أ. د. عادل الأسطة - من الأدب العبري الحديث: يورام كانيوك... 1948

عن مكتبة كل شيء في حيفا، صدر في العام 2011 كتاب للكاتب الإسرائيلي يورام كانيوك عنوانه "1948"، وقد ترجمه إلى العربية جورج جريس فرح، وكتب على الغلاف الأمامي "حاصل على جائرة سابير للأدب من مفعال هبايس لعام 2010" وأما على الغلاف الأخير فهناك قائمة بأعمال أدبية عبرية صدرت في العربية عن مكتبة كل شيء.
ويورام كانيوك كاتب معروف لمثقفين وشعراء فلسطينيين يهتمون بالأدب العبري، وقد كتب عنه سميح القاسم ومحمود درويش في كتابهما "الرسائل" (1989)، فقد أتيا على ذكر أعماله في رسالتين كتبتا بتاريخ 7/10/1986 و27/9/1986.
كان سميح في رسالته "أخطاء وخطايا" (27/9/1986) كتب لمحمود: "وأقرأ كتاباً عبرياً رديئاً اسمه عربي جيد، وهو في خلاصته تسجيل لتخبّطات مثقّف يهودي يحاول التخلص من مواجهة الحقائق التاريخية في بلادنا ويعثر على خلاصه الموهوم في غرفة ما في باريس، لا من منطلق الجرأة الأدبية والسياسية بل بدافع العجز والسقوط وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية" (ص98).
رأي سميح هذا حثّ محموداً على قراءة كتاب يورام كانيوك "ارتباكات عربي جيد"، ودفعه بالتالي ليبدي رأيه في الكتاب، في رسالته التي عنوانها "هو.. أو هو" (7/10/1986)، ومما كتبه درويش:
"وهو كتاب محير، لأنه يلعب بالجرح الإنساني بشفرات حلاقة صدئة، ويقدم المأساة في صورة (البورنو). إنه محير على الرغم من صحة تقويمك العام له، فليس من الضروري أن يكون أدباً جيداً ليحرك الأسئلة التي يثيرها عن هاتين الهويتين في شخص مشطور إلى عربي ويهودي، دون أن يكون عربياً ودون أن يكون يهودياً" (ص99).
ولم يكن يوسف شرارة، الاسم الذي ظهر الكتاب تحته، سوى الاسم المستعار ليورام كانيوك، فلم يكتب الأخير اسمه الأصلي، وهذا ما اكتشفه محمود درويش حين كتب: "الكاتب يوسف شرارة ليس يوسف شرارة. إنه اسم مستعار لمثقف إسرائيلي منبوذ ولد من أم يهودية ومن أب عربي ـ هكذا يقول ـ انتهت به رحلة البحث عن اسم وهوية إلى غرفة باريسية كتب فيها هذا الكتاب ـ الاعترافات، بلغة عبرية طليقة العبارة وصريحة البذاءة معاً (ص 100).
في كتابه (1948) يأتي يورام كانيوك على فكرة كتابه "ارتباكات عربي جيد" فيكتب: "(بعد سنوات، إذ كنت في احتفال في الولايات المتحدة بمناسبة صدور كتابي حول من هو ابن لأم يهودية وأب عربي، وحول الصراع ما بين العربي الذي في داخله واليهودي الذي في داخله، ...)"
ويتضح من خلال قراءة (1948) أن والد يورام كانيوك ليس عربياً، وأنه مواطن يهودي قدم إلى فلسطين من برلين/ ألمانية، ما يعني أن "ارتباكات عربي جيد" ليس سيرة ذاتية ليورام كانيوك بالتمام والكمال. وما تقوله قراءة درويش، وما يقوله كانيوك في كتابه (1948) ربما يفصح لنا عن المغزى الذي رمى إليه المؤلف من وراء اختياره أباً عربياً لبطله، يكتب محمود درويش في رسالته:
"لقد دفعت المؤسسة الإسرائيلية يوسف خارجها وذكرته بأن أباه عربي فانخرط في حزب يرفع شعار "الأخوة العربية ـ اليهودية" لكنه "اشمأز" من "مثالية" الحزب و"سطحية" شعاراته، فخرج من أداة العمل السياسي الساعية إلى الإصلاح، خرج إلى ذاته المضطربة، فخرج من التاريخ ..." (ص101).
هذه القراءة الاستنتاجية الذكية لمحمود درويش، نعرفها حقيقة ونحن نقرأ كتاب (1948) الذي يبدو أشبه بسيرة ذاتية جزئية ليورام كانيوك، تركز على خمسة أشهر فقط من حياته، في العام 1948.
كان كانيوك في ذلك العام ابن سبعة عشر عاماً تقريباً، وانضم للقتال من أجل إقامة الدولة العبرية، وتعرض لأحداث جسام كاد يقتل فيها، وهو يشارك في المعارك.
ومع أنه شارك في الحرب إلاّ أنه كان من دعاة التعايش مع العرب، ولم يكن ضد طردهم أو ضد الانتقام منهم، بل إنه وقف أحياناً ضد المقاتلين الإسرائيليين الشرسين الذين أجرموا بحق نساء عربيات وأطفال عرب، ما جعله موضع سخرية من الجنود القساة الذين كانوا يرون في المرأة العربية أفعى، وفي الطفل العربي مشروعا إرهابيا سيقتل اليهودي إن لم يُقتَل.
في رسالته إلى سميح، توقف درويش أمام الصورة التي يبرزها الأدب العبري والصهيوني للعربي، ولما كتبه: "من هو العربي يا عزيزي سميح، في الوعي الإسرائيلي العام؟ أنت أدرى مني بهذا الفولكلور العنصري، ولكنني حملت لك هذه التعريفات: العربي الجيد هو العربي الميت، العربي هو الماكر المخادع الكذوب.. العربي لا يفكر إلاّ بنهود اليهوديات. هو الذي يهين المرأة، العربي هو الذي يحلم بمضاجعة الجندية الإسرائيلية ... العربي لا يفهم غير لغة القوة. للعربي دموع كبيرة، والعربي لا يتكلم إلاّ إذا طلبوا منه الكلام.. والعربي الجيد من له حاسة فكاهة يهودية". (ص 102).
رأى درويش في بطل رواية كانيوك التالي "لقد جعلوا منه عربي اليهود" وهو ما يحاول كانيوك أن يبدو عليه في "1948"، بل وما يوصله إليه الجنود الذين حارب معهم، ولم يرق له تصرفاتهم، فاحتج عليها.
تكتب "1948" عن نماذج يهودية كثيرة، بعضها يتصور العرب كما أوضحه محمود درويش وهو يجمل صورة العربي في الوعي العام الإسرائيلي، بل إن ثمة عبارات كتبها ترد بحرفيتها على لسان شخوص في "1948". ولا يغالي القارئ حين يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فيقول: إن بعض التصورات للعرب تشبه تلك التي أبرزها لهم الأدب الصهيوني، مثل رواية (ليون أوريس): اكسودس.
في "1948" يخاف الجنود العرب من قطعة سلاح لم يروا، من قبل، مثلها، فيعتقدون أنها القنبلة الذرية، ويهربون. ويهرب البوسنيون العرب من قيسارية، بعد أن يرفعوا الرايات البيض، علماً بأنه لم يحاصر القرية سوى جنديين يهوديين.
وقد أبرزت الرواية صورة لعبد القادر الحسيني، وكأنه ذاهب للقتال الصوري.
يرتدي ملابس أنيقة وبيده السيف المذهّب، فيقتل برصاصة.
كان غسان كنفاني وهو يدرس الأدب الصهيوني توقف أمام الصورة التي يبرزها ذلك الأدب للقائد العربي، تلك الصورة تحضر أيضاً في "1948"، وعلى النقيض من القيادة العربية التي ترسل جنودها للموت، فإن عدداً من الضباط الكبار اليهود، وهم قادة، يضحون بأنفسهم لإنقاذ سبعة جنود.
هكذا يخسرون في معركة ثلاثة وعشرين من خيرة الضباط لإنقاذ سبعة عاديين.
لكن ما يختلف في "1948" أن الكاتب يبرز، أحياناً، صورة إيجابية للمقاتل العربي، إذ يحارب ببسالة.
وما يختلف أيضاً أنها ـ أي "1948" ـ أتت على نماذج سلبية من اليهود، فلم يكن كل هؤلاء أبطالاً يفني الواحد نفسه في خدمة قضية شعبه.
هناك يهود وهناك يهود، وثمة تأثير للمكان الذي يقيمون فيه على سلوكهم وتصرفهم.
وهناك مقاتلون وهناك لصوص أيضاً، وهناك من ضحى بنفسه لقيام الدولة، وهناك من حصد النتائج.
وأما القادمون من أوروبا، بعد المذبحة، فلم يكونوا يكترثون للعرب الضحية، لقد سلبوا أملاكهم بلا أدنى شعور بالخجل، بل ودون أي تأنيب ضمير.
وتقول "1948" أحياناً ما قاله بعض المؤرخين الجدد، مثل (إيلان بابيه) في "التطهير العرقي، فحتى العرب المسالمون والداعون إلى التعايش لم يسلموا من الطرد، ومنهم أهل قيسارية، وأهل أبو غوش، ولم ينقذ الأخيرين إلاّ تدخل بن غوريون نفسه.
أين نصنف "1948". لم تورد الترجمة العربية مفردة تدل على جنس أدبي، ولكن القارئ يدرك أنها سيرة ذاتية روائية تعتمد على الذاكرة، فيورام يقص بعد 62 عاماً عن تجربة 5 أشهر في 1948، وكتابته تعتمد على الذاكرة، والذاكرة مخادعة، وقد تقول أشياء حلم الكاتب بها و.. و.. و.. .


عادل الأسطة
2014-04-13



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى