خليل حمد - فالج لا تعالج: في انتظار الموت..

لم يعد هناك مجال لفعل شيء، نعم ...علينا انتظار الموت والذي نأمل ان لا يأتي قريبا، لكنه سيأتي فكل المؤشرات تشيء بذلك وبقرب وصوله.
كيف لا ونحن نعيش في ظل جائحة معلنة من قبل منظمة الصحة العالمية منذ عام تقريبا، وقد قتلت هذه الجائحة حتى الان مئات الالاف في مختلف دول العالم التي اظهرت عجزا تاما عن وقف هذا الهجوم الفيروسي، وهو مستمر في الفتك بالمئات بل الالاف يوميا، حتى في الدول الأكثر تقدما، والتي تمتلك من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على رد هجوم فضائي كاسح مثل تلك الهجمات التي كنا نشاهدها في أفلام حرب النجوم، لكن هذه الدول وقفت عاجزة امام هجوم، لفيروس حقير ولعين لا يرى بالعين المجردة.
وهذا الفيروس اللعين - كوفيد – 19 - ليس كائن حي أصلا، ولا يمتلك جسدا ولا روحا ولا عقلا ولا سلاحا، لكنه تمكن من استخدام أجسادنا نحن البشر كحاضنات ليتكاثر في جوفها وينتشر على حساب أجساد وارواح البشر فيعش هو وأبناء جلدته ويموت الناس.
والعجيب ان العلماء والاطباء عرفوا الكثير من اسراره منذ بدء انتشاره، وعرفوا صفاته وسماته، وطرق انتشاره، وكان بإمكانهم عمل الكثير لوقفه او ابطاء انتشاره، على الأقل الى الحد الأدنى، وبحيث يتم حرمانه من الحاضنات البشرية (حلوقهم وانوفهم) التي يحتلها ليتكاثر، لكن الناس بجهلهم وغبائهم وقلة وعيهم تركوا الفايروس يرتع في أجسادهم، وصار يسرح ويمرح معلنا انتصاره، وهم مشغلون في مسالة وجوده، وما زالوا يبحثون ويناقشون ويجادلون ويتفلسفون حول قضية ان كان موجود فعلا ام هو كذبة كبيرة؟ وهل هو حقيقة ام خيال؟ وهل هو عدوى ام مؤامرة ماسونية؟ وهل هو ابتلاء إلهي ام عدوى مرضية؟ وهل هو مخلوق ام مصنوع في المختبر؟ وهل هو صيني ام امريكي ام من صناعة المافيا الصقلية؟
لقد توصل العلماء في مرحلة مبكرة من انتشار العدوى الكورونية الى توصيات محددة لرد الهجوم الفيروسي، لو اتبعها البشر بصرامة والتزام منذ بدء الهجوم لتمت حتما محاصرة الفايروس وانحساره، وربما التخلص منه تماما، وانكساره.
كان المطلوب عبارة عن أربع خطوات بسيطة، تتمثل في التباعد الاجتماعي، والتعقيم واتخاذ إجراءات وقائية مثل لبس الكمامة وعدم التسليم والتقبيل وغسل الايدي، لكن بعض الناس اعتبروا هذه الإجراءات اعتداء صارخا على حريتهم الشخصية وابدو استعداد للموت دفعا عن حق الفايروس في العيش في حلوقهم ليتوسع في انتشاره، ورفضوا الالتزام بها. واخرون استهجنوا هذه الطلبات واستخفوا بها وغرهم طول الامل، وفضلوا الاستمرار في أعمالهم خوفا على ارزاقهم ولقمة العيش، وقدموا الاقتصاد على الصحة ونسوا قول الشاعر الحكيم:
يا مَن بِدُنياهُ اِشتَغَل... وَغَرَّهُ طولُ الأَمَل
المَوتُ يَأتي بَغتَةً... والقبرُ صندوقُ العَمَل
كما ان البعض لم يصدق أصلا ان الفايروس موجود فكيف يلتزم بتلك الإجراءات، والبعض قصر واستهتر فاستثمر الفايروس خلافات الناس وجهلهم وقلة وعيهم وقلة التزامهم وتوانيهم عن حربه بان وسع من انتشاره حتى فقدت البشرية السيطرة عليه، وأصبح الموت يأتي بغته، وأصبح هو سيد الموقف بلا منازع يصيب هذا ويفتك بهذا والجميع تحت رحمته وسطوة سيفه.
هذا هو الحال وهذا هو الموقف الكارثي البائس الحزين على المستوى الدولي، رغم ما اعلن من توصل الى لقاح قد يغير قواعد اللعبة لكن حتى هذا الفتح العظيم هو موضوع خلاف وصراع وخوف ويبدو انه سيلقى مقاومة اقوى من مقاومة الفايروس نفسه.
والموقف للأسف اسوأ من ذلك بكثير على المستوى الوطني والمحلي. الوضع كارثي. الأرقام لا تكذب والشواهد كثيرة وجلية.
كنا قبل فترة نستكثر ان يصل عدد الإصابات الى 500 إصابة يوميا، اليوم تضاعف الرقم ثلاثة او أربعة مرات. وارتفع عدد الأموات وصرنا نسجل كل يوم ارقام قياسية جديدة. صار النظام الصحي قاب قوسين او أدني من الانهيار، ونحن مشغولون في كمامة الوزير، وقضايا ثانوية، لا تسمن ولا تغني من جوع.
كان الرهان على وعي الشعب بالالتزام بالإجراءات التي توقف زحف الفايروس وتغير اتجاه المنحنى وتكسر حدة الانتشار، لكن المنحى ظل صاعدا، والذي انكسر هو إرادة الناس في مقاومة الفايروس، وتساقط الأطباء جنود الجبهة الامامية، وافراد الطاقم الطبي، واحدا تلو الاخر واصابهم الإرهاق والتعب.
واتسع الانتشار وامتلت المستشفيات ولم يعد لديها اسرة وأجهزة لعلاج أي مريض جديد ممن تتطلب حالته العناية المكثفة، وهذا يعني دخولنا على السيناريو الإيطالي أي المفاضلة بين من يعيش ومن يموت، لكن ذلك لا يبدو ان له أي أثر في الجمهور، فردة الفعل هزيلة والجمهور مكانك سر.
نعم...وصلت الأمور الى نقطة حرجة معلنة، وصرنا قاب قوسين او ادني من السقوط الكارثي. فارتأت الحكومة في قرار جاء متأخرا ومترددا، انه لا بد من فرض إجراءات التباعد الاجتماعي قصرا وجبرا، وفرض الاغلاق الذي يحد من انتشار الفايروس ولو لمدة أسبوع او خمسة ايام، فاتخذت قرارا مبتورا مثل نصف حل لأنه اقتصر على اغلاق أجزاء من الوطن الجريح وترك أجزاء مفتوحة للريح.
لكن حتى هذا القرار المبتور قوبل بعاصفة رافضة، تحت شعار "لن يمر ولو على دمنا". ثارت الحمية والعصبية القبلية، واختار الناس الاقتصاد على الصحة، وحدث ما يشبه التمرد هنا وهناك، وأجهض القرار وولد الاجراء ميتا.
واليوم صرنا نعيش في ظل فوضى عارمة ومرعبة وفقدان للأمل والسيطرة، وتأصلت حارة غوار الطوشة كل من ايدو اليه.
وبينما نبدوا نحن عاجزين تماما يستمر الفايروس في هجومه الكاسح الحارق الخارق المتفجر، يفتك بالكبار والصغار، وما عاد الانسان يشعر بالأمان لا في الدار ولا في الجوار.
وتبدو أي محاولة لتغير اتجاه المنحى محاولة عبثية لا طائل منها ما دام الجمهور يرفض الالتزام بالحد الأدنى من الإجراءات، والحكومة عاجزة عن فرض ارادتها على الشارع، رغم انها تظهر وكأنها تقوم بالكثير.
لكن الكثير هذا لا جدوى منه والدليل على ذلك استمرار ارتقاع الأرقام. وهي كما هي معلنة مخيفة، لكن المرعب مخفي وهو أعظم. فلا أحد يعرف حقيقة مدى انتشار الفايروس الصحيح. وهناك فوضى في إجراءات الفحص. واغلب المصابون ممن لا تظهر عليهم اعراض يرفضون الالتزام بإجراءات الحجر، ويستمرون في ممارسة عملهم ونشر الفايروس.
صرنا نعيش في ظل خوف دائم، خاصة نحن فئة كبار السن والمرضى المعرضين لخطر الانقراض على شاكلة الديناصورات.
وانتصر الفايروس انتصارا مدويا سافرا كاسحا.
لكل ذلك وغيره الكثير ، لم يعد امامنا سوى انتظار الموت القادم لا محالة من لمسه او بوسة او سعلة او عطسه من قريب او غريب عدو او حبيب مقيم او عابر سبيل.
فلا مجال لفعل شيء لوقف الموت الزاحف على ظهر فايروس حقير لا يرى بالعين المجردة ، يسترشي ويعلن الانتصار، وما علينا نحن الا الترقب والانتظار.



****

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى