علي صلاح علي محمد - تشظي

أخبرتني نوريت ذات مساء، إنها تحمل مشاعر متباينة نحوي ، بمعني تحبني، وتكرهني في آن واحد.
أتذكر تلك الكلمات جيدا حتى الآن ، علاقتي معها مألوفة ، كعلاقة شخصان اتحد قدرهما مع بعض، نعمل كخلية نحل ، كل منا يعلم عمله دون التدخل في شؤون الاخر ، كان يدور في مخيلتي أسئله كثيره مثل :
من أنا ؟
أين نحن الآن ؟
لماذا مختلفون عن البقية ؟
كانت كل هذه الأسئلة تغلي في راسي كما يغلي قدر العرقي(الاسم الشعبي للخمر ) ، مرضت أمي أو نوريت مرضا شديدا، وبدأت تزبل بعد إن كانت اجمل فداديه(المرأه التي تعمل في صناعة الخمور البلديه ) وبدأ شبح الموت يلتف حول عيناه الجميلتان، كأنه ثعبان ضخم يستمتع بتعذيب ضحيتة قبل إلتهامها ،وكنت أنا على رغم من صغري وصي على كل شئ ،من عمل العرقي، و مسؤول أيضا من تنظيف البيت حتى يأتي إلينا أكبر عدد من الزبائن ، فعندما ايقنت أنها لا محال من موتها نادتني بصوت خفيض تعال يا فنجايت اجلس بالقرب مني فلما دنوت منها قالت لي الآن عمرك أربعة عشر عاما وهذا يعني انك أصبحت رجل يجب أن تعتمد على نفسك إنك كما تري حالتي تسوء يوما بعد يوم أود أن أخبرك بقصتي و تاري و مأساتي ، كما تعلم أنا اسمي نوريت أبريم من قرية أمبيرمي شمال مصوع في دوله إريتريا وهي قرية مسالمه و متكافله فيما بينها بها معظم الدينات السماويه وغير السماويه تجمعهم أمبيرمي ثم الانسانيه لكن العدو الغاشم الذي هجم عليها واباد معظم سكانها لا يعرف الانسانيه ،لا مكان في الحياة بالنسبة للإنسان ، أجمل و أبهى من المكان الذي ولد فيه و ترعرع ، و تفيأ ظلالة و إرتوي من مائه ، فالمكان هو تزكير لمراتع الصبا ، و ضحكات الطفوله البرئيه ، وهو جزء من كيان الانسان ، فمهما أبتعد عنه ، و شطت بة الدار فلابد أن تبقى أطلال قريتة في ثنايا مخيلتة وهذا جزاء يسير من الوفاء لهذه الارض التي حملتك على ظهرها وأنت تحبو ،ثم أنت تخطو ،ثم أنت تمشى ،ثم بعد إنتهاء الاجل تدفن فيها فما أرأفها! بنا، بعد مجزرة أمبيرمي هاجرته الي السودان قبل ميلادك بشهور عن طريق التهريب آبان الحرب الأهليه بين إريتريا و أثيوبيا الحرب التي قضت على الأخضر واليابس وأكثر ما تضرر من هذه الحرب هن النساء ، بعضهن بين ليلة وضحاها وجدة نفسها مسؤولة عن كومة لحم من الاطفال و بعضهن أصبحت شبه أرمله بعد موت خطيبها اي إنها أصبحت شؤم لا يجوز الزواج بها مرة أخري ، والبعض الاخر ذهب الي الموت في معسكر ساوا للتجنيد ، فأنا كنت شبه أرمله بعد رحيل خطيبي من الحياة ، لم يستطيب لي البقاء في إريتريا فقررت الهجره الي السودان عن طريق المهربين رغم محاولة صديقتي فنجايت عن زجري من القدوم الي السودان لأنها كانت مخاطرة لا فرق بينها وبين الموت فلما راتني مصممة على فكرة الهجره إلا وإن قالت لن أتركك تذهبي وحدك سوف آتي معك ، تفاجئته من قراراها وتصميمها على أن ألا تتركني وحدي ، خلال أسبوع جمعنا مبلغ تكلفة الرحله من إريتريا الي السودان، خرجنا متوارين من أعين الناس بعد منتصف الليل الي لقاء القدر وهو الشئ المكتوب في كل جبين ارتري( المهرب) و كنا متوجسين منه خيفه فربما نصبح ضحية لبيع الأعضاء وهي تجارة تنشط في الحدود بكثرة ، تحركنا بعد منتصف الليل من مصوع الي مدينة تسني الحدودية مع السودان ثم بعد ذالك تم تسليمنا كما تسلم البهائم التى يرغب في زبحها الي رشيدي وهو من القبائل العربية التى تسكن السودان وهي غير مرحب بها في السودان لأنهم عرب أجلاف يفعلون كل ما يخطر في بالك من فظائع ، قرأت بعض التعويزات لعلها تحفظنا في الطريق ثم تحسست تميمتي ، وبدأ القلق والتوتر والارتباك من حرس الحدود و بدأت إريتريا تختفي ملامحها رويدا رويدا تركنا خلفنا وطن مكسور الجناح يرى أبنائه يفرون منه و يحملون ترابه في حقائبهم لتوريثه لاحفادهم حفنه من التراب تعني لهم الكثير والكثير عندما نشتمي هذا التراب ترجع بنا الذاكره الي مرتعى الطفوله اهااا من وطني أصبح الشتات وطننا لنا ، لا شيئ يضاهي قيمة الوطن في قلوب المواطنين حتى لو تنكر لهم ذالك الوطن و لفظهم بعيدا عنه فالوطن ليس مكان فقط بل هو روح و اهل و اصدقاء و طفولة واحلام ، مهما تكن قيمة الرفاهيه التى يوفرها لك الوطن البديل لاتوازي وطنك .
تسربنا بغابات كثيفه كما تتسرب الماء في فتحات الارض ،ثم اوقف الرجل الرشيدي العربه وامر مساعديه بأن يختار بنتين لقضاء وطره ، وقع الاختيار علي أنا و صديقتي فكنا أمام خيارين أما الموت وإما أن نفقد شرفنا كما فقدنا وطننا ،أخيرا تم فقد شرفنا في العراء أمام أعين المهاجرين من الأطفال و كبار السن تم فض روحي قبل ان يفض غشاء بكارتي و صلنا معسكر اللاجئين أجساد محطمة بدون أرواح ، فالمعسكر تشتم فيه رائحه الموت حيث أطفال عراه و جوعى و نساء ذات أوجهة باهته تحمل على عاتقها فشل وطن ، تم تخصيص خيمه لكل اثنين معنا ، جلسنا أنا و صديقتي فنجايت لمده شهر لم تستطيب لنا الحياة في المعسكر وبدأت أعراض الحمل تداهمني من غثيان وعدم شهية في الاكل و الحياة أيضا،فأشار إلينا احد السودانيين بأنه يستطيع تهريبنا من هنا الي العاصمة الخرطوم ولكن لم يكن لدينا المبلغ المطلوب، ثم اقترح علينا بأنه يوجد دكتور مصري هنا في كسلا يبتاع الأعضاء ، عضو واحد كفيل أن يحول هذا الجحيم الي جنة ترددنا كثيرا فما زال يتردد علينا حتى إقتنعت فنجايت أن تبيع كليتها الي الطبيب (الجزار ) المصري تم تسليمنا مبلغ كبير بالعملة السودانيه بعد أن أخذ السوداني أكثر منا ، بعد شهر من العمليه تحسنت حاله فنجايت ثم بدأ الجنين يكبر في أحشائى هذا النبت الشياطني فلم أستطع التخلص منه ، قررت فنجايت الرجوع الي أسمراء وعمل مشروع تجاري هنالك مع أمها ، فقررت أنا البقاء في السودان و أشتريت منزل في مدينة كسلا.
ثم جاني المخاض ليلا لا كهرباء لا أهل لا وطن ولا روح ما أكثر اللات في جوف كل إرتري ،لقد أرتشفت شراب الهجره و الحرمان في كؤوس من الحنظل و الحنين ،تمنيت أن أنجب بنت حتى أخلد اسم صديقتي ولكن شاء القدر أن أنجب ذكر ولكن لم أتردد في تسميتك فنجايت ، أنا لم أكرهك أنت جزء مني ولكن شكلك يذكرني الماضي يذكرني مشهد الاغتصاب يذكرني الوطن يذكرني مأساتي ، أنا الآن على فراش الموت ولم يعد لدي حيله مع الحياة قد نفذت كل محاولاتي لإنقاذ روحي ، وصيتي لك أحمل رفاتي وادفنها في أمبيرمي لعل هذه الروح المنهكه ترقد بسلام بعد عدة سنين عجاف ثم أبحث عن فنجايت فهي سوف تخبرك بالسر الأعظم ، بعد ذالك فاضت روحها الي بارئها ، لم أبكي عليها أبدا ولكن أشعر بأن شي داخلي يريد أن ينفجر ، أريد أن أنتقم من الذين تسببوا في شتاتنا، ها أنا ذا احزم حقيبتي ورفاتي أمي ،وما تبق مني في أرض المهجر متجها الي إريتريا لملاقات فنجايت ولم الشتات بعد خمسة عشر عاما من ضياع الهوية ........
علي صلاح ود جهينه
الأربعاء الموافق 1-7-2020
السعوديه - جده

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى