محمود بكو - بيضة القرية..

عندما كانت أغصاننا البريئة لا تملك الريش الكافي وقبل ان تغرق السعادة الهزيلة في دهاليز التواقيت ، تربينا في حضن قرية عارية ترسم العرق على الجبين كي تأمن لقمة لفم الحياة ، حيث الشقوق كانت تتسابق في كف والدي لتكبر كالنهر ، والدي الذي كان يربيهم بيننا كطفل ويبتسم قائلاً جملته المتعبة بفضل هذا النهر لا أمد يداي لأحد سوى للخير ، أمي التي كانت في يديها بِركة من البَرَكة ولأبتسامتها تضحك الحقول كانت تقول بحب : يداً ما خلقت للعطاء وهي صديقة الوحيدة الفقراء ، ذات مرة منحتني بيضة كي أشتري بها سعادة شاردة، كي اشتري ماطاب لي من الأشياء التي لا تقفز قيمتها عن قيمة الجوهرة التي أحتضنها بين دفئ يداي ، في الطريق كانت الخيارات تتسابق كالأحصنة في قعر مخيلتي فتارة أقايضها بالسكاكر وأحسب عمر الوقت الذي ستبقى به في فمي المؤقت ، وتارة أقايضها ببضع غرامات من البزر (عباد الشمس) الذي دهنوه بالملح عنوة فأحتار موضع اختباءها في أي جيب وأين سوف يطل
وتارة أقايضها بألوان علب البسكويت الزاهية فالمذاق يغريني لكن حجم العلب كانت تنصب لي الفخاخ
وتارة أقول لنفسي بأن القرار النهائي في الدكان فالرياح كان تجلب لي صور مفتوحة للخيال ، لكن الخيبة كانت تفرش بساطها فالدكان كان مغلقاً ، وعيناي أحاط بهما سرب من طيور اليأس ، والقرارات هربت بعد أن سمعت بوقاً لسيارة تهرول على مهل كما لو أن أحدهم نهزه ركلات العمر ويحمل عكازة ثخينة لا يثق بالأرض أيضاً ، هنا حملت ذاك الإنكسار بثقل وتوجهت صوب المدرسة لكني لففت محبوبتي بمنديل مزخرف كي لا تصاب بالأذى ووضعتها في جيبي إلى أن عيناي كانا كحارسين لحقل من ذهب عتيق
أخذت موضعي على المقعد الأمامي والبسمة لازالت بفستانها على شفاهي إلى أن أقترب نجل البؤس اللحظي (المدرس) ، كان له عادة أحبها فإن مر بجانبي كان يلامسني بعصاه التي تملك وجهاً مفزعاً كما كان يراه البعض ، هذه العلامة الجميلة كانت تشير بأنني من الأوائل ، لكنها أتت على رأس البيضة ، فصوت الكسر ركض بكامل طاقته نحو أذني المتيقظة ، وتسللت يداي بسرعة إلى الجيب لكنها عادت كما ينتشل أحدهم جثة من بين الانقاض
عادت وهي تحمل خيبة برؤوس مضاءة
خيبة خشنة جداً
لازالت الخيبات تحك جلدنا بخشونة ولازلنا نبحث عن صوت
  • Like
التفاعلات: جاسم الحمود

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى