عبدالمنعم عجب الفيا - حكاية البنت التي طارت عصافيرها لبشرى الفاضل.. معادلة متوازنة بين الإمتاع والإفادة

بين الشعر والقصة :
يقول بشرى ، في احد الحوارات الصحفية ، انه حتى تخرجه في الجامعة لم يكن يكتب غير الشعر ، كان يظن نفسه شاعرا وليس قاصاً، وحينما تحول إلى كتابة القصة احتفظ اسلوبه بكثافة اللغة الشعرية .لكن الشاعر في بشرى لم يفصح عن نفسه ، بل أفصح عنها في قصة «حكاية البنت التي طارت عصافيرها» .
وهذه القصة هي التي لفتت إليه الأنظار كقاص جديد ومتفرد ، وهي ثاني قصة تنشر له منذ أن بدأ كتابة القصة في نهاية السبعينات ، ولعل النجاح الذي حظيت به هذه القصة وسط جمهور القراء يعود إلى الطاقة التعبيرية الضخمة وللغزارة الشعرية التي تنضح بها لغة القصة .
والراوي أو الأنا السارد في قصة «حكاية البنت التي طارت عصافيرها» شاب متسكع متشرد ، يشكو الفاقة والتبطل ويعاني من إنعدام التوازن العاطفي . فهو مع أنه شاعر وعلى مستوى جيد من الثقافة إلا أنه فاشل في حياته العاطفية ، وربما يرجع سبب ذلك إلى أنه يتخذ من التثاقف جسرا للتواصل العاطفي بديلا للتعبير الماشر عن عواطفه ، شأنه شأن سائر الشباب المثقف ، فبالرغم من علاقة الحب التي تربطه بتلك الفتاة المثقفة إلا أنه يبدو أن هذه العلاقة تفتقر إلى الحرارة والعمق العاطفي . فيلتقي مصادفة في وسائل المواصلات فتاة صاعقة الحسن والجمال فيلاحقها ويجري وراءها حتى يتمكن أخيرا من استمالتها وإقامة علاقة صداقة معها .
« وهكذا أصبحنا صديقين لشهر كامل استمرت مقابلتي لها في الشارع العـام ، نركض ، نضحك ، نتحاور فلم أصل غورها وخفت أن تكون لامست غوري « .
إلا أن سعادة «الأنا» السارد بهذا الحلم الذي تحقق بهذه العلاقة لم يدم طويلا ، إذ تلقى الفتاة التي طارت عصافيرها ، مصرعها في حادث قتل غامض على الشاطئ . لكنا لا نعلم شيئا عن تفاصيل الحادث وأسبابه ولا شيئا عن القاتل وكيفية القتل . ولعل الكاتب أراد أن يستخدم هذا الغموض الذي يكتنف حادث القتل كرمز للتعبير عن خيبات الأمل المتلاحقة التي ظلت تلازم الأنا السارد على كل الأصعدة . فكأنما كتب عليه أن يبقى شقيا مظلوما محروما طول عمره .
ولعل من أروع المشاهد التي تبرز الكثافة الشعرية والطاقة التعبيرية لهذه القصة ، وصف القاص للفتاة التي طارت عصافيرها ووصفه لحظة لقائه بها :
« كان النهار أخضر لا كعادة الصيف ، وكنت ملتويا بالبهجة كعمامة أعرابي يزور المدينة للمرة الثانية « .
« كنت لا أنوي التجول ، فتجولت . الناس مكدسة ، بطيخ بشرى كل يوم ينتظر وسيلة مواصلات ، دنوت من أحد الأكوام وأخرجت أدوات انتظاري .. أخرجت أولا كوعي ثم راحة يدي فعاونا رجلي في حمل الجسد المستهلك يوميا والمتعب على مدار العام ، ومن بعد أخرجت عيني ثم طفقت أنظر ، أنظر وأختزن .
« رأيت امرأة بدينة لدرجة أنها حين تنادي وليدها «يا هشام» نحس بحرف الهاء يطن في أذنيك مليئا بالشحم . «
« وفجأة رأيتها . قفز الدرويش ، مكان قلبي . فارعة الطول من غير أن تتأرجح ، قمحية لا كالقمح الذي نعرفه ولكن كالقمح حين يكون قمحيا مثلها ، أخذت من الضابط أحسن ما فيهم ، مشيتهم ، ومن الناس أخذت ألبابهم .
« كان أنفها كالخضر .. الطازج ، ولها عنق فرعوني ذو وترين مشدودين أنيقين لا يبدوان إلا إذا التفتت .. وإذا التفتت هربت البائعات بفولهن المدمس ، وتساليهم المملوح ، وهربت الشوارع من حفرها والروائح النتنة من أماكن بيع اللحوم وهربت ذاكرتي إلى مستقبل أتمناه « .
ويقول في مشهد آخر : « أجيئها غاضبا وأخرج من عندها هاشا باشا كأن لديها مصنعا للفرح خرجت في ذات يوم من لدنها مليئا بها حتى غازلني الناس في الشوارع « .



حكايةالبنت.jpg
أعلى