إدوارد عطية - تلميذي معاوية محمد نور ترجمة وتقديم : محمد وقيع الله

* جزئية منقولة بمناسبة مرور مئة عام على مولد فقيد الأدب السوداني و رمز من رموزه ونجم ساطع في سماء بلادي معاوية نور

وأما أبرز طلابي على الإطلاق فقد كان الشبل الواعد معاوية محمد نور ، و هو الفتى الذى جاء أداؤه الفكري اللاحق بمستوى متفوق وغير معهود على الإطلاق ، وانتهى نهاية مذهلة كذلك في مواجعها وإخفاقاتها . كان فتىً ناحلاً ، حسن المنظر ، له من العمر ثمانية عشر عاماً حينما التقيته أول مرة وهو طالب في السنة النهائية بالكلية ، ولقد جذب انتباهي منذ اليوم الأول حينما رأيته يستشهد بمقتطفات من كتابات برنارد شو وأناتول فرانس . ولقد حسبته بادي الرأي أحد أولئك الذين يستعرضون بضاعة مزجاة من المعارف السطحية ، ولكن لدهشتي العظيمة فإني لما عجمت عوده ألفيت أن معرفته بآراء ذينك الكاتبين عميقة حقاً وتستند إلى قدرة عقلية ونقدية كبيرة .
انحدر معاوية من أسرة قديمة مرموقة تنتسب إلى أصول عربية ، وقد اعتلى جده مكاناً علياً في حكم المهدي ، وعمل أحد أعمامه قاضياً في العهد الإنجليزي . وبسبب من تبريزه الكبير في طليعة جيله فقد تم اختياره معاوية بواسطة سلطات الكلية للعمل في المجال الطبي ، ومنح قبولاً مجانياً بمدرسة كتشنر الطبية التي كانت قد أنشئت قبل فترة قصيرة ، وخص بالقبول بها أذكى وأبرع طلاب كلية غوردون .
ولكن ميول معاوية لم تكن لتنسجم مع ذلك الخيار الأكاديمي و المهني في شئ ، إذ لم يكن يعدل بميوله الأدبية الأصيلة أي لون آخر من ألوان الدراسة ، حتى ولو كان ذلك هو درس الطب الذي بإمكانه أن يلبي له ولأي طالب سوداني آخر أقصى ما يتمنى من الأماني ، وهو الحصول على وظيفة دائمة كطبيب في خدمة الحكومة .
وربما كان معاوية هو الوحيد في جيله الذي لم يعد التعليم بالنسبة إليه مجرد باب يقود إلى الوظيفة الحكومية . كان معاوية يتطلع إلى التعليم من أجل نيل المعرفة وحسب ، و بقي مع هواه القديم في دراسة الأدب الإنجليزي ، ولكن لم تكن بالسودان جامعة تقدم مقررات منتظمة في ذلك المساق ، وهكذا كانت دراسته لذلك الأدب الذي يشتهيه ستنقطع بعد إنهائه لتعليمه بكلية غوردون .
وعند مغادرته كلية غوردون انحصر خياريه في أن يصبح موظفاً حكومياً صغيراً في السلك الكتابي ، أو أن ينخرط في دراسة الطب بمدرسة كتشنر الطبية ، و ذلك بعد أن انهار خيار ثالث بقرار سلطات كلية غوردون أن خريجها المرموق معاوية لا يصلح أن يصير ناظر مدرسة في مقبل أيامه . وإزاء إصرار معاوية على عدم قبول المنحة المجانية لدراسة الطب ظن به الناس الجنون ، إذ كيف يضيع على نفسه تلك الفرصة النادرة التي ترفرف بأحلام أترابه في أن يصبحوا أطباء يشار إليهم بالبنان . كان معاوية في هذا الموقف المتأبي العجيب ظاهرة لم يشهدها السودان من قبل . كان موقفه المركب البالغ التعقيد شيئاً ناجماً عن أعماق خصائصه الوراثية ، ثم انبعث إلى بيئة ثقافية وحضارية غير مواتية . ومهما يكن فقد وافق معاوية أخيراً ، على مضض ، على أن يجرب حظه في دراسة الطب .
ولكن قبل ذلك بكثير كان قلب معاوية قد توجه تلقاء ناحية قصية ، إذ استولت على لبه دراسة الأدب الإنجليزي ، وهفا قلبه نحو الغرب , إن معاوية هو بلا أدنى ريب أول سوداني يحقق اتصالاً عقلياً وثيقاً بروح الغرب على هذا النحو . هذا الفتى العربي الإفريقي اليافع الذي لم يكن حينها قد عبر حدود السودان قط ، والذي قضى سالف عمره يعيش في باحة بيت عتيقة ، ما تمكنت نساؤه من نيل تعليم من أي نوع أو مستوى ، ولا من مجرد إجادة القراءة ، ولو في اللغة العربية ، وجد له بيتاً روحياً في قلاع الأدب الإنجليزي الشامخة !
و حالة معاناته تلك كانت شبيهة يتجربتي الخاصة في هذا المضمار ، ولكن حالته مع ذلك كانت أشد إغراباً من ناحية ، وأكثر إمعاناً في التطرف من ناحية أخرى . إن الفوارق بين ملجئه الروحي والتربة التي درج عليها ، أو بين وطنه وأسرته والتقاليد التي انتمى إليها ، وبين العالم النائي غير المرئي الذي ظل يتصل به بقوة عن طريق نشاطه الذهني الماضي وعاطفته الروحية الفياضة ، كانت فوارق حادة بكل معنى ، وأشد حدة من تلك التي عبرتها أنا بكثير .
تجسمت تلك الفوارق في أن معاوية مسلم الديانة ، وأسود البشرة ، و لم يكن عربياً فقط ، وإنما عربياً داكن اللون ، وأما بلاده فلم تتمتع بثقافة حقيقية أصيلة ، وإنما بنماذج ضيقة اشتقت التقاليد الإسلامية في أوان انحطاط الحضارة الإسلامية . ولتقريب صورة تلك الوضعية التي عاش معاوية في ظلها ، و لكي نتصور حجم الخليج الهائل الذي كان يحاول أن يعبره ، تصور وجوده في صميم منزل أسرته بأم درمان ، محاطاً بأمه وعماته وخالاته وأخواته وبنات عماته وخالاته ، اللائي حيل بينهن وبين مجتمع الرجال ، ولم ينظرن قط إلى رجل غريب ، ولبثن طوال أعمارهن يرزحن في قيود الجهل والأمية ، ولم تتسع أذهانهن ولا تجاربهن لشيئى وراء حقائق ومتطلبات الحياة " البيولوجية " الصرفة كالإنجاب والختان والزواج والحمل والطلاق والموت والنياحة ، والطبخ والزينة . تصور شُخُوصه مادياً في وسط كذلك ، وهو منصرف عنه ذهنياً بالكلية ، و هو يقرأ بينهم بنهم الفصول الشائقة من أدب جين أوستن ، وألدوس هكسلي ، ويتنفس الهواء الفكري الطلق ، هواء للقرن العشرين !
لقد شعرت بتعاطف عميق معه أحس به ، وبادله بأن منحني ثقة وإعجاباً متوهجين من قلب شاب صغير شديد الحماسة ، يطلب الهداية ، ويعترف بالجميل لمن يبذلها له . لقد التقينا معاً في هذا العالم العظيم : عالم الأدب الإنجليزي ، الذي أتيناه من عوالم منفصلة ، و سبل متخالفة . لقد وصلت إلى هناك قبله ببعض الوقت ، وكان هو قد وصل إليه لتوه . جاء معاوية إلى هنا من مناخ مختلف بالكلية عن مناخ الأدب الإنجليزي ، وصعبت عليه من ثم المواءمة بينهما ، هذا بينما تمكنت أنا من المواءمة بدون أن يشق على الأمر كما شق عليه .
إنني أستطيع أن أعيش هنا في السودان إلى أمد غير محدود في كثير من اليسر و الرغد والهناء ، وأستطيع - إن تحتم علي – أن أرجع إلى وطني في لبنان وأعيش هنالك ، ولو على مستوى أدنى من الحيوية والنشاط الذهني . ولكن هذا الغريب غربة كاملة والذي أخذ يستنشق بعاطفته الحادة هواء الأدب الإنجليزي ، هل تراه يستطيع الصمود بلا تراخٍ ، والمضي قدماً بلا تراجعٍ نحو ما نصبه لنفسه من هدف قصي لا يزداد عنه مع مرور الوقت إلا نأياً ؟ !
و بعد شهور قلائل من التحاقه بمدرسة كتشنر الطبية جاء معاوية يزورني ويتحدث إلي ، وأثناء حديثه ألقى عدة أسئلة عن الجامعات الخارجية وشرائط الالتحاق بها ، و المصاريف الدراسية ونحو ذلك من الأسئلة . وبعد أسبوع واحد من ذلك اللقاء تنامى إلي علمي بأنه قد هجر دراسته الطبية بمدرسة غوردون ، وانسرب خفية إلى مصر . وقد شقّ الأمر على أسرته وهالتها محاذيره الخطيرة ، لأن الانتماء إلى مصر أو الانعطاف إليها ، كانت بمثابة معرّة كبرى في نظر الإدارة البريطانية للسودان .
و تزايدت خشية أسرته من أن يعتبر معاوية الفار من أجل مواصلة تعليمه العالي بمصر ، في عداد الناشطين السياسيين الخونة بنظر المسؤولين الإنجليز ، وقد كان الاحتمال كبيراً أن يظنه الإنجليز متمرداً سياسياً ، لا طالباً متشوقاً لإكمال دراسته في الأدب الإنجليزي . و مما زاد في مخاوف أسرته أن معاوية بفراره عن السودان قد فقد أي فرصة في المستقبل للالتحاق بالوظائف الحكومية . ولذلك ذهب خاله لمقابلة مدير المعاررف بحكومة السودان ، معلناً عن شجبه القوي لمسلك ابن أخته وجحوده ، ومتعهداً بأن يذهب بنفسه إلى مصر على التو ليحضر هذا الشاب الغبي بالقوة إذا لزم الأمر !
استجاب مدير المعارف لرجاء حار من خال معاوية والتزم بأن يحفظ للفتى الشارد مكانه بمدرسة الطب ريثما يعود ، وهكذا حزم الخال أمره مسافراً إلى مصر للإتيان بابن أخته ، وهنالك طلب مساعدة وزارة الداخلية قائلاً إنه يريد القبض على ابن أخته القاصر ليعيده إلى السودان ، ولم تبخل وزارة الداخلية المصرية بإسداء العون ، فأصدرت أوامرها باعتقال معاوية ليلاً ،وإيداعه قسم الشرطة حتى يأتي خاله فيستلمه في صبيحة الغد ، ومن هناك دفع به إلى قطار الصعيد فإلى الخرطوم .
ولكن معاوية كان قد صمم على هجر دراسة الطب نهائياً ، وعلى رفض قبول أي وظيفة في السلك الكتابي الحكومي ، عاقداً العزم على الالتحاق بأي جامعة تقدم دراسات متخصصة في الأدب الإنجليزي . و لما كان خال معاوية صديقاً لي ، وكان يدري أن لي تقديراً جيداً لابن أخته ، وأن لي بعض النفوذ الأدبي على شخصيته ، فقد اتجه إلي لأكون محكّماً في المستقبل الدراسي لابن أخته . و أتيا معاً إلى مكتبي حيث عقد اجتماع مهيب ناقشنا فيه ملياً مصير الفتى معاوية الذي عبر عن رغبته الحارة في الالتحاق بالجامعة الأمريكية في بيروت ، قائلاً بأن أسرته مقتدرة مالياً على أن تبعث به إلى هناك . واعترف العم بقدرات الأسرة المالية ، إلا أنه اعترض على الأمر في جملته قائلاً بأن ذهاب معاوية إلى بيروت سيفقده مهنته المرتجاة ، كما سيفقده أي تعهدات حكومية بإعطائه وظيفة أخرى . وأجاب معاوية بأنه لا يريد أي ضمانات حكومية بالتوظيف في أي مجال ، وأنه قادر على أن يكسب عيشه بوسيلة أو بأخرى عندما يتمكن من نيل درجته الجامعية في الأدب الإنجليزى .
وهنا أشار الخال إلي لكي أصدر حكمي في النزاع المحتدم . عندها خامرنى إحساس عارم بأني أستعيد تجربتي القديمة الخاصة التي دامت لأربع سنوات قبل أن يخوض معاوية التجربة نفسها ، لقد أدركت ما يدور بدواخل معاوية لأنني خبرت ذلك الشوق الشائق والتوق المحرق من قبل . كنت ألمح مخايل أحلامه الوردية المتألقة في عينيه ، وفي نظراته التي ترنو إلى أفق قصي .
أما الخال ، فقد كان صديقاً رصيناً ، لم يكن قاسِ القلب ولا ضيق العطن ، كان عقلانياً واقعياً ، يفكر في إطار القيم النسبية ، ويوازن بين الإيجابيات والسلبيات ، ويتدبر العواقب ، ومستقبل الوظائف والمهن وقضايا المعيشة .
أما معاوية الذي كان مشحوناً بالعواطف فإنه لم يعر أياً من تلك الاعتبارات العملية اهتماماً يذكر . لم تشغل اهتمامه إلا قيمة واحدة مطلقة ، وغاية مفردة ظل يسعى لتحقيقها بغض النظر عن أي عواقب يمكن أن تعترض طريقه أو تكبل خطوه . تلك هي غاية تثقيف العقل وتطوير الذات حسب المسالك و الوسائل التي اختارها هو ولا يخترها له أحد من الناس . لقد أراد معاوية أن يحقق ذاته قبل أن يحقق أي غاية أخرى من غايات الحياة التي تشغل الناس وتقتصر مساعيهم عليها ، مثل غايات تأمين المطعم ، والملبس ، والمسكن . وتقديراً لتلك العزيمة القوية الماضية ، فقد أعطيت حكمي أخيراً لصالحه ، وقبل أهله بحكمي و ارتضوه ، و هكذا كان معاوية بعد أسابيع قلائل يشق طريقه متوجهاً إلى بيروت .
نصر و هزيمة :
بالرغم من أن لنا الآن أصدقاء إنجليز عديدين أمسيت أحس وأنا بينهم وكأني في ديار أهلي ، إلا أنني لم أنضم إلى دائرة المجتمع الإنجليزي ، وبالتأكيد فإني لم أشأ أن أنضم إلى تلك الدائرة قط . ولم نشأ – أنا وزوجتي جين – أن ننضم إلى أي دائرة اجتماعية محددة ، أو أن نغلق أنفسنا في إسار حلقة قومية ضيقة رتيبة .
كنا نهوي صنع الأصدقاء من كل صوب وحدب حتى نعيش في مجتمع كوني متسع الأبعاد ، وقد أفلحنا في ذلك المسعى كثيراً ، حيث أنشأنا علاقات صداقة واسعة مع بعض مواطنينا اللبنانيين ، وذلك من غير أن نلزم أنفسنا بالانضمام إلى مجتمعهم اللبناني ، وأنشأنا علاقات صداقة وطيدة مع مواطنين مصريين ، وإغريق ، وأرمن . وأهم من ذلك كله تلك الحلقة الواسعة التي كوناها من الأصدقاء السودانيين .
بعض أولئك السودانيين الذين صادقناهم كانوا أصدقاء لأبي من قبل ، ولكن كثرتهم الكاثرة كانت من ضمن تلاميذي الذين توليت تعليمهم بكلية غوردون التذكارية ، أو الذين تعرفت عليهم من خلال عملي هناك , كانوا جميعاً لطيفين أنيسين ، شديدي الود والترحاب ،سجيتهم مبادلة الصدق بالصدق بقلوبهم الدافئة التي لا تعرف التحفظ أو التحرج أو الانغلاق .
ولم يعد صعباً على زوجتي " جين " وعليّ أن نتعامل مع ذلك العدد الجم الغفير من الأصدقاء ، فقد أجادت اللغة العامية السودانية ، وبرعت في التعامل مع السودانين حسب تقاليدهم المحلية ، وطورت ذوقاً لاستطعام و استطابة الطبق الشعبي السائد الذي يدعى : “Kisra and Mulah” وأصبحت بذلك ذات شعبية ضاربة وسط أولئك الأقوام .
وما كانت من عادة نساء السودان أن يختلطن بالرجال عندما نذهب لزيارتهم في دورهم . ولكن " جين " كانت تتخذ طريقها إلى جناح الحريم فور انقضاء مأدبة الغداء ،وتقضي وقتاً طيباً في الحديث إليهن بعامية سودانية طليقة يتطرق فيها الحديث إلى المعهود من مسائل الأطفال ، والقضايا البيتية ، و شؤون التفصيل والخياطة و أمور النساء من هذا القبيل .
هكذا عشنا بالسودان حياة غنية بتنوعاتها وربما بما اكتنفها من متناقضات حادة ، ولكننا مع ذلك استمتعنا بها متعة لا حد لها . كانت حياة من صنعنا نحن ، أجدنا صناعتها لأنفسنا بمواصفاتنا الخاصة ، ولم نجدها مهيأة لنا أصلاً بهذا التكوين هناك . وبانغماسنا في ذلك النمط الحياتي الفريد ، هدأ التوتر ، بل ذاب و غاب عن حياتنا في الخرطوم ، ذلك التوتر الذي كان مبعثه صراع الأصول والأعراق والقوميات .
ومن بين السودانيين جميعاً كان أعظم أصدقائي وما يزال هو تلميذي القديم معاوية محمد نور . لقد حافظت على اتصالي به خلال السنوات الثلاث التي قضاها بالجامعة الأمريكية ببيروت يعمل لنيل درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي ، وكنا نلتقي كل صيف إما في لبنان أو في رحاب السودان . وقد تابعت بسعادة غامرة تحقيقه لحلمه الدراسي وتنامي قوته الفكرية من عام لآخر . ولدى تخرجه من الجامعة الأمريكية توجه معاوية تواً إلى مصر آملاً أن يتمكن من كسب عيشه من خلال عمله ككاتب يزود الصحف والمجلات المزدهرة هناك بالمقالات الأدبية من دون أن يكون محرراً رسميا ًفيها .
هكذا انتهى مدفوعاً بحماسته العقلية إلى عالم الحياة الأدبية في تلك المدينة العظيمة التي ظل يتشوف و يحلم بالوصول إليها وهو بعد في منزله بأم درمان ، وهو بعد يعانى من دراسة الطب على غير إرادته ولا هواه في الخرطوم . لقد تمكن معاوية أخيراً من تحطيم كل الأصفاد التي كانت تثقل خطاه : معارضة أسرته لرغباته الدراسية ، و تعسف السلطات الإدارية ، وإغراء مناصب الخدمة الحكومية !
هاهو معاوية وهو في الحادية والعشرين من عمره ، شاب صغير من قلب أم درمان ، يحمل إجازة البكالوريوس في الآداب من جامعة بيروت الأمريكية ، و يعيش حراً في مدينة القاهرة العظيمة ، التي تنتظره بما كان يرنو إليه بخياله من حياة الفكر و الأدب والفن ، بعليّاتها ، ومقاهيها ، وأحيائها التي تشبه الحي اللاتيني الباريسي مقطونة بأمثال "إميل زولا " و " صمويل جونسون " و " دوستويافسكي " ، وبما كانت تزخر به من أمجاد العقل ، وبؤس الواقع المادي المعاش .
هنالك بدا الشاب السوداني الصغير الناحل الداكن البشرة ، بطموحاته المتأججة في عينيه الوهاجتين ، والطرب البادي في ثناياه شديدة الابتراق ، ومثاليته العنيفة ، وعاطفته المحترقة من أجل العمل الأدبي ، وحجم قراءاته الضخم المذهل ، وذهنه النشط الفياض ، بدا بذلك جديداً كل الجدة على الأوساط الأدبية المصرية ، واجتذب لتوه انتباه الكاتب المصري عباس محمود العقاد ، الذي رحب به في حلقته الأدبية ، و من ثم وطبقت شهرة معاوية الآفاق .
لقد أكسبته مقالاته الأدبية التي دأب فيها على تطبيق موازين النقد الأوربي على الأدب العربي نفوذاً طاغياً على الأوساط الأدبية المصرية ، واعترف كبار الكتاب بالقيمة العالية للآراء التي بثها في مقالاته الدسمة . وقد سعد معاوية بذلك الإطراء لبعض الوقت . سعد بانتصاره الروحي كما سعد بحياة التقشف المادي التي كان يحياها هناك ، حيث كان يقيم في غرفة صغيرة على سطح بناية بمدينة الشمس " مصر الجديدة الحالية " وسط أوعية و متاع قليل ، وأكداس كثيرة من الكتب والأوراق المتناثرة على مزاج خليق بأن يتحلى به فنان أصيل كمعاوية محمد نور !
واكتفى بتناول وجبات قليلة هزيلة حيث ظل يقتات بالخبز والجبن في معظم أيامه ، وأحياناً كان يبيت على الطوى ، حيث لا يجد حتى الخبز و الجبن ! ولكنه ظل فخوراً بكل ذلك إلى حد الانتشاء ، ألم يحس إميل زولا بلذع المسغبة من قبل ؟ ! إن تلك هي التقاليد الإنسانية الأصيلة الفاضلة في نظر معاوية : أن يحس الإنسان بانتصار عقله و تساميه بينما يتهاوى جسمه من أثر المسغبة و اللُّغُوب !
ولكن ما أسرع ما أخذ الجسد المهان ينتقم من صاحبه شر انتقام ، فقد طغى الهزال و سادت آثار سوء التغذية عليه . لم يعد مردود معاوية المادي من نشر مقالاته المعجبة كافياً للصرف على غذائه ولو كان من الخبز و الجبن ، ولم يبق ثمة رجاء أو أمل في تحسن الحال ، فقد بات من المحال أن يكسب المرء رزقه في مصر من مجرد الكتابة للصحف والمجلات . و هكذا تتأخر العلة كثيراً إذ هبطت على معاوية وهو مقيم في حجرته العلوية ، ولم يجد ما يكافحها به من غذاء أو دواء أو رعاية من أحد ، ما عتّم الاكتئاب أن هاجمه ، وتبدد في خاطره تباعاً كل ما كان يراوده من أمجاد الأدب والفن .
ولبضعة أشهر واصل معاوية صموده وهو على تلك الحال ، واستدان بعض المال من أصدقائه ثم اجتلب عوناً آخر من أسرته بأم درمان ، ولكنه في النهاية خضع لظروف و شروط الخطب الداهم ، واستجاب لحضّ عمه له بالرجوع إلى السودان ، والبحث عن وظيفة مناسبة من الوظائف الحكومية ، لا سيما وأنه قد حقق طموحه بإكمال تعليمه الجامعي ، وبالتالي فقد فقدت حجته القديمة في رفض الوظائف الحكومية بعض وجاهتها القديمة .
إنه وقد أصبح جامعياً الآن يمكنه أن يحصل على مقعد تعليمي ، أو منصب إداري مريح ، يتيح له مواصلة عمله الأدبي إن لم يكن بصورة خالصة ، فعلى الأفضل بصورة عمل ثقافي وإنساني عام . إن أمن الوظيفة ورفاهيتها يمكن أن يمنحه وقتاً كافياً يكرسه للكتابة ، و تتحقق كل آماله على نحو مريح بالسودان .
وانسياقاً مع تلك الآمال الخلّب انقلب معاوية إلى السودان ، ولبث لعدة شهور يبحث عن وظيفة حكومية محترمة . وفي تلك الفترة تَاحَ لي أن التقيه مراراً ،حيث أُخذت كثيراً بنضجه العقلي واستقامة آرائه . لقد كان معاوية قومي التفكير ، بيد أن قوميته كانت من نوع جديد على الأوساط السودانية . كان معاوية قومياً عقلانياً بناءً ناقداً لا يتردد في التبرؤ من الإثارة العاطفية العمياء المعادية للغرب ، و من تلك الرغبة التجريدية الفارغة والملحة في طلب الاستقلال القومي وكأنه غاية في حد ذاتها ما وراءها من غاية أخرى أبر و أهم !
ومدفوعاً بطبيعته الجدية أدرك معاوية أن الراية القومية مجرد شعار لا يعطيه معنى وتبريراً إلا إذا أدى إلى تمليك الناس قوة حقيقية ، وبوأهم مكاناً مرموقاً في سجل الإسهام الحضاري العالمي ، وبهذا المقتضى يكون الاستقلال وسيلة لتلك الغاية ، وما لم تظهر غاية كبرى يحققها الاستقلال القومي ، فإن الشعب لا يستحق أن ينال استقلاله ، وإنه أن تأتي له أن ينال الاستقلال ، فإن ذلك الاستقلال سيكون بلا معنى بالتأكيد !
أراد معاوية للدعوة القومية أن تبدأ بإبداع وإنجاز خطط جيدة للتنمية الاقتصادية ،والتقدم الثقافي ، والإصلاح الاجتماعي ، قبل أن تنفجر في شكل تمرد ضد السيطرة الخارجية .و لم يستبطن معاوية مشاعر كرهه للإنجليز ، بل كان معجباً بهم إعجاباً عظيماً لقاء ما كان يراه بعينيه الصافيتين ، اللتان لم يحل ضباب العاطفة دون نفاذهما لرؤية صفات الإنجليز ، ومؤهلاتهم ، وأدائهم العملي في تعمير السودان .
ذلك الإعجاب هو الآخر لم يكن إعجاباً أعمى ولم يحل بين صاحبه وبين نقد أخطاء الإنجليز نقداً إيجابياً متسامحاً . وعلى العموم فقد كان معاوية مقتنعاً بأن إنجلترا ملكت من الأفكار والثقافة والمؤسسات قدراً عظيماً قيماً يمكن أن تجلبه إلى الشرق ، وكان متلهفاً إلى أن يحظى السودان بقسط وافر مما حظي به الإنجليز .
هذا طرف من القضايا التي دأب معاوية على أن يثيرها في نقاشه معي عندما كان يزورني بانتظام في غدواته إلى مكتبي , و كان يكرر الطرق على تلك القضايا بأقدار متطاولة تدعو إلى السأم في بعض الأحيان ، و يسهب في تحليل الحركة الإمبريالية و مختلف الدعاوى القومية ، ويستشهد بمقتطفات من أقوال لوجارد Lugard ، وجوليان هكسلي Julian Huxley ، و يضحك كثيراً عندما يستغرقه تعقب أصول تلك القضايا ،وتبرق ثناياه العذاب . وذلك ملمح آخر من ملامح شخصيته حيث كان يوازن حماسة طبعه وجديته المفرطة بحسٍ فكاهي عظيم . لقد تمتع معاوية حقاً بقدر وافر من الذكاء ، حتى من خويصة نفسه . فكثيراً ما كان ينفجر ضاحكاً بصورة فجائية في غمار حديث حماسي له في شأن من الشؤون العويصة المحتدمة .
ثم جاء حدث غير متوقع حيث فشل معاوية في الحصول على الوظيفة التي كان يبتغيها عند عودته إلى السودان ، إذ رأت فيه الحكومة شخصاً مزعجاً ، ورفضت إدارة المعارف طلبه ، إذ قدرت عدم ملاءمته لوظيفة التدريس !
وكانت المقابلة التي انعقدت له مع الموظف الكبير الذي تولى تقويمه نحسة الحظ من كل النواحي . ذهب معاوية إلى مقابلة ذلك المسؤول الكبير بإدارة التعليم وهو يرتدي ربطة عنق عالية صفراء اللون ، جلبت تأثيراً مدمراً على نفسية ذلك البيروقراطي العتيق . وتحدثنا معاً عن بعض قضايا الأدب الإنجليزي ، و تشعب الحديث فعرجنا على أدب صمويل جونسون الذي كان معاوية يعرفه معرفة عظيمة ، بينما كانت معرفة الموظف البيروقراطى الضخم عنه ضئيلة وعرضية .
وإزاء إحساس الموظف الكبير بالعجز الفكرى و الأدبى ، وحرج الموقف تجاه الفتى الذي يختبره نحا منحىً التفافياً ، وتعمد الإفضاء بقول فضفاض يداري به جهله المزري فقال : إن جونسون ولد قبل أوانه ! وكان ذلك القول كافياً لكي يكتشف معاوية جهل الموظف و غلظة ادعائه في آن ، وصُدم معاوية لذلك القول ، بقدر ما صُدم مظهره بربطة عنقه الصفراء العالية ذوق ذلك الموظف البيروقراطي الذي يتعبد للتقاليد المكتبية ، وانتهت المقابلة نهاية سلبية ، وأخفق معاوية في نيل ما كان يطمح إليه من توظيف كريم .
ولاحقاً عرضت على معاوية وظيفة صغيرة في إدارة المالية ، لم تكن لتلائم ميوله الفكرية والأدبية ، ولا تضع في الحسبان قيمة للدرجة الجامعية التي نالها من خارج البلاد ، فرفض معاوية تلك الوظيفة بإصرار وقرر السفر إلى مصر ، ليجرب حظه فيها مرة أخرى .
انقلب معاوية إلى مصر يجلله شعور عميق بالإحباط والأسى والحنق على الحكومة الإنجليزية في السودان ، لحرمانها إياه من فرصة أن يحيا في وطنه ،ويخدمه في منصب وظيفي يناسب نزعاته الفكرية وتحصيله الأكاديمي . وبأثر من ذلك الكبرياء الجريح - لا بأثر قناعة صحيحة ، أو رغبة في غاية أدبية - ومن أجل أن يكسب بعض المال الذي أضحى في أمس الحاجة إليه ، والذي كانت بعض صحف القاهرة على استعداد لتقديمه له ، خدمة لدعاياتها السياسية ضد البريطانيين ، كتب معاوية مجموعة مقالات في هجاء و ذم الرجل الأبيض الذي يعتصر إمكانات السودان ويتنعم بخيرات الخرطوم .
لم يرجع معاوية إلى مصر لمجرد أنه فشل في الحصول على وظيفة مناسبة في الخرطوم ، إنما كان السبب الأعمق إحساسه أنه سيصبح غريباً في وطنه ، وروحاً متوحدة بين أهله وشعبه . وإذا لم يكن الأديب البريطاني صمويل جونسون قد ولد قبل زمانه ، فقد كان الأديب السوداني معاوية محمد نور هو الذي ولد قبل زمانه بالتأكيد . لقد أدى بنضج معاوية الثقافي إلى أن يتسع الفارق بشكل مهول ما بينه وبين البيئة الاجتماعية والثقافية السودانية التي كان يحيا بها ، ولم يعد يجد له مرسىً أو مرفأ صالحاً هناك ، وتفاقمت مأساته إلى حد بليغ عندما لم يجد مرسىً و لا مرفأّ في أي مكان آخر !
فحياة الفكر والأدب القاهرية التي كان يحلم بها تكشفت له عن زيف كبير . لقد منحته إثارة ومتعة روحية وعقلية كبيرة ، ولكن تلك الحياة لم تكن قائمة على تربة أصيلة سمحة ،تسمح لمعاوية بأن يضرب بجذوره في أعماقها . ففي الجوانب الإنسانية " الجُوَّانيَّة " من الحياة كان معاوية يعيش غربة ووحشة شديدة في القاهرة ، ولبث هناك بروح طائفة لا تجد لها ملاذاً إلا في العالم الخيالي للأدب الغربي , وما وجد نفسه متآلفاً إلا مع أبطال روايات وأشعار دوستويافسكي ، وتوماس هاردي ، و د. هـ . لورانس ، وألدوس هكسلي !
و ظلت مسببات كثيرة أخرى لا تحصى تعمل خفية في تدمير معاوية محمد نور لا سيما على الصعيد النفسي ، و كان تشرده الروحي ولا شك من أقوى العوامل التي أنضجت مأساته الأخيرة . وبعد أشهر قلائل من عودته إلى مصر سمعت بأنه قد أُصيب بانهيار عصبي ، وأنه أُخذ على إثره إلى مستشفى الأمراض العصبية بالقاهرة ، وبعد أسابيع قلائل بدأ يبلَّ من مرضه ، ثم عاد إلى السودان للمرة الأخيرة ، حيث لم يعد للقاهرة بعد ذلك . لقد انضم لأسرته بأم درمان وقد قام أفراد أسرته على رغم الفوارق العقلية والثقافية الكبيرة بينه وبينهم برعايته على أتم وجه . لقد كانت رجعة حزينة باعثة على الشجى لتلك الروح المخاطرة التي كانت تجوب الآفاق ، رجعة مجللة بالفشل والعطب والرعب من مهمة استكشاف عقلي بالغ الاجتراء .
ولبعض الوقت ظل معاوية يطوف ويجول بالمدينة ويبدو مظهره السطحي طبيعياً للعيان . وأتى ذات مرة يزورني بمكتبي كما كانت عادته في سالف الأيام . ولم أر في سلوكه بادي الرأي أي اختلاف عما كنت أعهده فيه من قبل إصابته بذلك الداء العضال، ثم لاحظت أنه يحمل كتاباً كبير الحجم في جيب سترته ، وما لبثت أن سألته عنه ، فأجاب بأنه القرآن الكريم ، ثم أبان لي عن أنه غدا يستمد منه كثيراً من الراحة النفسية ، وأنه أخذ يستكشف فيه معاني لم يسبر غورها من قبل . وتحدث يومها إلي بلغة من الإلماح الصوفي وكأنه واحد من زمرة الملهمين !
وجاء وقع حديثه ذاك إليَّ عصيباً بل أصابني بصدمة شديدة ، لأنني كنت قد مررت بمثل ذلك الطور من الانهيار العصبي المصحوب بتجليات دينية في فترة سابقة من عمري . وقد ساعدتني تلك التجربة في النفاذ إلى الأبعاد الخطيرة لحالة معاوية . ثم أصابني حديثه بصدمة أعظم بعد ما تمادى لعدة دقائق فيه . كان معاوية يحدثني في عام 1935 وجيوش موسوليني تمزق جسد الإمبراطورية البريطانية . وبنظرة لها معناها الخفي سألني معاوية إن كان الإنجليز المقيمين في السودان قد أصابهم الرعب بعد !
ولدهشتي البالغة فإنه لم ينتظر إجابتي بل اندفع في حديثه بلغة الشطح الإلهامي العرفانى قائلاً إن هناك رباطاً سرياً يجمع بينه وبين موسوليني والقرآن الكريم والنهاية القدرية الوشيكة للإمبراطورية البريطانية !
وأفاض في الإلماح إلى القوى القدرية الخفية ، محاولاً أن يلقي في روعي أن في صيرورة الكوارث العالمية الناشبة يومها ما لا تدركه الأبصار ، أو بصري أنا على الأقل ، وأن موسوليني هو أداة تنفيذ لإرادة علوية لها تعاطف مع آمال ورغبات معاويةمحمد نور شخصياً ، لقد نظرت إليه وهو يفوه بتلك الكلمات ، وقد خرس لساني عن النطق ، وطفقت أرى في كيانه الجسدي المحطم وحديثه الملتوى ، بعض أعاجيب الدهاء التي يمارسها العقل البشري عندما يحطمه الواقع . فما كان ذلك الوهم الكبير الذي استولى على عقل معاوية سوى استجابته للتحدي الموجه إليه من قبل القوة العظمى للإمبراطورية البريطانية ، وانتقامه من التسلط الإنجليزي على السودان ، وثأره من الإدارة التي حرمته من نيل وظيفة يخدم بها بلاده .
ولم أر معاوية لفترة بعد ذلك اللقاء ، إذ لم يحضر لزيارتي ، كما سمعت بأنه كل يقضي كل وقته ببيته ، ولا يحب أن يرى أحداً على الإطلاق . ثم بلغتني رسالة منه يدعوني بها لزيارته ، فذهبت تواً إلى لقياه ، وصعقت بالتغير الهائل الذي عراه . عندما التقيته كان صافي التفكير على نحو ما ، وذلك ما زاد من لذع ما رأيت على شعوري . وفهمت خلال حديثي معه أنه بدأ يدرك أن عقله قد أُصيب بعطب ما ، وأنه أخذ يبحث عن علاج ناجع يسترجع به عافية عقله . وقد وجد ذلك العلاج أخبراً على يد " فكي " جاهل ، مشعوذ ، يتشبث ببعض دعاوى دينية ، و يستخدم السحر وبعض العلاجات البدائية .
ولقد عاد معاوية أخيراً إلى ارتداء الملابس السودانية الشعبية . ومثل هذا التحول ما كان له في الأحوال العادية أن يثير انتباهي ، ولكنه بدا لي الآن رمزاً لانقلاب كامل في عقل معاوية وتجربته المعرفية ، فوراء تلك الملابس الشعبية بدت لي مخايل ثقافته الكونية الكلية وهي تتفكك وتتآكل . وتماماً على خطى الإمبراطور " جونتر " وهو في هلعه المتصل بليلته الطويلة تلك التي قضاها في شعاب الغاب ، جاء معاوية مضطرباً متعثراً مبعثر العقل ، وأخذ يطوح بكل ما علق بواعيته من أكسية الفكر الغربي ، مفضلاً حالة العرى البدائي المرتجف . ولم يتمكن " الفكي " من علاجه ، بل تفاقم أمره إلى حالة جنون مطبق ، ثم ما لبث أن مات .
  • Like
التفاعلات: تسنيم طه
أعلى