محمد مزيد - الفتاة الصومالية..

في القطار الصاعد الى أنقرة ، لاوجود لمقعد شاغر ، أكتظاظ يشبه ما قرأناه عن حشر يوم القيامة . بصعوبة جلستُ على أرضية القطار قرب فتاة صومالية، ترتدي الجنيز وكنزة صوفية رمادية ، كانت جالسة على حقيبتها الكبيرة . في البدء تصورت أن أحدهم سينهض من مقعده ويجلسني توقيرا لكبر سني ، غير أن لا وقار يمكنك الأحتفاظ به في قطارات ما بعد منتصف الليل بالشتاء . يسير القطار ببطء ، خلافا لنصيحة أحدهم زعم أن سرعته تفوق الباص . الفتاة الصومالية يشبه وجهها قمر مغطى بدخان أسود ، لا أتذكر كيف علمتُ إنها تتحدث العربية . وبمجرد معرفتي بذلك ، أشتعل الفضول في داخلي . تجرأت بالقاء أسئلة تقليدية عابرة ، أجابت عنها جميعا ، ولم أجبها عن كل أسئلتها . بعد ساعتين ، شغر مقعدان ، هرعت كأي شاب في الخمسين من العمر لحجزهما . وبنظرة حانية دعوتها الى جانبي ، أبتسمت عن أسنان بيض كأنها اللؤلؤ وجلست بجانبي ولصقت فخذها بفخذي . في عمري صار من النادر أن تصعد الهسهسه اللعينة . أذكر من بين الاسئلة التي وجهتها ، هل أنت متزوجة ؟ فأجابت بعد صمت : المسألة معقدة . فرحتُ ، لأن الجواب فيه ما فيه من التأويل . بقي علي أن أبادر لكي أشبع تلك الهسهسة اللعينة .. الغريب في الأمر أن سؤالي عن زواجها جاء في آخر الاسئلة . لدي شوكولاته قدمتها لها ، بدأت تمضغها مع أبتسامة ساحرة . قلت في نفسي ، الان سأبدأ في الحفريات الهسهوسية حول مسألة زواجها المعقد . ولكن قبل أن أبدأ ، وجدتها تومئ لشاب أسمر فاحم مثل لونها . نهض الشاب ، جاء إلينا ، ليس على وجهه أبتسامة ، لم يعرني إي أهتمام ، تحدثت معه باللغة الصومالية ، ثم أتجه الى مكانه . قالت لي هذا زوجي ، غدا يطير الى كندا ، ثم توقفت . أطلقت حسرة دامية ، بعدها قالت ، سأبقى هنا في تركيا . عقدت المفاجأة لساني ، لا أتذكر ماذا قلت لها والركاب نيام.. عند وصولنا الى أنقرة في الصباح ، وأثناء نزولنا من القطار ، همست بإذني ، كلكم غادرون لاترحمون .. وزوجي مثالكم . ثم أختفت في الزحام .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى