علي السباعي - صوت صبّاغ الأحذية

صباغُ أحذيةٍ نافَ على الخمسين، تسريحةُ شعرِ رأسه تْشبِه تسريحةَ العندليب الأسمر، يلقبونه "الواوي"، بعد سقوطِ الصنمِ، أثناءَ الحملةِ الانتخابيةِ الأخيرة، منهمكٌ في صبغ حذاءٍ إيطاليِ لأحد المرشحين القادمين من خارج العراق، سأل "الواوي" بعجرفةٍ وتعالٍ واضحين: مَنْ ستنتخب؟

قال بحرقةٍ باديةٍ مـن حركاتِ يديهِ وهما تحركان قطعةَ القماشِ برشاقةٍ وتوترٍ فوقَ جلدِ الحذاءِ، ومن غير أن يرفعَ رأسه: لن أنتخب أحدًا.

رشيقةٌ حركاتُ أصابعه المصبوغة بالدهان الأحمر، نقرةٌ خفيفةٌ على فردةِ الحذاء اليسرى للمرشحِ الأنيقِ، بعدها قال بشدةٍ وامتعاضٍ وهو ينظر في عيني المرشح باستهجان:

- انتهى صبغ حذائك أستاذ.

قال له المرشحُ بمودةٍ مبالغٍ فيها كسرًا لغضبهِ المفاجئ وهو يُنْقِدُه أجرَه: سيضيع صوتُك؟

ضحكَ صباغُ الأحذية ملء صدره الخَرِب من تدخينِ السجائرِ الرخيصـةِ، حتى إن مارة شارع الجمهورية وأصحاب المقاهي والمطاعم ومحلات الملابس المحيطة بجلسته انتبهـوا لضحكتهِ الهادرة الهازئةِ، كونهُ من الذين لا يضحكون بسهولة في مدينة الناصرية، عَلق مختنقًا ودموعهُ تملأُ عينيـه منسابةً منها على خديه الأسمرين، حضـر صوتهُ باليًا عتيقًا حزينًا جريحًا كأنه آتٍ من سنواتٍ قحطٍ وجدبٍ طوال:

الله يخليك أستاذ، هو آنه ضايع، آنه "الواوي" كلي ضايع، يا صوتي، صوتك يضيع (وهو يهز يده اليمنى هازئًا) أنا مجرد صباغ أحذية.


علي السباعي

علي السباعي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى