أمل الكردفاني - عقد زواج مدني.. قصة قصيرة

✍ أمامي انا المحامي العطا حميد الجعفري، حضر الطرفان المتعاقدان على الزواج، السيد رامي الخضر سالم ويشار له في هذا العقد بالطرف الأول والآنسة رؤى الفاتح عبد الكريم ويشار لها بالطرف الثاني، وهما بكامل أهليتهما القانونية وقد توافقا على إبرام هذا العقد، وتعهدا بالإلتزام بما فيه من بنود، بما يراعى في ذلك من حسن النية في تنفيذه، وعدم اللجوء إلى القضاء إلا بعد تعذر الإصلاح بينهما.
القسم الأول:
إلتزامات الطرفين:
م١- يسمى هذا العقد بعقد زواج مدني.
م٢- يلتزم الطرفان بأداء حقوق الزوجية وفق الإخلاص اللازم بين الزوجين والمعتبر عرفاً.
م٢- يلتزم الطرفان بأداء الحقوق الشرعية لثلاث مرات على الأقل خلال الأسبوع. وتمكين كل منهما لعسيلة الآخر وفق العرف المعتبر بين الأزواج.
م٣- يجوز لأحد الطرفين، تاخير أداء الحقوق الشرعية أو ترحيلها لأسبوع تالٍ، إذا كان له أسباب معقولة.
م٤- إذا أصيب أحد الطرفين بعجز مؤقت نتيجة لمرض، جاز منحه مهلة حتى الشفاء أو ثبوت العجز الدائم.
م٥- تراعى فترات الطمث عند المرأة، وتعتبر لأغراض هذا العقد مرضاً يجيز تأخير أداء الحق الشرعي.
م٦- إذا ثبت العجز التام، جاز للطرف الآخر فسخ العقد فوراً.

رامي- دقيقة يا استاذي المحامي
المحامي - تفضل
رامي- إنني أود إضافة غرامة جزائية إذا امتنعت زوجتي عني حتى في أيام الحيض.
رؤى- ماذا..أدفع غرامة وأنت تعرف أن الحيض شيء مؤكد وخارج عن إرادتي كامرأة..أي عدالة في ذلك
المحامي- ما تقوله الآنسة رؤى منطقي يا أستاذ رامي..يمكننا أن نشترط دفع الغرامة كجزاء بديل للفسخ.
رؤى- لماذا بديل.. لماذا لا يكون جزاءً احتياطياً لكنه لا يلغي حق الفسخ؟
المحامي- فليكن إن لم يكن للسيد رامي اعتراض معتبر..
- لا ليس لدي اعتراض معتبر..
المحامي- حسنٌ.. فلنستمر..
م٧- إذا امتنع أي من الطرفين عن أداء الحق الشرعي، بغير مسوغ مرضي، أو عذر قاهر، جاز بالإضافة إلى ترحيل الإلتزام بالأداء لأسبوع آخر أن يقدم الطرف الممتنع غرامة مالية مقدرة على أن لا يتجاوز عدد مرات الامتناع السبع مرات خلال الشهر وإلا جاز للطرف المتضرر فسخ العقد ولا يسترد الطرف الممتنع ما دفعه من غرامة.
م٨- لأغراض هذا العقد لا يعتبر عدم الإستعداد النفسي عذراً قاهراً..
رؤى- أعترض..
رامي- لماذا تعترضين؟
رؤى،- لأننا نحن النساء لسنا على مزاج واحد خلال الساعة الواحدة ناهيك عن اليوم..نحن متقلبات بسبب الهرمونات ويجب أن يعتبر ذلك مرضاً..
المحامي- ولكن يا سيدتي هذا شيء غير منضبط لأنه معنوي ولا يمكن أثباته..
رامي- هذا صحيح..
رؤى- (تصرخ) ولكن هذا ليس عدلاً إنك تقف في صفه أيها المحامي..
المحامي- أنا لا أقف في صف أحد صدقيني بل أكتب عقداً عادلاً ويمكن فهم إلتزاماته بوضوح..أنتِ تعرفين أن الحكومة الجديدة قد أجازت الزواج المدني، ولذاك يجب أن يكون العقد دقيقاً جداً لا يختلف عن عقد إنشاء مفاعل نووي.
رؤى- ولكن هذا ليس عدلاً..يجب أن توضع جوانبنا النفسية في الإعتبار وإلا كان ذلك قهراً لإرادتي كامرأة حرة..
المحامي- يمكننا أن نضع شرطاً وسطياً إذا وافق السيد رامي وهو أنه في حالة الإمتناع لأسباب نفسية يجب تقديم غرامة مضاعفة.
رؤى- يا أستاذ .. هل من المنطقي أن أدفع غرامة مالية مضاعفة وأنا أقدم مبررا نفسياً في حين أدفع مبلغاً أقل وأنا أمتنع عن تسليم جسدي بغير مبرر؟ ما هذا المنطق؟
المحامي- لأنك لم تستمعي للمادة التي بعدها والتي أزيد فيها عدد مرات الامتناع الجائزة من سبعة لعشرة في حالة السبب النفسي..
رؤى- حسنٌ..
رامي- ما هذا.. إن كل حديثك يدل على أنك تنوين عدم منحي حقوقي الشرعية..
رؤى- ليس صحيحاً..بل كما قال الأستاذ..يجب أن تكون الشروط دقيقة..هذا أول عقد زواج مدني يكتب في البلد..ويجب أن يكون مثالا يحتذى به ..
المحام- بالفعل يجب أن يكون نموذجاً لكل المحامين..وأعتقد أنها فرصة عظيمة أن كنتما أنتما الإثنان عقلانيين لتقبلا إبرام عقد زواج مدني في ظل الهجوم الشرس على هذا النوع من عقود الزواج.. فلنستمر..طبعا دونا المادة التاسعة وللنتقل للمادة العاشرة
م١٠- يتقاسم الطرفان الإنفاق على احتياجات منزل الزوجية. صغيرها وكبيرها.
م١١- يجوز في حالة العذر القهري، كالمرض والفصل من العمل، أن يمنح الطرف المعذور نظِرة إلى ميسرة، وتحسن الحال، ويجوز للطرف الذي ينفق أن يقوم بالتنازل عن ما أنفقه من أموال خلال فترة تعذر الطرف الثاني عن الإنفاق. كما يجوز له المطالبة بما أنفقه، بحسب تيسر حال الطرف المعذور، وكذلك يجوز للطرف المعذور طلب تقسيط المدفوعات المتأخرة بشكل عادل.
المحامي- ها..ما رأيكما..
رامي- لا أقبل بذلك..يجب أن نضيف بأن لا يدفع الطرف المريض أموال العلاج التي قد يدفعها الطرف الآخر لأن هذه حالة إنسانية..
رؤى- حالة إنسانية؟ وماذا لو استمر المرض..هل سأظل أدفع لك لأشهر وسنوات؟
رامي- وأنتِ أيضاً لو مرضتِّ فسأدفع أنا لأشهر وسنوات..
رؤى- أنظر يا حبيبي.. نحن هنا لأننا قررنا إبرام زواجٍ مدنيٍّ ليس به أي إعتبارات عاطفية بل إعتبارات حقوقية بامتياز..ويجب أن نتحاور في بنوده مستبعدين العاطفة...فلو على العاطفة فإنني مستعدة في هذه اللحظة أن أسقط بدلاً عنك أمام قطار مسرع فداءً لك..
رامي- ستندمين يا رؤى على ذلك..
رؤى - تقصد على سقوطي أمام القطار؟
رامي- بل أقصد على عدم تضمين هذا الشرط الإنساني..فأنتِ تعرفين قساوة قلب الرجال..
رؤى- بل أعرف تماماً أن قلبك طيب.. ونقي أكثر من قلب طفل..ولولا ذلك لما أحببتك..
رامي- وأنا كذلك أعرف أن قلبك أهم من كل هذا العقد التافه..ما أهمية العقد حينما تخسر قلباً تحبه ويحبك؟
رؤى- صحيح.. كنت أفكر في ذلك طوال حديثنا يا حبيبي حول هذا الأمر.. هل نحن تجار أم زوجان.. عدوان أم حبيبان؟
رامي- بل حبيبان يا رؤى، حتى ولو لم نكتب تعهداتنا بالحب والإخلاص في ورقة تافهة..
المحامي- ليست تافهة يا أستاذي.. إن تثبيت الحقوق على ورقة وبشهادة شهود يمنع تلك القضايا المكدسة في المحاكم..إنهم جميعا كانوا يقولون ذلك في بداية الزواج..
رامي- إنهم لم يعيشوا حباً حقيقياً بل مزيفاً يا أستاذي المحامي..أما أنا ورؤى فشيء آخر.. نحن لسنا جديدين في الحب..ولا نتظاهر .. نحن في العمق.. هل تتصور مدى البؤس الذي يمكن أن أعيشه كزوج تطلب منه زوجته الطلاق أمام المحكمة.. ما فائدة الإبقاء عليها سجينة بيت تكرهه..
رؤى- هذا العقد لعنة..لقد جعلنا نفكر في حوادث مأساوية لم تقع بعد..قلبي الصغير لا يحتمل..
رامي- نعتذر لك أيها الأستاذ المحامي.. فلن نكمل إبرام هذا العقد..
المحامي- ولكن يا سيدي لقد بقيت لأيام أجهز هذا العقد الذي يحتوي على ألف وثلاثين مادة..هذا مجهود ضخم..
رامي- سندفع لك أتعابك فلا تقلق..
المحامي- كان هذا ليكون أول عقد مدني يكتبه محامٍ في هذا البلد..وكنت سأنال شهرة كأب لعقود الزواج المدنية..
رامي- سندفع لك مقابل تلك الخسارة أيضاً يا سيدي..
المحامي- إنها ليست خسارة الشهرة فقط..بل خسارة تطوير ملكاتي القانونية في كتابة عقود الزواج المدنية..كانوا سيمنحونني وظيفة في لجنة التشريع بالبرلمان..يا إلهي..يا إلهي..
رامي- سنعوضك عن هذه الخسارة..
المحامي- والسعادة..السعادة التي كنت أعيشها وأنا اكتب بها اوَّل عقد زواج مدني..هل ستعوضني عنها أيضاً؟
رامي- سأعوضك عنها يا سيدي..
المحامي- إذاً..على بركة الله.. فلنمزق هذا العقد الشيطاني إلى الأبد..

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى