خيرة جليل - النص البصري بأزمور حكاية جمال بين الأمس واليوم

بما أن الإبداع التشكيلي ثوري يجمع بين المرجعية الفكرية والموروث الثقافي للمجتمع واجتهادات الفنان إما لإحداث قطيعة معها أو جعلها امتدادا لأرضية ما، فإن الفنان التشکیلي مطالب أکثر من غیره أن تکون له ثقافة موسوعاتیة ؛ بمعنی أن یکون مثقفا جادا، منفتحا علی الکل و یتابع المستجداث بجمیع المجالات؛ ویکون قارٸا ممتازا للشعر والقصة والنثر والانتاجات الفلسفیة والفکریة والمسرحیة .....حتی یستطع الاعتکاف بمرسمه ويحاور افکاره لیخرج بعمل ابداعی جدید یمثل رٶیته للأشیاء ولمحیطه. وتکون من بین أجمل نتاجاته الفنیة أن لا أحد یکون قادرا علی استنساخ عمله الأصلی الشاهد علی تجربته ....
اليوم نعمل جاهدا على القيام ببعض الدراسات الكرونولوجية والنقدية لمجموعة من مناطق المغرب لمعرفة مدى غناها بهذا الميدان ولنبرهن أن الإختلاف غنى حضاري فني يغني الساحة الفنية ويحررها و بثذيها بالرموز والأشكال والألوان ، وستكون انطلاقتنا من مدينة زمور كمثالا في إطار هذه الإشكالية :
التشكيل لغة بصرية ونص حكائي، كيف تعامل معه التشكيليون بحاضرة المحيط أزمور بين الأمس واليوم؟
هل حاضرة أزمور تشكل استثناء فنيا أم هي امتدادا للتجارب المغربية الأخرى ولأماكن متفرقة؟
إن الوقوف عند هذه الإشكاليات يجعلنا نقول: إنه
من الأخطاء الشائعة أن الكثير من المتلقين يطالبون الفنان بشرح الأعمال الفنية، ومن الأخطاء الفادحة أن بعض الفنانين يحاولون شرح أعمالهم لاستقطاب إهتمام زوار عروضهم . في حين أن اللوحة كنص بصري حر التأويل في ابعاده والمتلقي له حرية الفهم حسب خلفيات قراءته.
بغض النظر عن المرجعية الفكرية والفلسفية لكل فنان أو عمله الفني، فهو مطالب بأن يبدع عملا يحمل شيئا مميزا ومتفردا فقط ، لا من حيث الجمال ولا من حيث الوسائل المستعملة، ولا من حيث الألوان والأشكال والرموز أو أن يخلق إحساسا أو يولد لنا فكرة أو نوعا من المتعة دون ربطها بأي عامل خارجي.
فالفنان إذن، مطالب بأن يحدث صدمة أو دهشة في إطار جمال جديد ومتفرد بعيدا على كل منتوج سابق ، بل ليكون أكثر جمالا يجب أن يحدث قطيعة مع التجارب السابقة ويؤسس لتجربة لا تكرر المستهلك والمتعارف عليه سابقا، لا من حيث الأشكال ولا الألوان والرموز والأسمدة أو الأداء الآني في إطار البرفرمونس. هذه العناصر يجب أن تحقق إنسجاما فيما بينها حتى تعطي راحة نفسية وبصرية للمتلقي وتعكس عمق التجربة بألوان وأشكال تحمل بصمة المبدع من خلال رؤيته الفنية وبحثه المستمر في عوالم الثقافة البصرية من نصوص فنية تستدعي المخزون المعرفي ومن حيث الإختلاف الجمالي لكل من الفنان والمتلقي على حد سواء .

وهنا أوجه نداء للفنان، حين يخبرك المتلقي أنه لا يفهم عملك هذا أو ذاك.لا تكن ضيق الأفق وتظهر إنزعاجك أو تمعضك من قصور فهمه، بل إسأله: ماذا تعرف عن الفن ؟ ماذا تعني لك اللوحة الفنية؟ أليس اللون جميل ويحقق لك متعة نفسية وراحة بصرية؟ إبحث عن نفسك وإحساسك داخل هذه الألوان وكيفية توزيع كتلها اللونية و الضوئية وخطوطها ورموزها ودلالتها وأبعادها. حين يصف لك ما يراه إسأله: أليس هذا جميلا بصريا ؟ هل خلق لك المتعة أم الاشمئزاز ؟ حين يجيبك بكل أريحيةعن رد فعله أخبره هذا هو الفن ، ثم إسأله: ماذا تريد أن تفهم ؟ واستدرجه ليصف لك شعوره ودهشته أو أي ردة فعله، وأخبره أن ما يراه هو جميلا قد لا يراه الآخر كذلك، وكل هذا هو الفن الحقيقي الذي يساءل أفكاره ويحاور شعوره ويمتع عينه، فإلى أي حد استطاع فنانوا أزمور أن يتفوقوا في دق أجراس هذه الأسئلة لدى المتلقي؟
إن تفشي الثقافة السمعية الشفاهية بالوسط العربي عامة والمغربية خاصة، جعل المتلقي حبيس المحكي والمسموع و ينفر من كل عمل فني بصري يستدعي رزنامنته الثقافية والفكرية، مما يوضح قصوره الفكري على استيعاب جمال اللوحة وأبعادها الفنية والفكرية، وهذا ما لا يسعفه على أن يحقق المتعة المرتقبة من العمل الفني البصري، لأن حاسته البصرية تعاني من الخمول و لم تتعود على تذوق الفن والإبحار بمتاهاته وأبعاده ودلالته. إن المثقف العربي ألف أن يفهم الفن من خلال كتابات بعض النقاد الذين يكثرون الأطناب ومجاملات المبدعين وتقديم الصور الواضحة و الرسائل التي لا تحتاج للتفكير، مما جعله رهين الكتابات الغير الجادة ولا المجتهدة ويميل إلى الكتابات التي لا تعتمد على معايير ومقاييس متعارف عليها مسبقا من خلال الكتابات التي تتعامل نوعا ما مع اللوحة كنص بصري له قواعده وضوابطه و لا يظهر جمال اللوحة الحقيقي إلا باستدعاء المخزون المعرفي للمتأمل والتعامل معها كبارادايم تفاعلت فيه مجموعة من المعطيات الفكرية الإجتماعية والثقافية والتقنية والجمالية، وقد تبدو له لغزا محيرا لا يستقطب اهتمامه. لهذا أقول: إن اللوحة الفنية نص بصري بحاجة لمن يحرره من الشروحات الفارغة والقاتلة لجمالية العمل و يحافظ على ديمومته و ذلك بخلق حوار معرفي مع المتلقي، حتى يصبح الفن قيمة حياتية مضافة وتجربة فنية جديدة ومتفردة من خلال الوقفة التأملية لهذا المتلقي الذي يجب أن يستدعي فيها وسائله المتاحة عبر مساره الحياتي من معرفة وتقنيات ورموز بقراءتها و استنطاق جمالها وأبعادها......

معظم الفنانين التشكيليين الذين مثلوا ازمور مثلوها بمختلف أساليبهم ومدارسهم الفنية بما فيهم العصاميين والأكاديميين، فقد استطاعوا بحبهم للفن وعشقهم لفضائهم الغني بالرموز الثقافية والتاريخية والحضارية التي تراكمت عبر مراحل مختلفة ان يبدعوا لوحات تعج بالحركة والضوء والرموز التراثية.
للخروج بخصائص الفن التشكيلي الزموري كان لزاما علي ان أقف امام أعمال تشكيليين مختلفين من حيث العمر والفترات الزمنية والأساليب الفنية والمدارس التي اختاروها ليبدعوا في اطارها بمختلف المرجعيات الفكرية والثقافية....حيث تساوى كل من الأكاديمي والعصامي في كرمه الروحي وخصوصية عطائه....إن كل دارس للفن التشكيلي الزموري يستنتج استنتاجا لا يخرج عن الإطار العام ومنحنى التشكيل المغربي والمؤثرات السوسيوثقافية التي انتجته ونتجت باستخدامه، إلى أن خصوصياته المحلية تلخصت في خصوصيات الذات المبدعة لكل لوحة فنية وفي الحيثيات التي تبلورت في إطارها زمنيا ومكانيا.
إن ما يميز اي عمل فني عن الآخر لدى مبدعي أزمور هو حتى ولو كان داخل نفس المدرسة الفنية نفسها،واقعية أو انطباعي أ فطرية أو تجريدية، نرى كيفية تعامل كل فنان مع فضائه الفني وكيفية تحريكه للكتلة اللونية والألوان التي اختار ان تتقاسم مجاله والظلال التي احب ان تسكن بين ثنايا ألوانه. فإذا اختار السيد عبد الكريم الأزهر تيمية الإنسان وسكنت الأنثى فضاءات لوحاته بشموخ إنساني واضح و أتخذ من الألوان القوية والساخنة صوتا يعج بالحركة، فإن الشاب حمزة المخفي اختار نفس الرمز الكائن الأنثوي لكن بألوان متعددة تتقاسم المجال بعفوية وفوضى احساس ملحوظة يصعب معه حصر مجال كل لون في حدو د واضحة بل جعلها متداخلة فيما بينها ومتفرعة ومتشعبة كأدغال عاطفية ونفسية يصعب الفصل بينها، لكن يوحدها الإحساس بنوع من الأريحية النفسية التي تعبر عن سعادة الشخوص الذين يسكنون فضاءه ويستكنون إلى تقسيماته العفوية، في حين أن التشكيلي أحمد الوشيني وحسين الكداني اختارا التجريد الفني كنص بصري وقاما باختزال الشخوص في ملامح وأشكال هندسية وتقسيمات لونية تعبر عن تجريد لأني إما حركي او غنائي للتعميم الجمال الفني المفاهيمي بأن خلصوا فيه احاسيسهم وانفعالاتهم النفسية وانفلاتاتهم اللونية المركبة والبسيطة، أما عيسى الجد فبفطريته نقل لنا أزمور ببناياتها وأسوارها الصامدة أمام الزمان واكراهات المكان، ملخص لنا أزمور بعبق وادها ومحيطها وتاريخها في نستالجيا واضحة تفضح عشقه وغرامه بأمكنتها، وحتى شخوصه التي سكنت لوحاته جاءت متاملة لكل ما تعج به اللوحة من بحر وزرقة فضائها وأسوارها ومراكبها......
إن كل من التشكيليين : هبولي بوشعيب،سي البوهالي مصطفى،عيسى الجد، عبد الكريم الأزهر ، حسين الكداني، أحمد الوشيني ، حمو المخفي على سبيل المثل لا الحصر من خلال أعمالهم الفنية حضر وا كموثقين للحدث الفني و مؤلفين للنص البصري ومتورطين بالعشق المكاني والتاريخي، مشكلين بارادايم فني يصعب الفصل فيه بين مكوناته الفلسفية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية..... فلا هم يستطيعون التحرر من أزمور فاتنتهم ولا أزمور تستطيع التحرر منهم بثقلهم الفني والفكري.
ختاما يمكنني أن أقول إن فناني أزمور استطاعوا
تحرير اللوحة كنص بصري حي من الشروحات الفارغة والقاتلة لجمالية العمل و حافظوا على ديمومته و ذلك بخلق حوار معرفي مع المتلقي، حتى أصبح الفن قيمة حياتية مضافة بالحياة اليومي بأزقتها وشخوصها وبيوتها وأسوارها، واسسوا لتجربة فنية جديدة تنظيرا وممتدة تاريخيا ومتفردة من خلال ألوانها وخلفيات وروادها في إطار هذه الوقفة التأملية لي بين لوحاتها كمتلقية واعية بحيثيات العملية الفنية وإشكاليتها الجمالية الفلسفية والتقنية ، وأنا استدعي فيها وسائلي المتاحة من معرفة تشكيلية وتقنيات ورموز لقراءتها و استنطاق جمالها وأبعادها كما ما زلت أعقد الأمل على النخب الفاعلة ثقافيا لإغناء التجربة وتعميقها ......خيرة جليل
المراجع :

*التشكيل العربي المعاصر – واقعية عادل أصغر بين المحلية والعالمية / الكبير الداديسي
*المصطلحات الفنية و التشكيلية ..arch dictionary

*الملحق الثقافي لبيان اليوم العدد : 9162 \2020 محمد الصفى
*الملحق الثقافي لبيان اليوم العدد :9092 \2020 محمد الصفى
*مدارات الثقافة العدد الاول \2020 محمد الصفى
*Azema2.FREE .fr/wp/p105, Silbohali Mohamed.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى