منقول - "مي" تعود..

النهضة، بيروت،
العدد 94،
5/2/1938



ذكرنا في عدد ماضٍ من النهضة أنّ الكاتبة السورية الكبيرة "مي" انتقلت إلى المستشفى الأميركاني وهي الخطوة الأولى في سبيل عودتها إلى حياتها المعتادة، وانطلاقها من أسرها الطويل القاسي الذي استغرق نحو سنتين من سجن في "العصفورية" وحجر في مستشفى ربيز.
ويقال إنّ البعض كانوا يتوقعون جنونها في سجنها الأول ولكن رجاحة عقلها ورحابة صدرها قد حمتاها من حصول هذه النكبة.
ويسر النهضة أن تعترف للرصيفة المكشوف بالإشارة الأولى إلى "جنون "مي" المزعوم". كما يسرنا أن تكون الحملة الجدية الأولى التي قامت بها النهضة قد أدت حإلا إلى نتائج حاسمة في هذا الموضوع الخطير. فقد وقعت المقالة الأولى التي نشرتها النهضة وقعاً كبيراً في أوساط القضاء الوطني ودوائر المفوضية. فاهتم للأمر المدعي العام المركزي الأستاذ وجيه الخوري، وزار الآنسة "مي" في مستشفى ربيز. وقد أخبرنا مطّلع أنّ المدعي العام خرج من غرفة الأديبة الكبيرة يترقرق الدمع في عينيه.
وقد أخذ المدعي العام القضية وأحلها محلاً كبيراً وصمم على فعل ما يدعوه إليه الواجب الإنساني، فزار الدكتور زيادة وخرج من عنده ووجهه متجهم لأنه رأى عند الدكتور زيادة "تقارير طبية" لها أهميتها. ولكن هذه الصعوبة المصطنعة لم تكن لتثبط همّة المدعي العام الذي قرر أنّ "مي" حرة تنتقل إلى حيث تريد واتُّخذت تدابير لنقلها إلى المستشفى الأميركاني، على أن تتألف لجنة أطباء من ذوي الاختصاص لفحصها وإعطاء تقرير بنتيجة الفحص. وقد تألفت اللجنة بعد صعوبات وفحصت الأديبة وكان المنتظر أن تصدر حكمها أمس. والظاهر أنّ ما يؤخر صدور الحكم انتظار تفاصيل سيرتها في "العصفورية" لأن التقرير سيشتمل على حالة سجنها الأول أيضاً الذي له أهميته من الوجهة الحقوقية.
إنّ دوائر النهضة تعجبت من غموض قضية هذه الأديبة الكبيرة وبقائها في عزلة عن الرأي العام كل هذه المدة، ومن هذا النفوذ الغريب الذي أبقى مثل هذه الحادثة الخطيرة طي الكتمان. وقد ظهر من التحريات التي قام بها أحد مخبري النهضة أنّ المساعي كانت تبذل لمصلحة الأديبة الكبيرة كانت تصطدم بعقبات كثيرة كادت تمنيها بالإحباط.
ولكن مقالة النهضة المشار إليها كانت كافية لإيقاف كل تدخل غير مشروع عند حده، وجعل المسؤولين يدركون خطورة التبعة التي يتعرضون لها.

والنهضة مرتاحة جداً إلى هذا الواجب الذي قامت به من أجل تحرير النبوغ السوري من قيود الأنانية القتالة والمادية المهلكة. وهي تنتظر نتيجة عمل اللجنة الاختصاصية لتتقدم إلى الكاتبة الشهيرة وإلى الشعب السوري بالتهنئة.




1939 - 1938 المجلد الثالث


أعلى