عامر الطيب - عندما كنتُ طفلاً لم أرد أن أصير كاتباً.. شعر

عندما كنتُ طفلاً لم أرد أن أصير كاتباً
لم أسع لأن أملأ رأسي بالكلمات،
لم أقل لأقراني سأكون أميراً مثل أبي فراس
أو منبوذاً مثل ويتمان .
كنتُ أود أن أنعم بالنور
بمحبة جيراني و صديقاتي اللواتي
ألتقطهن بالإشارة لا بالحكي.
عندئذ أوكل لي جدي لأمي
أن أشعل المصابيح الكبيرة حول السياج
ثمّ
بعد ذلك تم زرع أشجار مكان المصابيح كلها .
أتعرفون لم أنا أكتب الآن
لأضغط على الأزرار ذاتها
فتضيء الأشجار!

لست بهلواناً لكنّ ملابسي تجف فور ما أخرجها
من الحوض.
سألتُ أطباء و تجرأت لأدعو
الله أن يهبني السكينة و النوم .
لقد غسلتُ قميصي الآن
و جفّ،
مطرتْ السماء و ظل ورق الصفضاف لامعاً
أما قميصي فلا.
أليس الأمر مرعباً ؟
لن أقول لأحد عن محنتي
لن أترك كل شيء كما هو
لن أتردد بتمرير كمّي الأيمن على عيني
لاِسترداد دموعي!

أمي لا ترى الآن
لقد عاشتْ حياة طويلة وهي تنتظر
اسمي في الجرائد
ذات يوم أخبرتها إن اسمي
و قصيدتي ها هما في هذه الصفحة.
تمسكُ بيدي وهي ترتعش كقمر الأمواج
لتقول :-
دلني على اسمك
لا تدعني أتلمس أسماء المدن
المهجورة في الأخبار!

أكتب متمدداً على فراشي
و تكتبين واقفة ،أعرف ذلك فقد عشتُ معك
في زمن ما
نختار كلمات تلائم مواجعنا
أسفنا و قمحنا الرطب و شواطئنا ،
نختار كلمات نختم بها رسائلنا
ثمة أشياء لا تودين كتابتها فتجلسين
و أشياء تلح علي لأكتبها فأقوم !

الأشجار تزعم إنها قادرة
على أن تكسو العصافير الصغيرة
فورقها المحتشد
يمكنه أن يصلح لذلك
هذا جزء من جفاف مخيلتها
لأن المجد الآثم لا يوجد في الريش!

كانوا حين يرفعونني على ظهورهم
لأهتف: عاشت بلادي
في الألم و الضوء
في الحرب و النوم
أعطس فجأةً
يهزأ بي أقرأني و يضربني معلمي
قائلاً إن الحكاية
ليستْ مزحة.
عندما صاروا يرفعونني الآن
تقفز مني دمعة لتشكّل
بيتاً مسدوداً
يجب أن أعطس نيابة
عن الغرباء لأفتح لهم الباب!

أنا في منتصف عمري لحيتي ليست كثيفة
كلحية السحرة و القديسين
و أصدقائي الذين أعرفهم
لم يمت منهم غير القليلين
الذين أخطأوا دروبهم
سألني ولد صغير وأنا أكتب كلماتي و أرددها
كيف يخطئ الواحد دربه مثلا؟
فتجاهلته
أنني لا أعرف شيئاً ،
أنا في منتصف عمري و لا أعرف
كيف أقود حياتي كما تفعل الشجرة
أخشى أن تستقر أوراقي الخفيفة
عند جذوري!

أتمشى كشبح عملاق
لا يفكر بالأشياء الصغيرة التي يدوسها
تهرب الأطفال
و تنسحب النسوة داخل البيوت
لكنكِ تقفين
بوجهي
بتعبك و صغر حجمك و يديك
لحظة تصيبني بالرعشة
أنحني لأحبك
أنا الشبح المغلوب.
كلا
أنا إنسان خائف
من أن أصير شبحاً
و يضيع طريقي !

أتعرى في غرفتي لأتشمس
إنها غرفة موصودة بالخشب
و الأحجار
لكن الأشعة ستجد حيزاً لتدخل
عندما نحب الأشياء
تخدمنا الشمس
و تصلي من أجلنا المياه أيضاً
أنت تضحكين
تعتقدين أنني أكذبُ
إن المياه كلّها تسجد على هيئة شلالات !

عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى