سعيد الشحات - ذات يوم ..4 يونيو 1983. نجيب محفوظ تعليقاً على رد هيكل على رسالة «الحكيم»: موقفى من عبدالناصر والسادات هو موقف المعترض الأمين

ذات يوم ..4 يونيو 1983.


كان لأديب نوبل نجيب محفوظ حضورا بطريقة ما فى المعركة التى شنها كتاب وصحفيون ضد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل بسبب كتابه «خريف الغضب»، التى دارت وقائعها فى النصف الثانى من إبريل 1983..لم يكتب «محفوظ» مع أو ضد هيكل، مثلما فعل توفيق الحكيم الذى كتب رسالة تضامن مع هيكل نشرتها جريدة الأهالى يوم 1 يونيو 1983 بعد أن رفضت «الأهرام» نشرها، وكتب هيكل ردا مطولا عليها حضرت فيه سيرة نجيب محفوظ.. «راجع، ذات يوم، 1و2و3 يونيو 2020».

كانت صداقة «محفوظ» و«الحكيم» وثيقة، وكانا ضمن كبار الكتاب الذين نجح «هيكل» فى ضمهم إلى «الأهرام» بعد أن تولى رئاسة تحريرها عام 1957، ويؤكد محفوظ فى «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» لرجاء النقاش: توفيق الحكيم له مكانة خاصة فى قلبى، وربما أكون أحببت العقاد وتعلقت به وتربيت على يديه، وربما أكون تأثرت بطه حسين إلى حد بعيد، ولكن توفيق الحكيم هو الوحيد الذى ارتبطت به وجدانيا وروحيا، وعشت معه سنوات طويلة كظله وعلاقتى به تعود إلى عام 1947.
جاءت سيرة «محفوظ» فى رد هيكل على رسالة «الحكيم»، وكانت الرسالة والرد مجالا للكلام فى إحدى سهرات «أديب نوبل» فى الإسكندرية، حسبما يكشف محمد الجمل فى كتابه «نجيب محفوظ.. فى ليالى سان استيفانو».. يذكر «الجمل»: فى ليلة من ليالى سان استيفانو جرى الحديث حول رسالة توفيق الحكيم إلى محمد حسنين هيكل، ورد هيكل عليها، وجاء فى رده: الشىء الذى يستحق النظر هو أن صديقك المشترك الأصيل نجيب محفوظ كتب قصصه النقدية الشهيرة «السمان والخريف» و«اللص والكلاب» و«ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار» فى نفس فترة غيابك وعيك، وهو لم يقل أنه كان غائب الوعى، انتقد السلبيات فى حياة مرتكبيها، ولم ينتقدها بأثر رجعى.. اختار المواجهة المباشرة بصراحة».
يعلق «الجمل»: أذكر أننى توقفت طويلا أمام وصف هيكل لنجيب محفوظ بـ«الأصيل» لم أشعر بأنه كان وصفا عابرا، وربما قصد أن يعقد مقارنة عفوية بين «الحكيم»، و«محفوظ»، بين من قال إنه كان غائبا عن الوعي، ومن كان وفيا لوعيه.. انتهزت مناسبة هذا الحديث، وطلبت من الأستاذ تعليقا على وصف «هيكل» له بـ«الأصيل».
يتذكر «الجمل»: «التزم الأستاذ بتواضعه كعادته، وقال بموضوعية: الكل يعرف أننى اختلفت مع الأستاذ هيكل فى مسألة تقييد الحريات الخاصة والعامة فى عهد عبد الناصر.. ومع ذلك أذكر أنه ساعد أدباء ومفكرين على توصيل أصواتهم عبر منبر صحيفة الأهرام، فى رأيى لو لم يحترف هيكل الصحافة لأصبح أديبا مرموقا».
يؤكد الجمل: «صممت على سماع رأيه فى مسألة الأصالة، فصمت قليلا كأنما يرتب أفكاره، ثم قال هناك فرق بين انتقاد حقبة فى زمن سريانها، وبين تقييمها ودراساتها بعد زوالها، هذا هو الفرق بين الاعتراض والتاريخ.. المعترض يستعمل أذنه وعينه، والمؤرخ يستعمل أذنه فقط، لأنه لم ير شيئا بعينيه.. كان موقفى من عبد الناصر والسادات هو موقف المعترض الأمين.. انتقدتهما فى حياتهما من منظور أدبى من خلال أعمالى التى أعرف أنك تابعتها.. واجتهدت فى تقييمها بحس أديب فى كتابى «أمام العرش» «حوار بين الحكام» فى عام 1985.. تبنى عبد الناصر العدالة الاجتماعية وكرامة الوطن والعروبة والدعوة للتحرير، واهتزت إنجازاته بغياب الإرادة الشعبية وتغليب الولاء على الكفاءة.. تبنى السادات الديمقراطية والانفتاح والدعوة للسلام واهتزت إنجازاته عندما قام بثورة ديمقراطية فى 15 مايو سنة 1971، ثم وصفها بثورة مضادة فى 5 سبتمبر 1981، وسمح باستشراء الفساد والغلاء فى ربوع الوطن، وتمديد فترات الرئاسة إلى ما لانهاية.
الموقف أعاد «الجمل» إلى موقف سابق يتذكره قائلا: «لم أنس ذلك اليوم، كان أحد أيام ندوة «الشانزليزيه» عندما بدأ نجيب محفوظ غاضبا على غير عادته، وعازفا عن الاستماع لحديث توفيق الحكيم عن نظرية «المستبد العادل» الذى كان يرى فيه أنه أنسب نظام لحكم مصر، لاحظت أن الأستاذ نجيب ينظر فى ساعته من آن لآخر وهو يجز على أسنانه، ويتعجل موعد انصرافه فى الواحدة ظهرا، وما إن حل الموعد حتى نهض واقفا بتوتر وعصبية وهو يحمل صحفه ومجلاته ويرمق «الحكيم» بنظرة عتاب وهو يقول له بانفعال زائد يوحى بأنه لا ينتظر ردا: كفانا ما سمعناه منك عن المستبد العادل.. تنبأت فى رواية «عودة الروح»، وكفرت به فى كتابك «عودة الوعى»، ومازلت تحدثنا عنه وتنتظر ظهوره.. كيف يجمع أى حاكم بين نزعة الاستبداد وتحقيق العدل؟.. من الذى يحاسبه ويعطيه الشرعية؟.. ولى زمن السلطة الأبوية.
..............................
سعيد الشحات- اليوم السابع
أعلى