علجية عيش - التطبيع هل هو طابو؟

شدّ انتباهي مقال نشر في موقع إعلامي جزائري يتحدث فيه صاحبه عن قرار سلطة الضبط السمعي البصري في الجزائر و تحذيرها كل من يعمد إلى تكسير "الطابوهات" ، و الخروج عن الخط الأحمر بذريعة عدم احترام القوانين، و هذا من باب التغاضي عن بعض القضايا و إبقائها في خانة المتستر عنها، حيث طالبت هذه السلطة كل مسؤول على قناة فضائية أن لا يقدّم أيّ نشاط أو يبثه إلا بترخيص من وزارة الإتصال، و هددت بمقاضات المؤسسة الإعلامية و جرّها أمام العدالة في حالة تقديم نشاطات تكسر الطابوهات و تزعزع الرأي العام ، أو لأنها تمس بالمصلحة و الأمن العموميين، و خرقها الشرط السالف الذكر، في ردها على ما بثته قناة "لينا" عندما ناقشت قضية التطبيع الرياضي مع الكيان الصهيوني، إلا انها لم تحدد نوع النشاط الذي يدخل في خانة "الطابوهات"، يحدث هذا طبعا في ظل الفوضى التي يغرق فيها قطاع السمعي البصري و ما يقدمه من برامج، لا ترقى أحيانا إلى الذوق العام، خاصة و جلّ القنوات الفضائية تسيَّرُ بقوانين أجنبية .

اعتادت السلطة في الجزائر أن تمارس ثقافة الترهيب و التخويف الإعلاميين و الصحفيين، فلو ناقشت قناة وطنية إشكالية "التطبيع" و كشفت أن فريق رياضي وطني شارك أو سيشارك في مقابلة مع فريق رياضي إسرائيلي، فهذا لا يعتبر خرقا للقوانين، لأن هذه المشاركة تدخل في إطار التطبيع مع إسرائيل ، و هذا التطبيع لا يختلف عن اشكال التطبيع الأخرى بذريعة التعاون الإقتصادي بين دولة عربية و إسرائيل، كما سارت في ذلك البحرين و الإمارات ، فلا يعقل طبعا أن يبرم فريق رياضي وطني مهما كانت شهرته اتفاقية مع إسرائيل لتنظيم مقابلات رياضية معها، حتى لو كان ذلك من باب التعايش مع الآخر، أو إحداث السلام، في ظل ما تشهده الساحة الفلسطينية من قمع و قهر على يد الكيان الصهيوني و تفقير الشعب الفلسطيني و تجويعه، خاصة و الجزائر منذ الرئيس هواري بومدين و هي رافعة شعار : "نحن مع فلسطين ظالمة أم مظلومية".

لست من متتبعي الرياضة لأن ما أهواه لا يعرض في بلادي (التزحلق على الجليد)، أو ما كان يُعْرَضُ أو يُقَدَّمُ توقف لأسباب مجهولة مثل التنس و الفروسية، و لا يهمنا هنا الدخول في التفاصيل لمعرفة سبب توقفها، لكن يدفعني الفضول إلى فتح قوسين (.....) للحديث مجددا عن ظاهرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، و إقامة معه علاقات ثنائية في مختلف المجالات، و القول أن إقامة شراكة رياضية بين دولة عربية و إسرائيل لا تخرج عن دائرة التطبيع، خاصة إذا كان هناك تنازلات لصالح الفريق الخصم، أو كما يسمونه بـ: " بيع الماتش" لخدمة أجندات أو تحقيق مصلحة ما، و كثير من اللاعبين الذين رفضوا مواجهة إسرائيليين في بطولات رسمية و ودية ، حتى لو كانت في إطار اتفاقيات "السلام" ، ثم أن التطبيع يظل تطبيعا أكان في المجال الإقتصادي أو الرياضي أو الثقافي، و محاصرة القنوات الفضائية في مناقشتها مثل هذه القضايا ، هو عبارة عن ممارسات قمعية ضد الصحافة المستقلة سواء كانت سمعية بصرية أو مكتوبة ، كما هو ضد حرية التعبير و الرأي، و ضد الإنفتاح الإعلامي الذي انتهجه الرئيس عبد المجيد تبون، عندما استلم مهامه كرئيس جمهورية يوم 19 ديسمبر 2019، و أكد أنه مع حرية الصحافة إلى أقصى حد ، إذا مارست نشاطها الإعلامي بعيدا عن كل أشكال التجريح و السب و الشتم و القذف في الآخر.

فالتطبيع خيانة عظمى و إسرائيل التي يقودها حكماء صهيون و الدول الحليفة لها و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في عملها المستمر بدعم عربي أيضا ( دون تعميم) تدرك بأنها على قاب قوسين أو أدنى من التحكم في مصير العالم، كما أنه لا أحد يجهل أن صراع إسرائيل الآن مع كل صحوة إسلامية أو وَعْيٍ عَرَبِيٍّ أو مدّ تحرّري، مثلما يحدث في فلسطين، و هو صراع حياة أو موت بالنسبة لها، كما هو صراع ربح أو خسارة ، و ذلك منذ صدور قانون اللاسامية ( 1918) الذي يعاقب بالإعدام كل متهم بعدائه لليهود و حتى بعد إلغائه، لا تزال إسرائيل ترى نفسها الأقوى و تماس تهديداتها ضد الشعوب، لذا ترى بعض الأنظمة أنه لا مانع من التطبيع مع إسرائيل إذا تعلق الأمر بالجانب الإقتصادي أو الرياضي، فهذه الأنظمة تخاف على أمنها القومي و تخشى من انهيار اقتصادها إذا ما رفضت السير في مخططات إسرائيل التي تتحكم في مقدرات الولايات المتحدة الأمريكية و حتى الإتحاد السوفياتي، بدليل أن كل الأنطمة العربية عاجزة عن مواجهة إسرائيل عسكريا لما تملكه هذه الأخيرة من ترسانة أسلحة نووية متطورة.

أمّا عن الجزائر فهي تدرك أيّما إدراك ما يواجهها من مخاطر و ما تدفعه من ثمن لرفضها التطبيع مع إسرائيل، و لكنها لا تبالي، و موقفها ثابت من القضية الفلسطينية ، و بالتالي فأي قناة فضائية وطنية سواء كانت معتمدة بقوانين جزائرية أو بقوانين أجنبية تتطرق إلى هكذا قضايا لا تعتبر خارقة للقانون، طالما هي تقدم خدمة عمومية لكل الجزائريين و تعمل على زرع الوعي في المواطن و تنويره، و ترقية روح المواطنة في إطار الديمقراطية التشاركية، وبالتالي فمناقشة قضايا التطبيع لا يعتبر من الطابوهات، و يمكن القول أنها محاولة لتدجين القطاع كما يقال، تجدر الإشارة أن أول قناة فضائية ظهرت في الساحة الإعلامية الجزائرية هي قناة النهار في الثلاثي الأول من سنة 2012 ، و القنوات الفضائية اليوم تشهد انتشارا في ظل الأحداث التي تعيشها الساحة العربية و الظواهر البارزة التي تطبع سلوك الفرد و تتحكم في اتجاه الرأي العام، وهذا ما نتج عنه قصور في إعطاء التجربة الإعلامية الرقمية في الجزائر و صعوبة دفعها إلى الأمام، بدليل أن معظم القنوات الفضائية و بسبب الضغوطات تتجاهل الأحداث الحسّاسة التي تقع في البلاد و تكتفي بنقل نشاطات المسؤولين المحليين ، باستثناء بعض القنوات التي رفعت التحدي و كانت في مستوى القنوات العربية و الأجنبية ، حيث فرضت نفسها في الساحة، و اثبتت وجودها ليس كقناة إخبارية فقط، بل كقناة "رأي" ، بعضها أغلق كقناة "الأطلس" و أخرى ما تزال تقاوم ( وبدون خلفيات).

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى