أمل الكردفاني- الBBC تنحو إلى الشعبوية

لا أعرف إن كانت إدارة البي بي سي تتابع وتراقب نسختها العربية أم لا، ولكن أعتقد انه قد حان لها مراجعة نفسها قبل أن تفقد ما تبقى من احترامها.
تعرضت البي بي سي منذ نشاتها لصعوبات دعتها للارتماء في أحضان جهازي المخابرات البريطاني والامريكي، وأصبحت تحت رعاية مكتب العمليات النفسية (كان يسمى مكتب الحرب النفسية) التابع لوزارة الدفاع الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية. ومارست الBBC قبل واثناء وبعد الحرب عمليات قمع واسعة النطاق ضد من يخالف توجه الحكومتين البريطانية والامريكية، لقد رفضت البي بي سي الوقوف مع احتجاجات نقابة العمال، واحتجاجات الشرطة، كما أوقفت بث العديد من البرامج التي تستضيف سياسيين وأدباء وفنانين لديهم وجهة نظر مختلفة. مع ذلك وطوال تاريخها القمعي هذا لم يشعر الناس بأن البي بي سي قد فقدت حيادها، لأنها كانت تستخدم مهارات لا تفقدها مظهرها العام كآلة إعلامية محايدة. لقد انتشرت البي بي سي في الدول الافريقية (مصر وجنوب افريقيا) كمركزين إقليميين، ووصل بثها إلى اقاصي افريقيا، وأصبح الاستماع لها بالنسبة لبعض الشعوب البدائية دليلا على الرقي الثقافي.
الإنهيار بدأ في السنوات الاخيرة، حينما انتقلت من روحها الجادة إلى قناة تتبنى خطاباً شعبوياً هابطاً. خطابات البي بي سي انحرفت من الرصانة إلى الوضاعة، ولقد ذكرنا قبل يومين تلك النبرة الاستفزازية في مقتل ماغوفلي رئيس تنزانيا، واليوم أيضاً تستخدم البي بي سي ذات النبرة التي تتعامل مع مستمعيها أو قارئيها كأطفال سذج.
دعونا نتابع مثلاً خبر غضب الصين من شركتي نايكي وإتش أند ام، ونقرأ الفقرة الأخيرة منها والتي تقول: وتحب الصين استخدام قوتها التجارية وعمليات البيع بالتجزئة الذي تحركه دوافع وطنية من أجل الضغط على الحكومات والشركات متعددة الحنسيات.
وكانت قد تحدثت قبلها عن معاناة متاجر وصادرات كوريا الجنوبية والفلبين عندما حدثت خلافات بينها وبين الصين.
رغم أن البي بي سي تعلم بأن الضغوط الاقتصادية هي التي مارستها بريطانيا نفسها على الصين وروسيا وأي دولة أخرى، بل نحن في السودان تعرضنا لتدمير اقتصادي منظم لإعادتنا إلى الحظيرة الأمريكية، ولا يمكننا أن ننسى برنامج النفط مقابل الغذاء (ناخذ بترولك وهكذا لن يموت شعبك من الجوع) في العراق..
يعتبر الضغط الاقتصادي أحد الاسلحة المعروفة في التفاعلات الدولية، وسنجد أن الحصار العسكري هو في واقعه حصار اقتصادي يهدف لتجويع الشعوب المحاصرة وبالتالي إضعافها ومنع دخول أي امتدادات غذائية لها، وليس فقط محاصرة مدها بالسلاح.
لكن خطاب البي بي سي هنا خطاب شعبوي، يخاطب فئات ساذجة جداً، ويحاول استقطابها لخلق شحنة كراهية تجاه شعوب وانظمة أخرى. وهذا أفقد وسيفقد البي بي سي قوتها حتى على هذا المستوى الدعائي (بروبغندا)..
هل هذا مقصود؟
وإذا كان مقصوداً فما الغرض من تدمير إذاعة الBBC؟
هل استنفذت أغراضها؟
أم أن الغرض هو التحول إلى الخطاب الترامبي، الذي بدا فاعلاً جداً في السنوات الماضية؟
هل المقصود أن تدخل البي بي الحرب برأسها؟
أيا ما كان القصد فهو لن يحقق أي نتائج إيجابي لا لبريطانيا ولا للBBC نفسها.
أتمنى أن تصل هذه الرسالة لرئاسة هذه الإذاعة قبل فوات الأوان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى