عبد السلام الزغيبي - الكرسي.. والخازوق

الكرسي معناه السلطة.. والمنصب والمال، والسلطة تبدا من الجلوس على الكرسي، تبدأ من فراش المدرسة لتصل الى كرسي الرئاسة، وميزات الرئاسة تبدأ من هناك، فهذا الجالس هو رئيس يأمر وينهي ويعطي الاوامر فيطاع..

وسلطة الكرسي معناها انتفاخ الاوداج والكروش وملء الخزائن وجمع المال وما يتبع ذلك من الجاه والسلطان، وتمتد الى تعيين الاقارب وحجز الوظائف لهم ولاولادهم ولاحفادهم من بعدهم.
وصاحب الكرسي – السلطة تراه قبل استلام المنصب يتحدث عن العدل والمساواة ثم بعد ذلك تراه يتنكر لكل هذا ويتشبث بالكرسي تشبث الغريق بحبل النجاة.
ولكن بمجرد جلوس احدهم على كرسى السلطة.. يبدأ فى التحور والتحول الى سلطة من خلال الكرسى، فاستخدام السلطة المُفرط بدون قيود يحول الكرسي الى رمز وكيان اسطوري
حتى ان الامر غدى مُزحة ثقيلة لا تخلو من الطرافه حتى انه قيل ان الحاكم لا يترك الكرسي لدرجة انه ينام وهو جالس فوقه خوفاً من ان يأتي غيره ويسرقه ليجلس مكانه. بل ان من يتقلد فيهِ الكرسى يصبح الكرسى وأمن الكرسي هو شغلة الشاغل وتتحول مؤسسات البلد الى وكالات خاصة لحماية ورعاية الكرسي وينفق فى سبيل ذلك كل رخيص وغالي.. ويتحول الشعب الى عدو للكرسي يجب ان يتم القضاء عليه.
اما من يترك الكرسي فانه يصاب بعقدة كبيرة لانه يدرك ان القوة التى منحت له بحكم الكرسى والسلطة ستضيع الى الابد في حال فقدانه المنصب، ولذة الكرسي التي لا تقاوم!
ولهذا السبب يتحول الشخص الى شخصية متنمرة بعد اعتلائه الكرسى، تمارس الديكتاتورية بصورة غريزية غير واعية.
كرسي الحكم كما يرد في الأخبار والمقالات والأفكار تعبير مجازي للإشارة الى مركز القرار ورأس السلطة، فهو أيضا كيان مادي ماثل للعيان له أربعة أرجل ويدان ومسند، ومهما اختلفت إشكاله وتنوعت الوانه وتعددت مواد صناعته لكنه يبقى المكان الأرفع والبقعة الأسمى، والكيان الأقوى في العالم، وهو الأكثر سرية وآمنا من أي مكان آخر، تحرسه الدبابات والطائرات وخطوط حماية سرية وعلنية. وهو المقعد الوحيد في العالم الذي لا يجلس عليه غير صاحبه طالما ظل على قيد الحياة.
وللملوك والزعماء كراس أعلى شانا من كراسي العامة، من ناحية التصميم والجودة، وذا كان الانسان العادي يستطيع العيش بلا كرسي فان الزعماء لا يمكنهم ذلك، ولحظة فقد الكرسي بالنسبة لكثيرين منهم هي نهاية الحياة او نهاية زمن العزة.
وفي العالم الثالث فان الكرسي يدل على صاحبه وهو لصيقه الى لحظة الموت، وربما يخلفه ابنه في الجلوس عليه.
ومهما سعينا الى فلسفة الامر فهو واضح لا يحتمل التأويل، فكرسي الحكم له سحر و بريق.. من يجلس عليه مرة.. لا يتركه إلا مضطراً وحوله دارت دسائس ونشبت معارك.. وفي ذات الوقت.. اتخذت منه قرارات حرب ومعاهدات سلام، وفيه دائما القول الفصل.
وقد كتب عن الكراسي أعمال أدبية مثل رواية) الكراسي) للروائي الجزائري الحاج بونيف..
وهي رواية تقع في مائتين وأربع صفحات من الحجم المتوسط..
ومن العنوان يتضح الصراع القائم حول السلطة، ومن يعتلي الكرسي من الأبناء..
والبطل الرئيس.. هو الأم، والأبناء الأكبر، الأصغر.. الأوسط .. الأول الثاني، الثالث، الرابع..
وترتيبهم حسب أهميتهم، وخدمتهم للأم.. التي هي رمز للوطن.. تتمتع بالحكمة، والرزانة.. وحب الجميع.. والحفاظ على اللحمة.. والدعوة المستمرة إلى الخدمة والتعاون.. والاهتمام بخدمة الأرض.. وعدم الاهتمام بالكرسي..
وأن المستقبل الحقيقي في خدمة الأرض.. وليس الاعتماد على إيرادات البترول..الذي يرمز له بالجب..
وأن السياسة الداخلية تصنع داخل البيت، وليس من وراء البحيرة..(البحر الأبيض المتوسط..
ويربط الكاتب الأمريكي وليم ستادين في كتابه (فاروق ملك مصر.. حياة لاهية وموت مأساوي) بين الكرسي والحالة النفسية التي كان يعاني منها الملك فاروق، فكتب يقول : ان إحساس الملك باهتزاز كرسي العرش الذي يجلس عليه، هو الذي أدخل التشاؤم إلي نفسه وجعله غير متفائل بما سوف يأتي به الغد.
وفي الكراسي يقول الكاتب إدريس ولد القابلة في إحدى مقالاته بأن ("الكراسي" سبّبت لنا أكبر المشاكل، أكثر من السيف وأي سلاح آخر. وبسبب الرغبة في الاحتفاظ به وعليه ضاعت فرص التقدم ومسايرة ركب الأمم الراقية، وفرطنا في أكثر من موعد مع التاريخ، وتكرس الفساد واستشاط وانتشر الفقر وساد الإحباط).
وللكرسي في التراث العربي حكاية نرويها وهي قصة رمزية من مجموعة قصص " السندباد البحري"
عندما هبط السندباد في احدى رحلاته بجزيرة.. راى انها جزيرة تتمتع بالخيرات والخصب والفيء الوفير، لكنه لا حظ انها خاليه من البشر و السكان عدى بعض الهياكل العظميه لبشر نافقون هنا وهناك. الا انه وجد شيخ عجوز مُقعد انهكه المرض والشيخوخة طلب منه الشيخ متذللاً وبعجز وانكسار ان يحملة على كتفيه رأفة به وبشيخوختهُ لينقله الى مكان اخر، اشفق السندباد " المواطن " عليه وحمله على كتفيه لينقلة الى مقصده، الا ان الشيخ العجوز تمسك بمقعدهُ وركبوتهُ الجديدة وابىَ ان ينزل. بعد ان اطبق ساقيه حول خصره وتمسك برقبتهُ بقوة، وعرف السندباد ان حاله سيكون كحال ما شاهد من رفات عندما هبط الجزيرة، ومرت الايام وهو لا يستطيع منه فكاك ويتنقل به بين اشجار الفاكهه وخيرات البلد " الجزيرة"، الى ان اهتدى السندباد الى حيلة... فقد صنع لها من العنب خمراً وبعد ان َسكرَ القاه من على ظهره، وبهذه الحيلة استطاع ان ينجو منه ."
القصة تتكرر في كل وقت وهي حالة مستمرة لا نملك منها فرارا ولا طريقة للخلاص من كراسي الملكيات والجمهوريات التي تحكمنا حتى يخلصنا الله من هذا الوباء الفتاك والخازوق المسمى (فيروس أنفلونزا الكراسي) التي تهدد مصيرنا جميعا .

* عن الحوار المتمدن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى