عامر الطيب - أنكم تعرفون أنني لم أجرح أحداً منكم

أنكم تعرفون أنني لم أجرح أحداً منكم
بظل أو بكلمة مشدوهة
أو بأفول مفاجئ.
لقد أحببتكم جميعاً
و وددتُ أن أرثكم جميعاً
و أفتح جسدي المعتم
لألعب معكم .
لقد آن الأوان لأخبركم
إن الحقيقة لا يمكنها أن تصبح عبئاً
على المرء
أنني أحب الشمس
من أجل الزهرة التي تتفتح
و أبجل العتمة
من أجل المجد الذي سيزول !

أبيع مصائبي بأسعار مخفضة
ثمة دموع و حكم و أضواء
لا يصح اعتبار
حياتي مسرحاً للتصفيق و النوح.
ها أنا أستثمر
قصصي البدائية
مع نسوة مجهولات،
دكان في المدينة
و دكان في الريف
أبيع مصائبي بمزاج خائب
و زبائني سعداء !

تحولت ملامحي إلى أشخاص
فصارت يدي عدواً
و أنفي هدهداً غريباً
و شفتاي رفيقتَي سفري الدائم،
أما عيناي
فصارت إحداهما عابراً
يدلني على طريق للإسترخاء
و الأخرى
لعنة عظيمة لأحسبه وطناً !

ثمة عاهرة طيبة و عاهرة شريرة
بنفسي عشتُ ذلك
في ليل بغداد الموتر
كانت هناك امرأة تدفع جسدها
دفعاً للتخلص
من أي وهج يمكن أن يحسب حباً صالحاً،
و الأخرى
تطلب مني أن أكون رجلاً عابراً
لأظل وفياً
للأسرار !

لماذا أنا عاجز عن إبقاء
قصائدي مرحة و هانئة ؟
لماذا لا أرتبها
كما أرتب حبيباتي الآن
القصائد المتلهفة
ثم المريرة
ثم القصائد التي يمكنني الإستغناء عنها ؟
أو كما أرتب أصدقائي مثلاً
أصدقائي الذين
أتحقق من ألعابهم مرة واحدة
ثمّ الغرباء ؟!

لا أستطيع أن أحب ثانية
دفنتُ رسائلي للتو و عانقت أمي بتلهف نادر
جالست إخوتي
و أحببت أصدقائي
قلت لهم أنكم قريبون
يجب أن اصلي من أجلكم
لقد انتهى حبي أخيراً
و صار علي أن أرعى حياتي
و أواسيها،
لا أستطيع أن أحب ثانية
لا أود أن يحدث
لي ما حدث
لبوذا و جيفارا و يسوع
لا يصح
أن يصبح قلبي فزاعةً خالدةً
و روحي حقلاً !

أيتها الآنسة المبجلة،
أيتها اللعنة الحنونة و البرق البطيء
أضع لك هذه الرسالة
بعد أن سافر الكلام
كما يسافر ضيف عابر فجراً
حمل حقيبته قبل أن يبرد الموقد
و ودعناه.
أيتها الآنسة المبجلة
أن حبي لا يمكنه أن يصبح
سياجاً أو كتفاً
سنداً أو فانوساً
طريقاً أو كوخاً
أنك تبكين و أنا أبكي
و حياتنا طفلة متنكرة للعائلة
و ممتنة
للأشباح !

هذا كتاب عن حياتي
ثمة كتب كأنهار و أخرى كأذرع
مفتوحة ليمر الهواء بأثر حزين فقط.
كتاب عن حياتي
ثمة كتب كالنيران
و أخرى كالأولاد الصغار الذين يلعبون
بالكلمات فجأة
فيحلون اللغز .
أما كتابي
فهو خلطٌ عابر
لكنّ كل كلمة هنا هبة غامضة.
لا أعرف كيف قررت
أن اؤلف كتاباً
للتحدث مع غرباء عن حزني و ضلالي
عن خراب مدني و ضحاياي
عن جدتي و خالاتي و صلواتي السائبة أيضاً.
هذا كتاب صغير
لأنني أردت أن أبكي
مع أن ذلك ليس عملاً مربحاً :-
نسخ تباع
و قراء لا يبكون!

يجب أن تحبي القلوب و الأكواب
كل شيء سينكسر في أوانه،
كل عداوة ستحصل على لفتات إلهية
لتصبح حباً،
كل جسد لرجل أو لإمرأة
كان في السابق مدينة بقناطر
و طواحين و أنهار.
لكنْ لم يبق من ذلك سوى عزاء صغير فقط.
يجب أن تحبي القلوب
و الأقفال
القلوب و الكتب
القلوب و البيوت
القلوب و الحرائق أيضاً
إن حاجتنا إلى الدفء
طهّرتْ حاجتنا إلى النور !

يا إلهي يا إلهي
لقد وجدتُ نفسي ملكاً مبجلاً
و حزيناً في الحلم
ضاعت مدائني بينما
كنت أبحث عن بيتي
ضاع بيتي بينما كنت أبحث
عن الطمأنينة و النوم
عائلة عريقة تتوسل رحمتي
و تقيم بإسمي المذابح و الأعراس.
يا إلهي يا إلهي
لقد وجدتُ نفسي إلهاً حزيناً
في الحلم
لكن لمَ يستمر ذلك كله؟
يجب أن أحافظ على الضغينة و اللوم،
أن أكون سخياً
كما لم يحدث لإله سابق
يجب أن أدع الأرض تفسد
لئلا أخسر محبة أعدائي!

أضعُ قدمي على ركبتكِ فتنفلت
كهرٍّ صغير،
كنا نشاهد التلفزيون
عندما سقطت بغداد
بعد أن قرأ المذيع الخبر بكى،
قلتِ أنه تمثيل
فأجبت:
لا بد أن تكون بغداد هبة للكثيرين .
أضع قدمي الآن
على الكرسي
في وظيفتي أو في نبوتي أو في بيتي الخائب
لا أحد ينصف إرثي الآن،
بغداد مدينة تستحق أن نندبها
أما حبكِ
فركبة مقهورة ،
جلد ثقيل و ملتحم
لكني أبذل جهدي لأجعله ثوباً !

لماذا تحبني في مثل هذا الساعة ؟
أحاكي نفسي كغريق
متوهماً أن كلماتي العميقة
ستبرز على السطح.
لدي كل ما هو بشري و متعفن و زائل
لكني أردتك
بالجزء الكلي:
حريتي المجيدة و صفاء روحي
لعنتي و هذياني و إنتمائي للعالم
برغبة الزنازين
صدري الرحب و قلبي المتبرم،
حياتي الزائفة
و حياتي التي أردتَ تقويمها .
لماذا تحبني
في مثل هذه الساعة
الأمر برمته
قربان ضخم لإله لا يعلمُ الغيب !

عامر الطيب



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى