ذياب شاهين - حفيفٌ بينَ شارعين

تتثاقلُ خُطى الوَحيدِ
بإيقاعها القاتمِ
حينما يسبقُها الصَّدى
تركَ شارعِ تمّوز
وراء ظهرهِ
إلى حيثُ هدأةِ الأرصفةِ الخلفيّة
المزركشةِ بشظايا الزجاج
وصناديقِ الكرتون المُمزَّقة
وعلبِ الماءِ الفارغةِ الزرقاء
لستُ رسّاماً: همسَ مع نفسهِ
فالأشياءُ موغلةٌ بالامتعاضِ
أسمعُ حفيفَ خُطى
يلسعُ بطنَ الشارع خَلفي
الكمّامةُ تخنُقني
كما يخنقُ الزَّحام
شارعَ الوفود
الريحُ تضربُ وجهيِ
فتمتلئ عينايَ بالدِّمعِ
أتذكر أمُّ كلثوم وهي تنوحُ
"بالدمعِ جودي يا عين"
النظاراتُ تسترُ عُريَ عيوني
قاعاتُ العرسِ تصدحُ بالموسيقى
وطيورٌ تخطفُ فوقي
أدلفُ يمينَ الشارعِ
لا مكانَ للراجلةِ على الرصيفِ
ألقيتُ التحيّةَ
على الشّرطيِّ ذي العينينِ الخضراوين
فذكَّرني بقوّاتِ سوات
في أفلامِ هوليوود العَجيبةِ
رجلٌ يغصُّ بالضَّحكِ
وددتُ لو أضحكُ مثلهُ
لكنَّ الحفيفَ
ما انفكَّ يطاردُني
أتُراني أتوهمُ
كلا لن أنظرِ للوراءِ
هذا فخٌّ
لكنَّ الوقعَ يزيدُ والغُيومُ
ترسمُ حيواناتٍ هائلةً بالسّماء
وأذنايَ تضجّانِ بالصَّدى
للماءِ أجنحةٌ
وددتُ لو أطيرُ كالغيمِ
وأرى العالم على حقيقتهِ
الدورةُ ستكتملُ
هذا بائعُ البطيخِ وذاك هو الخبّازِ
همستْ محفظتي
وامرأة معدمةٌ
تجلسُ على ناصيةِ الشارع
الأشياءُ قاسيةٌ
تُدمي روحي
كصوتِ الحَفيفِ الذي يتبعُني
أخبرتُ مصلحَ التلفزيونات
بعطلِ تلفزيوني مرة ثانيةً
ابتسم قائلًا:اجلبْه غدا
حزنتُ، فاتتني رؤية
الحكومةَ عاريةً
في مناسكِ العمرةِ
فما أجملُ المؤمنينِ
ببلادي فهم كشمسِ بدر
لا شيءَ بادٍ
في الجزرةِ الوسطى
وصلتُ بابَ البيتِ
كانَ برميلُ الزبالةِ الجديد
واقفاً بكامل إناقتهِ
لم يسرقْهُ أحدٌ لحدِّ الآن
ونباحُ كلبتنا استقبلني كأميرٍ
دخلتُ البيتَ
فوجدتُ شخصاً يشبهُني
خلفَ البابِ
عجباُ...
أهذا أنا
أم تُراني أخطأتُ البيتَ
رجعتُ قافلًا للشارعِ
أتبعُ الحَفيفَ
الذي يَمشي خَلفي
وعينايَ
ممتلئتانِ بشظايا الدموعِ



البصرةٌ- الخميس
‏01‏/04‏/2021‏ 10:55:14 م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى