إيناس سيد جعيتم - قبرٌ من زجاج

حول المقامِ أحومُ تحملني أدخنةُ المباخر، أترنح مثقلًا بأناتٍ ونحيبٍ يزيدون عجزي، يتجمعون حولي مستنجدين متباكين متوددين، كفوا كفوفَكم عن سياجي الذهبي، عيونُكم المتضرعةُ توخزُ خضارَ مخملي فأغمضوها، صوتُ المؤذنِ يريحني من همهماتِكم والشمسُ الغائبةُ تقربُ مبتغاي.
يا الله..كم أتوقُ إليها!..
عيناها الحزينتان تزينانِ أسوارَ سجني الأبدي، أهيمُ بين الوجوهِ باحثًا عنها، أتتني منذ زمنٍ لا أستطيعُ تمييزَه من مرقدي، تلتجئ للمقامةِ بين الأضواءِ الخضراءِ باكية، تناجيني.... أطالعُها ولا أستطيعُ مسها وكأنني أراها من داخلِ كرةٍ زجاجية، تأتيني ساعيةً... آه لو تدري بأنني لو أستطيعُ السعي ما فارقتُ خطواتَها، تلتمسُ الراحةَ بكنفي وألتمسُ الحياةَ بهمسِها، هيا اخرجوا وافسحوا لها ركنَها المفضل، لا تثقلوني بشكواكم... مالكم عندي غير أذنٍ تصغي...
دَخَلت على استحياءٍ لحِمى المقامةِ تجرجرُ ساقيها نحو الضريح:
يالله...المقامُ الليلةُ مزدحم، كيف لي أن أنفردَ وحدي بمناجاتِه...أحمدُك ربي ها هى فرجةٌ ضيقةٌ لكنها تكفيني.
سيدي يا صاحبَ المقامِ العالي..... أكل الوجعُ قلبي، توقي له يفوقُ احتمالي، هو يا سيدي حيٌ أعرفُ ذلكَ جيدًا، لم يُذهبُ الحزنُ عقلي بعد إنما هو قلبي المقترنُ نبضَه بنبضِ من سُلبَ من حضني، أرجعه لي سيدي... اسال اللهَ أن يقربَ بيننا، ما عدتُ أشكو وجيعتي لغيرك، حتى أباه وصمني بالجنون، ما عاد يريحنُي إلا أن أفضي إليك...
أسندت رأسَها المثقلَ للمقامةِ وأغمضت عينيها، مد يديَه يريدُ احتضانها فما استطاعت أن تمسَها، أسند ظهرَه وطأطأ رأسَه أغمض عينيه عاجزًا عن مساعدتِها، يعرفُ مكانَ فقيدها، يراه، يهمس لها، يصرخ فيها، لكن صوته لا يصل إليها.

ايناس سيد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى