فيصل سليم التلاوي - في شارع الرشيد.. شعر

ذات مساءٍ موحشٍ مُعفرٍ بليدْ
وجدت نفسي هائمًا في خطويَ الوَئيد
مُهلهلاً ومنهكًا
أجرجرُ الخُطى على رصيف شارع الرشيد
أنكرني الجدارُ والغبارْ
وزحمة النهار
وهذه الوجوه قد أزرى بها اصفرار
أغذّ سيري نحو ساحة " الميدان:ْ
لمطعم" التآخي"
و" فندق العاصمة الكبير"
وجدتني أطير
تحملني سحابة على جناحها الوثير
تأخذني في رحلةٍ بعيدة المسير
موغلةٍ في غيهب الزمان والمكان
لخطوتي الأولى على الطريق
لليلتي الأولى بلا رفيق
يا طولها! وقد تلتها ألف ألف ليلةٍ
بتّ على قارعة الطريق
يا بؤس ما رأيت من مهانةٍ وعارْ
كان الرشيد صورةً مثقوبةً على الجدار
تكورت قميئةً في جانب الإطار
وباض فوق أنفه صرصار
ولم يعد كأمسه يسخر من شوارد السحاب
فأرضه يباب
رأيته يمعنُ في الذهول والغياب
وظللته هالةٌ من اكتئاب
وحام حول أنفه وفمه ذباب
كان الجار بائسًا يريد أن ينقضّ في رائعة النهار
لكنها الأقدار
تشدّهُ، تتركه معلقًا
منتظرًا موعده في لحظة انهيار
يا هول ما تسقطت أذناي من أخبار
عن اليباس والموات وانحباسة الأمطار
وكيف شدّ رحله، وذاب من نحوله التيّار
فأقلعت عن شدوها الأطيار
وأسفرت عن قعرها، وفغرت أفواهها " الأهوار"
وحام في أرجائها بَوار
وصمت البرديّ عن هسهسةٍ كأنها حِوار
ولفه اصفرار
وأطبقت شفاهها " عشتار"
وغشيتها رعدةٌ وهدّها دُوار

سمعتُ صوتًا هاتفًا كأنه الصدى
يخبر عن صديقيَ الذي مضى
مُنتضيًا أحلامهُ
مسابقًا أيامهُ
يغذ خطوه ليعبر المدى
في وضَح النهار كيف غاله الردى
وكيف ضاع عمره سُدى
أمسِ لقيت أمهُ في شارع " الكفاح"
مطفأة العينين، فرّ من طريقها الصباح
رأيتها ملهوفةً تلهجُ بالأماني
وهمسها جراح
حسيرةَ كسيرةً، قامت بباب سيدي
مولاي " عبد القادر الجيلاني"
تمسحت بالباب والأعتاب
ولثمت من شوقها وحرقها التراب
وانهمرت دموعها كأنها ميزاب
تستلُ من جذورها بقية الأهداب
يا قسوة الحياة إذ تمعنُ في النفور والجموح والعذاب
وحيث عند كل منحنًى يوصد ألف باب
وكل برقٍ خُلبٍ ليس سوى سراب.

فيصل سليم التلاوي

25/9/2000

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى