الدكتور عاطف أحمد علي الدرابسة - أبحثُ فيكِ عنِّي..

قلتُ لها :

أبحثُ فيكِ عنِّي
وعن شيءٍ يخرجني من وَحدَتِي
أو من عزلتي ..
أبحثُ فيكِ عن وطنٍ
آوي إليه لأنام
فأنا بقايا من أزمنةِ القلقِ
وبقايا من عصورِ الشَّكِّ
أخافُ يا حبيبةُ من رصاصةِ اليقين ..
بعضيَ غضبٌ
وبعضيَ تحدٍّ
وبعضيَ ثورةُ دمٍ
وتوهُّجُ نار ..
قلبيَ مركِبٌ هائمٌ
بلا أشرعةٍ
ينتظرُ عاصفةً ترميه في التِّيه
أو ينتظرُ الغرق ..
جسدي أرضٌ خارجَ الأرض
يدورُ حولَ نفسِه
فيُولدُ ليلي
وينطفئُ نهاري ..
أبحثُ فيكِ عن شيءٍ
فأنا لا شيءَ إلَّا أنا ..
أبحثُ فيكِ عن زهرةٍ أقطفُها
لا تشبهُ الأزهار
فكلُّ الأزهارِ التي تُقطَفُ
تذبلُ يا حبيبةُ وتموت
إلَّا زهرةً واحدةً
هي أنتِ ..
أبحثُ فيكِ عن ريحٍ
تأخذُ سحائبَ أفكاري
خارجَ هذا الزَّمان ..
أبحثُ فيكِ عن ريحٍ
تأخذُ موجي خارجَ البحر
فقد أضعتُ منذُ ابتسامَتَينِ
آخرَ موجةٍ كتبت على الماءِ :
أُحبُّكِ
أُحبُّكِ
أُحبُّكِ ..
أبحثُ فيكِ عن آخرِ جدولٍ
نزفَ من قلبي
ليسقيَ تلك الشَّجرةَ
التي زرعَها الفجرُ
في جرحيَ الأخير ..
أبحثُ فيكِ عن تلك الكلماتِ الغامضةِ
التي تحتضنُ أخطائي
وذنوبي ..
أبحثُ فيكِ عن شيءٍ
يغفرُ كلَّ أخطائي
وكلَّ ذنوبي
وينفضُ غبارَ العمى
عن أكتافِ أفكاري
فقد غرقتُ في مرآةِ أناي
وغزا السِّوادُ نهاري ..
هذا العمرُ الآسنُ
كالماءِ العتيقِ
يسألني عن رائحةِ الجوعِ
يسألني عن أنفاسِ الرَّغيف
في وجهِ أطفالِ الجوع
يسألني عن الصَّمتِ
الذي يحلُّ في أفواهنا كالظَّلام
يسألني عن الرَّنينِ المسروقِ من الأجراس
عن صوتِ الله في المآذنِ
ويسألني عن الخُطى
التي هجرتْ الطَّريق
ويسألني عن الدِّفءِ المنزوعِ من الأرواحِ
عن الأجسادِ الظَّامئة
عن الأرواحِ المنطفئة
عن الضَّجيج
الذي اختفى من قلبِ البلد ..
أبحثُ فيكِ عن أفكارٍ
سرقوها من ذاكرتي
عن سقوفٍ تعرَّت كالرَّمادِ
حين تجتاحُه الرِّيح ..
أبحثُ فيكِ عن جرعةِ دواء
عن نقطةِ ماء
أضعُها فوقَ حرفِ الجرحِ
لأُعيدَ الضُّوءَ إلى الحواس ..
أبحثُ فيكِ عن أمواجِ النَّار
التي كانت تمورُ في لغتي
كأنَّها إعصار
تحملُ رمادَ الفينيق
إلى كلِّ الجهات
فيُزهِرُ اللَّوزُ في العقول
ويموتُ الوجعُ في الصُّدور
وتنبعثُ البسمةُ من شقوقِ الشِّفاه ..
أبحثُ فيكِ عن شيءٍ يُلملمُ شَتاتِ لغتي
ويشربُ من الرَّصيفِ ندى الأحزان
ويُعيدُ لرِئةِ الحقولِ الهواء ..
أبحثُ فيكِ عن جسورٍ للعبور
لأُشعلَ الحطبَ في كهوفِ الفراغ ..
أبحثُ فيكِ عن حبلٍ من نور
لأتحاشى السُّقوط
في مهاوي اللُّغةِ
وعتمةِ المجاز ..
د.ع

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى