ألف ليلة و ليلة عبد الفتاح قلعه جي - مدينة النحاس

مازالت ألف ليلة وليلة معجزة المخيلة والإبداع الشرقي، ليس لدى العرب فحسب وإنما في العالم، ولقد فتن الغرب بأجواء الشرق من خلال هذا الكتاب الخالد، يقول الشاعر العظيم فولتير إنه قد قرأها اثنتي عشرة مرة، ويعترف ماريو فارغاس يوسا أن شهرزاد «ألف ليلة وليلة» علّمته تقنية الحكي المتوالد الذي يشبه الدميّة الروسية والقدرة على الذهاب في التخييل إلى حدود لا متناهية..." وألف ليلة وليلة تعرف لدى الغرب بالإنجليزية: Arabian Nights) أي الليالي العربية وهي مجموعة متنوعة من القصص الشعبية عددها حوالي مائتي قصة يتخللها شعر في نحو 1420 مقطوعة، ويرجع تاريخها الحديث عندما ترجمها إلى الفرنسية بتصرف المستشرق الفرنسي انطوان جالان عام 1704م، وقد ترجمت ألف ليلة وليلة إلى أغلب لغات العالم، وأُلّفت على مراحل وأضيفت إليها على مر الزمن مجموعات من القصص بعضها له أصول هندية قديمة معروفة، وبعضها مأخوذ من أخبار العرب وقصصهم الحديثة نسبياً. أما موطن هذه القصص، فقد ثبت أنها تمثل بيئات شتى خيالية وواقعية, وأكثر البيئات بروزا هي في مصر والعراق وسورية ، و يغلب الظن أن الصيغة النهائية من هذا الكتاب وضعت بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر؛ إلا أنه معروف من قديم، وعلى وجه الدقة من عهد المؤرخ العربي الشهير: علي بن الحسين المسعودي .

من حكايات ألف ليلة المشحونة بالمعاني والعبر والمواعظ حكاية مدينة النحاس والتي تبدأ من أحداث الليلة 86 وحتى الليلة 73 وخلاصتها أن الموت هو الحقيقة الكبرى في الوجود، إنه هادم اللذات ومفرق الجماعات، وتاريخ المقابر حافل بمن ملكوا واغتنوا وتجبّروا أو من عشقوا وفرحوا وحزنوا، والأمر الثاني هو ماذا ينفع الذهب والفضة والجواهر إذا أجدبت الأرض ولم يجد الإنسان ما يأكله، فالمال هو وسيلة للحياة وليس هو الحياة.‏

تبدأ الحكاية في أن الأمير موسى وصحبه ساروا في الطريق الموصلة إلى مدينة النحاس وإذا بينهم وبينها خمسة وعشرون باباً لا يظهر منها باب واحد ولا يعرف له أثر، وسورها كأنه قطعة من جبل أو حديد صب في قالب،ولما طلعوا الجبل رأوا مدينة لم تر العيون أعظم منها، قصورها عالية وقبابها زاهية ودورها عامرات وأنهارها جاريات وأشجارها مثمرات وأنهارها يانعات وهي مدينة بأبواب منيعة خالية لا حس فيها، ولا أنس , يصفر البوم في جهاتها ويحوم الطير في عرصاتها وينمق الغراب في نواحيها وشوارعها ويبكي على من كان فيها. ثم التفت فوجد سبعة ألواح من الرخام مكتوبة بالخط اليوناني ، وكل لوح فيه حكمة، تعظ من اغتر بالدنيا وتملَّك وتجبّر، ومن ذلك ما كتب على أحد الألواح: يا ابن آدم أنت بحب الدنيا لاه وعن أمر ربك ساه، كل يوم من عمرك ماض وأنت قانع وراض، فقدم الزاد ليوم الميعاد واستعد لرد الجواب بين يدي رب العباد.‏

أين أهل الحصون من سكنوها = كلهم عن تلك الصياصي تولّى‏
أصبحوا في القبور رهناً لـيوم = فيه حقاً كل السرائر تبـلـى‏
ليس يبقى سوى الإله تعالـى = وهو مازال للكـرامة أهـلا‏

وطلب الأمير أن يصعد بعضهم إلى أعلى السور بحثاً عن مدخل للمدينة فكان إذا صعد أحدهم وصار في أعلاه ثم قام على قدميه ونظر إلى المدينة صفق بكفيه وصاح بأعلى صوته وقال أنت مليح، ورمى بنفسه داخل المدينة فانهرس لحمه على عظمه. إلى أن صعد دليله الشيخ عبد الصمد فثبت ولم يرم نفسه بفضل تقواه وعقله وتحصنه بآيات من القرآن، وفتح لهم باب المدينة، ولما سأله الأمير عن الذين رموا أنفسه من فوق السور وماتوا، فقال: لقد تراءى لي عشر فتيات حسان ينادينني أن تعال إلينا، ومن تحتي رأيت بحراً من الماء، فعلمت أن هذا من باب خداع البصر فسلِمت. وهذه الحادثة تشبه ما جرى في ملحمة الأوديسة حين وصل أوديسيوس إلى جزيرة عرائس البحر وكن يجتذبن البحارة بغنائهن حتى تتحطم سفنهم على الصخور ، فوضع رفاقه الشمع في آذانهم لئلا يسمعوا الغناء. وربطوا أوديسيوس بصاري السفينة ورحن يغنين له أمجاده، حتى عبرت السفينة ففكوا وثاقه.‏

وفي المدينة وجد الأمير موسى وصحبه أهلها جميعاً ميتين وكأنهم أحياء، وأكداس الذهب والفضة والأحجار الكريمة والخز والديباج والقصور على حالها، ثم انتهوا إلى قصر عظيم فوجدوا الملكة على عرشها فسلموا عليها متوهمين أنها حية فلم ترد السلام لكونها ميتة منذ قرون، وبين يديها لوح من الذهب كتب عليه حكاية مدينة النحاس وفيه: أنا ترمزين بنت عمالقة الملوك ملكت ما لم يملكه أحد من الملوك، عشت زمناً طويلاً في سرور وعيش رغيد وأعتقت الجواري والعبيد حتى نزل بي طارق وحلت بين يدي الرزايا وذلك أنه قد تواترت علينا سبع سنين عجاف لم ينزل علينا ماء من السماء ولا نبت لنا عشب على وجه الأرض فأكلنا ما كان عندنا من القوت فأرسلت العساكر والعبيد بالذهب إلى الأقاليم التي حولنا ليشتروا لنا الطعام فلم يجدوه، وعادوا علينا بالمال بعد طول الغيبة فحينئذ أظهرنا أموالنا وذخائرنا وأغلقنا أبواب الحصون التي بمدينتنا وسلمنا الحكم لربنا وفوضنا أمرنا لمالكنا فمتنا جميعاً كما ترانا وتركنا ما عمَّرنا وما ادَّخرنا، فهذا هو الخبر وما بعد العين إلا الأثر.‏


عبد الفتاح قلعه جي



تعليقات

الكل يتذكر قصة (مدينة النحاس) التي جاء ذكرها في كراريس المطالعة الابتدائية، والتي كل بشرها ودورها من نحاس، وتتحول الاشياء فيها أيضا الى نحاس بجرد لمسها ، ولم نعرف ان لها لغزا وحادثة تاريخية فصل فيها المؤرخون بكثير من التهويل والكذب
 
أعلى