محمد علي عزب - مصطلحات ومفاهيم (12) التداعى فى الشعر

(12) - التداعى فى الشعر

االتداعى لغة : هو التنادى فالاٍنسان يتنادى باللغة المتعارف عليها بين أبناء المجتمع اللغوى, والحيوانات والطيور تتنادى بأصوات معينة متعارف عليها عند هذا الجنس أو ذاك, وقد يكون التداعى بالاٍشارة مثل تعبيرات الوجه واٍشارة العين وحركة اليدين, والتداعى اصطلاحا فى الشعر والأدب يشير اٍلى تنادى واستدعاء الوحدات اللغوية والأسلوبية والصوتية المتشابهة لبعضها البعض فى النص الشعرى, مما يؤدى اٍلى احدث نوع من التكرار والتشابه بين أجزاء النص الشعرى الواحد .
والتداعى له مميزات وله عيوب ويتوقف ذلك على توظيفه واستثماره من قِبَل الشاعر فى بناء النص, فلو أن الكلمات والثيمات والأفكار والأساليب اللغوية والفنية التى توجد بينها علاقة ما تداعت ونادت بعضها البعض, دون أن يكون فى ذلك التكرار أو المشابهة أو التباين اٍضافة جديدة للنص على المستوى الجمالى والدلالى, تتمثّّل فى ربط الجزء اللاحق بالجزء السابق من النصّّ, وتجعل الجزء اللاحق متجانسا ومتميزا عن الجزء السابق فى آن واحد, فاٍن التداعى فى هذا الحالة يكون سببا فى ترهل النصّ حيث أن الشاعر قال ما يمكن قوله فى جزء من النص وجاءت باقى الأجزاء تكرارا غير مفيد وليس فيه اٍضافة لما قيل من قبل .
وهناك التداعى الموسيقِى الذى يخص موسيقى الشعر حيث تتداعى التفعيلات المتماثلة فى القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة, او النغمات والوحدات الموسيقية المتشابهة والمتقاربة فى الشعر الحر, وينتج عن هذا التداعى صورة موسيقية صوتية تلتحم وتمتزج بالصور الشعرية وتساهم فى بناء النص الشعرى وتقديمه للقارئ, ولكن من عيوب هذا النوع من التداعى أن ينساق الشاعر بكل حواسه وراء صوت التفعيلات أو النغمات المتشابهة والمتقاربة, التى تستدعى بعضها البعض حتى لو كانت تلك التفعيلات والنغمات الصائتة تحمل كلمات مباشرة, اٍذ أن الشاعر يكون مشغولا آنذاك بالموسيقى الصوتية فقط, وذلك على حساب التصوير الشعرى والاٍٍيحاء والترميز فيقع النصّ فى فخ الخطابية, ويتحول اٍلى كلام عادى مرسل ينتصر للنظم على حساب الشعر وجماليته .
ومن جوانب التداعى المفيدة فى قراءة وتقييم التجارب الشعرية ـ سواءا كان ذلك التقييم يقوم القارئ أو الشاعر نفسه ـ أنه يمكن أن نتعرف من خلاله على اٍن كان هذا الشاعر أو ذاك له بصمة وصوت شعرى خاص أم لا, فعندما نجد أن شاعرا ما لديه سمات أسلوبية خاصة فى بناء وتركيب اللغة الشعرية وشبكة المتخيّّل الشعرى تترد فى القصيدة أو الديوان أو فى مجموع أعمال الشاعر, نعرف أن هذا الشاعر لديه صوت شعرى خاص, ويمتلك أدواات الشعر ويوظفها فى نصوصه بعيدا عن النمطية والتقليد .
ومن أخطر مظاهر التداعى فى الشعر هو أن يكون التداعى استدعاءا لأساليب لغوية وجمالية تخصّّ شعراء آخرين, اختزنها الشاعر فى ذاكرته وسيطرت على وعيه بشكل تام, ولم يستطع أن يهضمها ويجعل منها مرتكزا يبنى عليه سماته الأسلوبية الخاصة, فخرجت رغما عنه وهيمنت على نصَه الشعرى وجعلته مجرد محاكاة باهته واستنساخ لتجارب الآخرين, وأدخلته فى دائرة التناص الغير فنى ووقع الحافر على الحافر .

محمد علي عزب -
نادي الأدب المركزي بالقليوبية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى