن أخلع نظارتي، كانت عيناك تتلقفاني من على جبل أصبو منه إليك، كل الأنظار حينها كانت كذلك، لكنها نظرتك يا عزيزي كانت مختلفة، مرت كلمة بين طياتك..: عيناكِ هبة من الله، فلا تحرميهما نعمة البصر.. ولكنّي لا أريد سوى إبصارك.. أيعيب شرقيتي أن أعترف لرجل أني أحبه؟؟ ولما سبقتني الأمثال في تزويج البنت قبل الرجل؟؟ أم لأنني بنظرهم ذاك الضلع الأعوج الذي يبقى أعوجا مهما قومته؟ ولما عساك تفعل وهذه خلقته؟ الرقة والعذوبة، النصف الآخر للخشونة والجلافة، ولكنك كنت أنبل من ذلك.. رقيقا لغاية أن تحمر وجنتاي.. أكنت أنت حقا من علمني أن عليَّ أن أبصر الكون بعينيَّ وجميع حواسي؟ فلست الضحية إلا إذا آمنت بذلك، والمقاصل لا تنصب إلا للذين قد سلّموا بقدرهم.. ولكنّي لم أسلم بقدري بعد.. من حقي أن أجوب الطرقات بعينيَّ باحثة عن صيغ الجمال دون أن توقفني حواجز أسمنتية أو قضبان.. فلست تلك الجارية التي بيعت في سوق نخاسة ما في أي تاريخ..لن أتعب رأسي لأفكر فيه. أعترف أن نشأتي يا عزيزي في بيت ذكوري، الذكور من لهم عضلات مفتولة وشاربين ومبضع يفتك بعذرية الخانعة ببساطة وهيمنة. وكنت تلك القاصر التي مهما بلغت تبقى قاصرا، بت في العشرين وبعد قليل من الرتابة الزمنية سأكون في الثلاثين وبعدها سأتوكأ على عصا ويحدودب ظهري وتكتسي صفحة وجهي بالكثير من الأخاديد، ولا أستطيع حينها أن أتمتع بصيغ الجمال.. إن أرخيت شعري الأسود الفاحم أمسكني منه أحدهم كما يمسك لجام فرس صهباء، ليقتلع منه حبل طويلا من مسد وينهال بالضرب، وتبدأ اللقاحات من السباب تلقحني كما لا اشتهي، عاهرة غدوت وكلهم يمسكون بعضهم حتى لا ينفرد أحدهم بقتلي.. الأردية مهما كانت واسعة أو ضيقة ممنوعة، فقط ثوب واسع يتسع لعشرة معي، أتعجل فيه المسير فيتعجلني بالسقوط.. والخروج ممنوع والأفلام ممنوعة والروايات فاجرة والموسيقى وغيرها وغيرها.. حتى بات الزواج في مفهومهم ممنوعا بل حراما..

أعترف أني مهزومة في مجتمع، ما أورثني سوى الهزيمة التي سأنبتها في بناتي وأجعلها في الحمض النووي لأولادي، إن كان لي نصيب يا عزيزي.. أعرف سبب فرارك فقد توعدوا بقتلك علما أنك طرقت الباب وخليت الحبل الذي أنزلته إليك من النافذة، نافذة قلبي. قلت: نحن شرقيون إن شئنا أم أبينا وحتى إن كنا غير ذلك فأنا أحترم حبيبتي، واعزُّ قدرها، عندما أمسك يدها وقد لمعت فيهما خواتم الشرعية.. أيُّ شرعية هذه يا حبيبي التي تواسيني بها؟ وهم يتوهمون علاقات وأسرار ولقاءات حمر، بل طالبوا بفحص العذرية.. أتصدق هذه المهزلة؟ وفارقتني يا حبي الأول والأخير بلا شك، وفارقتُ كل جنائن الأرض المعلقة، وخليت الجامعة وما أنهيت أيّا من مفردات حياتي وتقاسيمها.. ولما عساي أفعل والوظيفة الشاغرة موجودة؟؟ أتدري ما هي؟؟

خادمة الزوجات المدللات وصانعة الكعك المحلى، وقلبي جمرة تكوي كل ما فيَّ وتبتلعني بكل زفرة وشهقة تتبعها أنّات.. أنيني في الخفاء وهديل الحمام على النوافذ وعلى الأعمدة التي ما فارقت مطارحة الطرقات.. كل ما فيّ عيبٌ يا عزيزي.. فأنا مؤودة من قبل ومن بعد..

أ في يوم حُررت؟؟ و كأني سمعت بهذا.. لما عليّ أن أصدق أن هناك تغيرا قد حدث ولم أره.. لم ألمسه بيديّ؟؟
الفتنة عاجلا أم آجلا ستقع هذه أحاديثهم، واللحى متدلية من ذقونهم، أسرار تمتد مع أطراف الليل، ودماء تسبح على شاشات التلفاز، همهماتهم تضج بالمكان، وأنا اختمرت الصبر في نفسي وحبست ما تبقى من إرادة لي في زجاجات هشة من معاجين رخيصة..
وما عدت يا سيدي أميز بينهم فكلهم مفردة واحدة، ذكور جبناء متمسكين بذيل الحياة ويتوهمون أنهم دعاتها.. أصبح البيت مسكنا للجن وجحيما للإنس الخاضعين أمثالي.. وجهنم هي سكن الخاطئين..

لكني لم أخطئ في هذي الدنيا.. فلما كانتا عليّ سواءً في الاثنتين؟؟! بلا أسباب قد أبديها ومعاذير قد تنساها..ولكن قدري أن أعرج على كل صغائري وهي كبائر عند من ألفوا منهجة كل شيء وفق أهوائهم.. أبديها لك أنت فقط..

حين التقينا أول مرة كان ذاك قبل عمر، نعم، لقد كبرت وتداعت عليَّ السنين واختلفت اختلافا كبيرا، ما عدت لبؤة يا حبيبي.. ماض سحبه اندثرت إلى أرض بوار وأنا بين يديك ملكة تلك الجنائن كنت يوما..فما أقساها الأيام!

كانت تلك أول رعشة أرتعشها من رجل.. أتعرف معنى الرجل في نظري.. الذي يحنو علي ويدافع عني ولا يهبني لأسراب الغربان..و كنت أنت رجلي في حكايا كثيرة وبطل الروايات التي كنت أخبئها تحت غطاء وسادة أحلامي المصادرة.. بين السطور التي لم تؤلف بعد.. طلبت مني برفق وكياسة أن أجلس.. كانت الساعة الحادية عشرة حين ذاك.. وكان أمامك كوب أبيض عليه رسومات أشبه بالطيور المتعانقة.. وكانت رزمة من الأوراق وقلمك الأحمر الذي امتصت أوراقك منه النصف ..وكنت تجالس النافذة وقد انكسر الضوء المتسلل من السطور المواربة على وجهك فبت أكثر إشراقا ولمعانا..
لم أتبين أنك تكبرني من العمر العشرين، إلا حين ذاك بدوت أكبر سنا لكنك أكثر ثقة ودفء.. هو الدفء الذي كنت تمتلكه وكنت لاهثة أبحث عنه في الفلا والغبراء وفي كل مكان..

كان شارباك يتربعان فوق شفتين ترتديان اللون البني.. عرفت حينها أنك مدمن للسيجارة رغم أنك لم تشعل أيّا منها، عطرك يملء المكتب الصغير..كم وددت يا حبيبي لو أنه عشنا نحن فقط دون النظرات المارقة.. ودون سحرة البشر..

من هنا بدأنا أتدرك كم أنا دقيقة في التفاصيل.. كانت عيناك تقرأ صفحتي كاملة.. وقد رسمت على وجهك ابتسامة من القلب.. كل ما فيّ يا عزيزي أوراق مبعثرة ..مجموعة متسلسلة من الانكسارات والهزائم..

والقابضون على أجنة الأحلام هم ذاتهم قطاع الطرق، وهم ذاتهم القضاة والمحكمون وهم من ترتبط بهم طيلة حياتك القاسية، والذين ينهونها بإرادتهم بطلقة واحدة بدعوى الشرف.. وأنا لم اقترف حتى نعمة الحب، بل لم أعرف رذائله.. ولن أُمنّي النفس بمعرفتها..

أتصدق أننا ضحكنا كثيرا ذلك اليوم ..لا أدري لما كان الحديث معك مفعم بالحياة، نهر جارٍ كانت كلماتك، جملك.. سطورك.. كتابك المفتوح.. أيٍّ كانت.. فأنت يا عزيزي هبة من الله إليّ في أيّ ساعة كنت متعبدة أصلي وأنا متيقنة بالإجابة.. ولكني اليوم لم تعد أدعيتي وبلاغتي فيها تصل إلى أوجها الرخامي.. ربما بدوت بنظرهم جميعا عاهرة.. تصلب كل يوم على مقاصل ألسنتهم القذرة.. فيصدق حاملو القلم أني كذلك.. أقسم أنني لست تلك من أدعيت. فلم لم تقبل دعائي يا ربي؟؟؟ هل يخبئ الدعاء لصاحبه.. ليحميه من الأعظم.. وما هو الأعظم من كوني موؤدة، وشارفت مراكبي على الخامسة والثلاثين.. بدوت أكثر نحولا.. وبالكاد تبين ملامحي الغائرة في جسدي..

جاءتني النسوة يوما يخضبنني بالحناء.. فغار الحناء بين الشقوق وجعلن يلون العظام بالأحمر وغيره من الألوان..
عجبت كنت من فرط عجبي مومياء تحضر للدفن، وكانت كذلك لحظة النهاية.. يا عزيزي..
يا من خليتني وذهبت أدراج السراب..

فما عتب لي عليك..
فسلامتك أولى أولوياتك.. ربما بات لديك من الأولاد اليوم خمس.. ربما أكثر أو أقل.. لكنك قلت :أنك إن أحببت زرعت في أرضك أكثر فأكثر..
أتراك أحببت من اخترت؟
إني أغبطك و أحبك أكثر من أيِّ يوم قد مضى.. وها أنا بين يدي هرم عجوز أرمل دفن من النساء ثلاث.. وها أنا يا حبيبي رابعتهن..

نعم، أنا بين يديه ليدفنني.. وكنت بين يديك لتحيني.. لتجعلني امرأة لها مكانتها.. لها أولوياتها لها حق في أن تسمع كلمتها.. أعرف أنني لن أظلم هذا الهرم..
ولكنه لم يؤذني لأفعل، كان شفوقا محبا يعرف كيف يلاعب المرأة، له فنونه وطرائقه في البحث عما يريد.. أتراه مراهقا كان؟؟ أحسست به حين كان يلقمني اللقم الواحدة تلو الأخرى و أعترف أنه قد منحني الدفء.. وأعترف أنني خنتك يا عزيزي.. وأحببته وأعترف أنني لن أخونه حتى وإن سبقني إلى الدار الأخرى..

أني لم أعرف الخيانة يوما.. فأنا كما تعلم امرأة شرقية..هذه يا إخوتي حقيقتي شرقيتي التي تجعلني استعصم عن الخطايا، وأتمضخ بوضوء الطهارة، ولكي تعرف أني كذلك فلن أرسل إليك رسالتي هذه، كما لم أفعل من قبل بل سأحرق أسطرها وأدفنها في ذاكرتي، لأنني يوما لم اكتبها.. كانت وجعا يتلوه وجع وتبقى الذكريات النواصل، وتبقى أنت إحداها.. مجرد عابر.. نعم، ما لم تستطع أن تغير في الحقائق المسلَّم بها.. فأنت مجرد عابر، مهما أغدقت على نفسك بالألقاب وأسرفت بالشروح عن الحقوق والواجبات، وفيما يجب وما لا يجب، فأنت كما اكتشفت لم تكن سوى ذلك الحلم الواهن الباحث عن الدفء الذي لم تكن يوما تمتلكه.....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى