علجية عيش - التخصص وفوضى التسيير

corruption_16.jpg

الفساد ظاهرة تنعكس على المجتمع بشكل سلبي

يتجدد الحديث و النقاش في مسألة "التخصّص" في مجالات التسيير خاصة على مستوى المؤسسات الإقتصادية و إدارة المشاريع و الإستثمارات و من ثمّ القضاء على كل الفوضى، إن النخبة المثقفة اساءت لنفسها عندما تختار عن طواعية تسيير قطاع ما لا تفقه فيه شيئا، فمن غير المنطقي أن توكل إلى طبيب منتخب في مجلس من المجالس المحلية مهمة تسيير ملف النفايات المنزلية و رفع القمامة ، لأن مكانه في قطاع الصحة أو على الأقل في لجنة الصحة، إن إشكالية التخصص تطرح كثير من المشكلات في الجزائر، ليس في المجال الإقتصادي فحسب و إنما في المجالات الأخرى كالإعلام، كنتُ أستمع إلى كلامهم و هم يناقشون فكرة التسيير كواحدة من المسائل العالقة و تلقى اختلافا في الرؤى و التصور، لأجد نفسي أندمج معهم لأطرح فكرة "التخصص" في مجال من المجالات، ليس سهلا طبعا ان يدير الإنسان مؤسسة أو مشروعا بمفرده، حتى لو كان من حاملي الشهادات، أو حتى لو كانت له ثقافة في مجال تقنيات التسيير، لكنه غالبا ما نجده يفتقر لكثير من الأبجديات، كالتخطيط مثلا، و وضع الإستراتيجيات، أو أن تكون له رؤية مستقبلية لتطور القطاع و ترقيته .​
و لذا يعتمد الخبراء على عامل "التخصص" في المجال، فالتنمية تفشل عندما توكل المهام لغير المختصين ، فعلى سبيل المثال لا يعقل أن يدير طبيب قطاعا خارج قطاعه المختص فيه مثلما يحدث عندما و هو منح حقيبة وزارية لطبيب ( ليس بيطري) لإدارة قطاع الفلاحة ، حتى لو كان يحمل درجة عليا ( بروفيسور)، أو أن تمنح المسؤولية لرجل لا يفقه في شؤون المالية و توزيع الميزانية، فما نشهده في الواقع ( الميدان) لا يخرج عن حدود التسيير العشوائي للمشاريع و المؤسسات، لأن المسؤولية أوكلت لغير أهلها، فهل يمكن أن نضع مثلا رجل في منصب قاضٍ و هو لم يدرس القانون؟ هل يمكن أن نمنح مشروعا سكنيا لغير مختص في الهندسة المعمارية مثلا؟ هل يمكن أن نطلب من أديب أن يزرع حبوبا في الأرض أي أن يقوم مقام الفلاح أو المهندس الزراعي و هو لا يعرف مكوّنات التربة، و مراحل تطور النبتة (من الإنتاش إلى أن تصبح نبتة كاملة)؟ لا يختلف إثنان أن كلٌّ و المجال الذي يختص فيه، و يعمل فيه، و لذا نجد معظم القطاعات تغرق في فخ الفوضى و ما تلبث أن تعلن إفلاسها، و كثيرة هي المؤسسات و الشركات التي أغلقت لهذه الأسباب، لا نتكلم هنا عن الذين يستغلون منصبهم لنهب المال العام و بطريقة مقننة، لأنهم محترفون في السرقة و التزوير و نهب المال العام، و بالتالي هم لا يؤمنون بعامل التخصص.​
الحديث هنا عن مسؤولين تورطوا و بجرة قلم بالتوقيع مثلا على صفقات عمومية مشبوهة، أو منح صفقة لأشخاص غير مؤهلين، انتهى بهم الأمر إلى المحاكمات القضائية بسبب خطأ ارتكبوه في أمور لا يفقهون فيها شيئا، مثلما نراه اليوم في المجالس المحلية المنتخبة، أو حتى على مستوى أفقي، و كعيّنة تخبرنا الأرقام التي تم الكشف عنها أن مدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري في تظاهرتها كعاصمة للثقافة العربية لسنة 2015 استنزفت من الخزينة العمومية ما لا يقل عن 7000 مليار سنتيم في تهيئة المدينة من إعادة الإعتبار للبنايات القديمة ، تهيئة الطرقات و ما إلى ذلك دون حساب ميزانية النشاطات الثقافية و الميزانية المخصصة لإستقبال الوفود العربية و الأجنبية المُشَارِكَة من حيث إيوائهم و إطعامهم، ثم المبلغ الذي كشفه مؤخرا وزير السكن و العمران و المدينة و هو 7000 ملاير سنتيم في تهيئة الوحدات الجوارية للمقاطعة الإدارية بالمدينة الجديدة علي منجلي، دون إتمام الأشغال و بنوعية جيدة و تسليمها في آجالها المحددة ،هي مبالغ ضخمة لا يستهان بها، قد ينجز بها مشاريع لتشغيل الشباب و فتح لهم مصانع، كذلك ما يتعلق بالعمليات المغلقة على مستوى المجالس المحلية المنتخبة،و طريقة صرف ميزانية الولاية و البلدية .​
ففوضى التسيير و عدم القدرة دفعت الحكومة إلى الإعتماد على التجارب الأجنبية في إدارة المشاريع و تسييرها ، لغياب المختصين و اليد العاملة المؤهلة، مما أدى إلى الإنهيار و الإنحراف، و نتج عن هذا الأخير تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة و المحاباة و المحسوبية في التوظيف، و هو ما يسمى بـ: "الفساد"، الذي عشّش داخل المؤسسات ، و لو أنه ظاهرة عالمية تنعكس على المجتمع بشكل سلبي، إلا أنه السبب الرئيسي في تراجع الأداء الاقتصادي وزيادة مستوى البطالة ومعدل الفقر، خاصة بالنسبة للرشوة التي تعد من ابرز مظاهر الفساد المالي، دون الحديث عن الفساد السياسي ، من خلال هيمنة سلطة ما على السلطات الأخرى مما يسمح لها بان تقوم بأعمالها دون أي رقابة من السلطة التشريعية، السؤال الذي ينبغي ان يطرح هنا هو : لماذا تطرح الجامعات على الطلبة اختيار تخصص معيّن، ضف إلى ذلك أنها ترسلهم و على عاتقها في بعثات علمية للتزود أكثر من الخبرات العلمية الأجنبية، و بناء قدرات الطلبة في مجال التسيير و الإدارة و اكتساب المعارف والمھارات اللازمة للمعالجة المیدانیة، بالإضافة إلى تلبية حاجات القطاع الاقتصادي من الكفاءات البشرية المؤهلة علميا في مختلف المجالات، لأن الأمور تتعلق بمشاريع دولة و بأموال تصرفها الدولة من خزينتها العمومية، و لا تتعلق المسألة بالثقافة العامة، كما يحاول البعض ترويجه، و هم بالتالي إمّا أنهم ضيقو الفكر و التوجّه، أم أن لهم غاية في نفس يعقوب ( و الفاهم يفهم).​

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى