وليد الهودلي - نائل البرغوثي الأسد في حلوقهم؟!

أعتقد أن شيطان سجونهم قد فرح وتنفس الصعداء عندما أطلق سراح نائل البرغوثي في صفقة وفاء الاحرار .. ذلك بأنه كان قلعة من قلاع المحاربين القدامى ، تصنع روحا نضالية عالية لكل الوارد للسجون فيكون الصادر الذي يلتقي بنائل انسانا آخر قد استمد روحا غير الروح التي دخل بها السجن .. فماذا كان يفعل نائل هناك ؟ .. كان مثالا حيا للروح التي لا تصدأ مع كرّ السنين وعقود الزمان .. كان فكرة متماسكة قوية تشتعل نورا ونارا .. يشعل الروح بلهيب ارادته التي ترنو العلى ولا تلين ولا تستكين ويملأ العقل من معين ثقافته العميقة .. يصدع ويعبر ببلاغة مصدرها الصدق وروح الانتماء ورؤية المستقبل المشرق .. كنا نراه وهو ينظر الى سجانه نظرة استخفاف واحتقار بينما يفرض على سجانه ان ينظر اليه باحترام .. كان له دور عظيم وخطير وكان السجان يدرك خطورة هؤلاء وخطورة دورهم في بناء الروح لغيرهم من الاسرى .. وكان نائل ثابت من ثوابت السجن بينما الاسرى متغيرون : فوج يأتي نائل وفوج يتخرج من عند نائل .. من هذه الكلية العسكرية والسياسية والفكرية والروحية الوطنية بامتياز والتي عميدها نائل .. لذلك فرح السجان بالخلاص من نائل ..
وخرج نائل رغم أنوفهم ليكون له ذات العلامة المميزة خارج السجون .. كان الناس خارج السجن أشد حاجة لمن يعيدهم الى أنفسهم وجادة صوابهم اتجاه قضيتهم .. خرج نائل في وقت فقدت البوصلة الوطنية اتجاهها .. ضاع مؤشرها وتلاطمت الامواج من تحت السفينة وعصفت بها عواصف سياسية محلية واقليمية ودولية عاتية .. فقدت القضية الفلسطينية روحها وذهب نورها ولفها ليل بهيم تباعد بزوغ فجره .. نائل عندما كان يسير في شوارع رام الله كانت رام الله تحاول الاختفاء من نوره ذلك بان ليلها كان من صنع أهلها .. وكان مجرد سيره يشكل إدانة لكل من تخلوا عن القضية وراحوا يلعبون لعبة في عالم افتراضي غير عالمهم ولا حتى هذا العالم الافتراضي الجديد الذي اطلق على لعبة مواقع التواصل الاجتماعية الالكترونية . كان مشاركا فعالا في كل اللقاءات التي تتناول شأنا من شؤون القضية وكان على الدوام صاحب السقف المرتفع .. لا يرضى الدنية في وطنه ولو رضي كثيرون بها من حوله .. صحيح انه كان يبدو بأنه يغرد خارج السرب ولكنه كان يصدح ولا يخاف لومة لا ئم او هارب أو نائم تغيرت كل المعطيات من حوله وبقي غافيا على استراحة طال بها المقام في أعماقه .
وحار السجان في أمره : وجود نائل داخل السجن خير لنا أن خارجه ؟ نائل يمثل الروح يمثل الشمس الساطعة يمثل الحقيقة القاطعة يمثل النبض الصادق يمثل القضية ؟؟ هنا أم هناك يسبقى لعنة على الاحتلال وكل مشتقاته .. أن يبقى في السجن طويلا بل طويلا جدا " اربع وثلاثين سنة " ، وأن يعاد بعد أن سارت قدماه في شوارع رام الله ليكون البرهان على شناعة الاحتلال وساديته المفرطة : كلا الامرين للاحتلال معضلة ،، والمعضلة الاكبر لو فقه الاحتلال ليست في وجود نائل داخل السجن أو خارجه .. إنما هي في الروح التي يمثلها نائل .. الفكرة التي يزرعها في تاريخ وحاضر ومستقبل القضية كما زرع ما بين السجن والسجن حديقته المتواضعة أمام بيته في كوبر وكما جدد العهد مع زيتونه بعد غيابه الطويل ..
أيها السجان ، أيها الاحتلال ، لن تنفعك ساديتك مهما أمعنت في إجرامك ، لن تنقص من مكانة وقدر نائل ، ولن تنقص من النور المنبعث من صدر نائل ولن تنقص من قوة هذه روح المنتشرة في صدور الاحرار ، في ربوع فلسطين وعلى امتداد جغرافيا الامة وتاريخها ..
لو فقه الاحتلال لعلم أن نائل وما يمثله هو الثابت في هذه الارض .. وأن الاحتلال هو المتغير وهو الى الزوال بإذن الله .. وأن نائل ليس مجرد شخص دخل السجن بتاريخ وخرج بتاريخ وأنه مجرد سنوات تمكن الاحتلال من سرقتها من عمر نائل .. نائل هو القضية وهو الامين على حمل الراية بأبهى صورها .. هو الذي دفع الثمن مقدما وأي ثمن .. ثمن الحرية التي لو تنازل كل الناس عنها وبقي نائل وحده ينادي بها لكفتنا قوة وروحا ونخوة دونها نخوة المعتصم . ذلك بان المعتصم كان يملك جيوشا جرارا فحرك هذه الجيوش بينما نائل لا يملك الا هذه الروح المتقدة بين جنبات صدره .
لقد نجح نائل في ادارة الصراع واحراج الاحتلال .. في وقت يعطي كثيرون الاحتلال خيارات سهلة وأريحية مطلقة في ابتلاع الحقوق واستلاب الغنائم جاء نائل ليضع الاحتلال في خيارات صعبة : لعنة عليه داخل السجن أم لعنة خارجه ؟؟ بل هو الاسد في حلوقهم داخل السجن وخارجه .

وليد الهودلي 2015


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى