علجية عيش - المثقف و الجماهير العلاقة المُغَيَّبَة

الحراك الشعبي في الجزائر كان حرب المثقفين أيضا


الحدث المزدوج الذي عاشته الجزائر وهي تحيي الذكرى الثانية لثورة 22 فبراير 2019 كان متناقضا ، ما يطرح عده تساؤلات إن كان ما حدث في هذا التاريخ لحمة بين الشعب و جيشه أم أنه مجرد سيناريو أعدته السلطة لإسكات المعارضة و تمويه الرأي العام بأن المسيرات السلمية التي قادتها الجماهير في ذلك اليوم من فبراير كان إعلان عن تعايش الشعب مع الجيش و لم يكن هبّة جماهيرية للمطالبة بالتغيير و رحيل الوجوه القديمة، بحيث ما شهدناه من تحركات الشعب طيلة يوم أمس يعكس الحقيقة، فالنشاط الذي نظمته السلطات يعكس نشاط الحراكيين رغم أن الحدث واحدٌ، إلا أن السلطة أعطته صورة مغايرة عندما قرر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون جعل هذا اليوم ( 22 فبراير من كل سنة ) يوما وطنيا للأخوة و التلاحم بين الشعب و الجيش من أجل الديمقراطية.
ما يلاحظ أن هذا القرار و إن كان لفائدة الصالح العام، من أجل تحقيق الأمن و الإستقرار، إلا أنه كان يعكس مطالب الجماهير التي أحيت الذكرى على طريقتها الخاصة، حيث خرجت في مسيرات سلمية حاملين لافتات تطالب بالتغيير الجذري و بناء دولة مدنية لا دولة عسكرية، و نددت بأذناب العصابة التي ما تزال تتحرك باسم من عاثوا في البلاد فسادا، ما يعبر عن استمرار التنافر بين الطرفين، و أن نيران الغضب لم تنطفئ بعدُ حتى يحقق الحراك الشعبي مطالبه كاملة، المؤسف له أنه في كل حدث نجد الذين يصطادون في المياه العكرة يقحمون أنفسهم، و يستثمرون في هكذا أحداث، فيندسون وسط الجماهير لتحقيق أجندات، خاصة و أن المسيرات شاركت فيها عناصر من بقايا حركة رشاد و حزب الفيس المحل، في كل هذا و ذاك أراد كل منهما أن يترك بصمته .
ما ميز هذه الذكرى هو الحضور القوي للمثقف، ليبدي رأيه في هذه الأحداث، عندما حل الأديب يوسف شقرة رئيس الإتحاد الوطني للكتاب الجزائريين ضيفا بعاصمة الشرق، ليقدم محاضرة بعنوان: دور المثقف في زرع اللحمة الوطنية، خلال انطلاق الملتقى الوطني الأدبي رضا حوحو في طبعته الثانية، الذي افتتح دون مشاركة المسؤولين المحليين، فالذين حضروا الذكرى بعضهم كان مبهور بالمعرض المقام ببهو دار الثقافة مالك حداد، و آخرون جاءوا من أجل لقاء الوالي و طرح عليه انشغالاتهم، و لا أحد كان يبالي بسماع محاضرة من هذا الوزن، أو الوقوف على مسيرة مجاهد و أديب في وزن رضا حوجو.
ليس غريب طبعا أن يكون هناك جفاءٌ بين المثقف و الجماهير، لكن أن يحدث الطلاق بينهما، فلا يحدث هذا إلا في بلدان العالم الثالث، أين تكون الثقافة آخر اهتمام السلطات، فهي في نظرها قطاع "خدماتي" أي غير منتج مثل القطاعات الأخرى، وما تستهلكه وزارة الثقافة من أموال لتنظيم نشاطات ثقافية أكثر ما تحققه من مردود، أي أن قطاع الثقافة في نظرها قطاع ثانوي لا يحقق للخزينة العمومية أيّ مدخول، و لذلك هي لا تعتمد على تنظيم الملتقيات الفكرية إلا نادرا بقدر ما تشغل اهتمامها بتنظيم المهرجانات التي ترافقها حركة هز الخصر و أغاني الراي و ما شابه ذلك، و الدليل غياب الجمهور في الأمسيات الشعرية أو عرض كتاب جديد .
فبمنحى فكري تنويري حان الوقت لكي تسلط الطبقة المثقفة الضوء على علاقة المثقف بالمجتمع أو بالجماهيرو مدى تفاعله معهما، لبناء العقل الجماعي الذي يتحلى بالرّوح المستقلة و تكون له ثقافة نقدية موضوعية باسم الفكر، فلا يتأثر بأي قرار سياسيأو يخشى من أي تهديد، حتى يتمكن من أداء دوره المنشود في حركة التغيير التي يشهدها العالم كله، و يكون بفكره و كتاباته و مواقفه أكثر التزاما بالدفاع عن القيم الإنسانية، يكون مثقفا ثوريا و إصلاحيا لا مثقف نرجسيا كما قال في ذلك الأديب الجزائري يوسف شقرة، عندما تحدث عن المثقف في زمن التحولات السياسية و التاريخية و الفكرية، فلا يتهادن مع ما يعيق الوصول إلى الهدف المنشود للإرتقاء بالمجتمع و تحريره من التبعية، و هذه هي صفة المثقف و مهمته في ظل الثورات و الحروب الأهلية و صراع الأفكار و الإديولوجيات، أو كما اصطلح عليها بالربيع العربي، لا يمكن طبعا وجود ثورات بدون مثقفين، فقد أكد التاريخ ذلك على مدى العصور، حيث شكلت منعطفا تاريخيا ، لكن هذا يقتضي طبعا بناء مرجعية ثقافية لتقريب المثقف من الجماهير.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى