محمد حجاجي - الشعر والطب النفسي والكلمات المسهمة

"... الاشتغال على الشبكات [شبكات الكلمات المسهمة والمتقاطعة] يبقى هو أيضا اشتغالا على اللغة وبحثا فيها. وبالتالي فهو لا يختلف كثيرا عن عمل الشاعر.
فالشعراء، يا صديقي، يبتكرون دوما تعريفات رائعة في ما يكتبون من قصائد. سأعطيك المثال التالي لتوضيح ما أرمي إليه: لنفترض أنك تريد تعريف كلمة "دموع". إن المعجم يقدم لك تعريفا باردا ومحايدا للدموع: "ماء العين يسيل من حزن أو سرور أو نحوهما". ولكن الشعراء يرون الأمر بطريقة مختلفة تماما عن رؤية المعجم الباردة. فهذا المجنون قيس بن الملوح، مثلا، يقول متحدثا عن الدموع:
وليس الذي يجري من العين دمعها // ولكنها نفس تذوب فتقطر.
ومثال آخر عن كلمة "السعادة"،. هناك معاجم تكتفي بالقول إن السعادة هي خلاف الشقاوة! لكن تأمل معي كيف يعرفها شاعر عبقري، مثل جبران خليل جبران، في قصيدة المواكب:
وما السعادة في الدنيا سوى شبح يرجى، فإن صار جسما مله البشر.
أليست هذه تعريفات شعرية رائعة؟ ألا ينطبق بالفعل، على هذين الشاعرين وعلى أمثالهما، قول الخليل بن أحمد الفراهيدي: "الشعراء أمراء الكلام، يصرفونه كيف يشاؤون!..."
"الطبيب النفساني يشتغل هو أيضا على الكلمات..."
"... كان كل همي [حين إنشاء شبكة الكلمات المسهمة]، أن أبتكر التعاريف التي تتوجه إلى ذكاء القارئ لا إلى ذاكرته..."

من حوار مع الدكتور عبد القادر وساط (أبو سلمى) في العدد الأخير من مجلة "زمان" المغربية، في جواب عن كيفية تعايش الشاعر مع مبدع الكلمات المسهمة مع الطبيب النفساني... في شخص أبي سلمى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى