خيرة جليل - المرأة بالتشكيل بين الحضور كموضوع وكممارسة و بين التشجيع والتعتيم..

مقدمة
[ ] الفن التشكيلي قضية ومجموعة رسائل إنسانية وجمالية وفلسفية أكثر عمقا ودلالة ورمزية بل وأكثر حرية من أن يقيد بأسلوب أو أن يحاصر بنظرية ضيقة تجنسه في الإطار الرجالي أو النسائي ...وإذ حاولنا المشي في هذا النسق الضيق وأمام التحولات التي تعرفها المجتمعات سنصبح أمام فن المخنثين والعابرين الجنسين و.....لهذا أقول الفن هو فن بفلسفة جمالية وفكرية تفسر كبارادايم متعدد القراءات والتأويلات لكنه لا يخلو من تحديات واكراهات قد تواجه الفنان سواء كان رجلا أو إمرأة ، هذه الأخيرة التي عانت وما زالت تعاني من الحيف أو الإقصاء الفعلي داخل الساحة الفنية سواء عالميا أو عربية. وإذا كانت المرأة الغربية قد استطاعت أن تتبث أو تتخطى معظم المعيقات التي وضعت أمامها تاريخيا وأصبحت فاعلة داخل الكلريهات والمتاحف والأسواق العالمية للفن ، فإن نظيرتها بالعالم العربي لم تستطع بعد تكسير النمطية الذكورية المؤطر لساحة الإبداعية، وما زلنا نعقد الأمل على النخب المثقفة من النساء التشكيليات للكتابة عن أعمالهن أو أعمال زميلاتهن لإماطة اللثام عن الكثير من النقط المبهمة بابداعهن.
[ ] فكيف حضرت المرأة عامة بالتشكيل تاريخيا ؟ وكيف تم التعتيم على تجارب نسائية تشكيلية كانت رائدة زمانها؟ وأين المرأة العربية وسط هذا حضورا وممارسة ؟
1- تاريخيا حضور المرأة بالتشكيل كموضوع :
تاريخيا الفن التشكيلي يجتمع فيه الواقع بقوة تعبيرية مع الأسطورة بتباين عناصرها وتجزئتها بما يكفيه للتعبير عن فضاءاته كلغة بصرية لها مكوناتها وقدراتها واحتياجاتها وإشكالياتها. وبذلك أخذت الفنون وضعها الخاص في حياة الإنسان، إذ تشكّلت طرائق الفن المتفرّدة والمختلفة من حيث طبيعة وسائطها وبنائها واشتغالها الدلالي، فهي أنماط تعبيرية تقدّم تصورات
الفنان عن ذاته وعالمه مما يجعلها صياغة للتجربة الإنسانية بوسائط متعددة بصرية...
باختصار شديد فبهذه اللغة البصرية نحتا وتشكيلا كان حضور المرأة جسديا بشكل قوي لان وجودها اقترن بآلهات الحضارات القديمة سواء لدى السومريين أو البابليين والفراعنة والإغريق و الأمازيغية والأزتيك والأنكا والحيثيين..... فكانت رمز الخصوبة والحب والأمومة والحرب.......ومع الحركة الإنسية بأوروبا وبداية التشكيل كفن قائم بذاته استمر وجود المرأة مصدر إلهام وإبداع لوحات مختلفة المواضع والتيمات وكانت مركز الأمومة أو الجمال .....فحصلنا على الجوكندا ولوحة مصدر العالم .......وتطور حضورها إلى أن اختصر جسدها إلى أشكال هندسة تكعيبة أو رموز مستوحاة من ملامح المرأة و مفتوحة على جميع التأويلات ككرنيكا مع بيكاسو أو بعض لوحات السوريالية مع سلفادور دالي أو مع المدرسة الوحشية والانطباعية.......فلم يستطع أي فنان التخلص من وجودها بلوحاته نهائيا ، لأن تأثير المرأة في حياة الفنان كان ثورة وأحيانا البعد عنها ادخله متاهة الجنون كفان كوخ...او قاده للانتحار كمودي كلياني......لن نقف بشكل طويل عند هذه الفكرة ما دام ليس هناك تناقض بين ما هو نظري وما هو موجود بالكتب التاريخية...
2 - تعتيم حول حضور المرأة كممارسة للتشكيل
واقتصر وجودها على أنها مصدر إلهام فقط.
السؤال الذي يطرح نفسه وسط هذا الإرث التشكيلي التاريخي هو : لماذا لم ترد أسماء نساء تشكيليات بشكل واضح بجل المدارس الفنية المتعارف عليها؟ هل المرأة كانت أقل كفاءة من الرجل بالتشكيل تحته مظلة أية مدرسة فنية معروفة ؟ أم أنه تم أبعادها عن الميدان كممارسة له كما هو الشأن بالعديد من المهن التي حرمت على المرأة ممارستها سابقا كالطب والدراسة بالجامعات.....؟
لطالما اكتظ تاريخ الفن بأسماء التشكيليين العظماء مثل ليوناردو دا فينشي ، وفينسينت فان جوخ ، وبابلو بيكاسو وغيرهم الذين أثروا بتاريخ الفن بإبداعاتهم ، كما وجدت العديد من النساء اللاتي ساعدن في تشكيل تاريخ الفن كما هو الحال بالعديد من المجالات الأخرى ، لكن الحقيقة وهي لقد كانت النساء محرومات تاريخيا من ممارسة أي مهنة تتعلق بمجال الفنون.
دخول المرأة التشكيل كان وليد نضال انساني طويل ولم يكن وليد الصدفة، لانه كان يمنع منعا قطعا أن تمارس المرأة التشكيل سواء كهاوية أو كمحترفة لان المجتمعات الغربية كانت تعتبر هذا حكرا على الرجال فقط و تقليل من شأنها وسمعتها لهذا وجدنا أسماء بعض النساء اللاتي ثابرن من أجل تخليد أسمائهن في تاريخ الفن ، كما كافحن رغم وجود العديد من الحواجز في حياتهن الشخصية والعامة لإبراز موهبتهن. ومع استمرار النساء في الكفاح من أجل المساواة في جميع المجالات فقد تم ذكر أسماء تلك الفنانات العظيمات.
كانت الرسامة Sofonisba Anguissola رائدة في عصر النهضة الإيطالية و كان والدها من عائلة نبيلة فقيرة نسبيًا ، لكنه حرص على تلقينها هي وشقيقاتها تعليمًا جيدًا في مجال الفنون الجميلة ، وشمل ذلك التتلمذ على يد الرسامين المحليين المهرة وهذا يمثل سابقة فريدة من نوعها ، حيث كانت الفنانات السابقات في تلك المرحلة يتدربن لدى أحد أفراد الأسرة في ورش العمل فقط.
وقد لفتت موهبة أنجيسولا انتباه مايكل أنجلو ، حيث قامت بمهمة توجيهية غير رسمية من خلال تبادل الرسومات بالرغم من أنها كفنانة لم يُسمح لها .
أرتيميسيا جينتيليشي 1593م – 1653م
باعتبارها ابنة رسام بارع ، تم منح Artemisia حق الممارسة فقط.
ومن الغريب أن الرجل المبدع تألق بالتشكيل ولم يستطيع ان يدخل إلى قصور الفئات الداعمة لفنه إلا بواسطة المرأة التي كانت مصدر إلهامه أو موثقة أعماله في حد ذاتها .... وخير مثال على ذلك ندرج حياة الفنان بابلو بيكاسو مثلا في أواخر الثلاثينات تعرّف بدورا مار عشيقته اليوغوسلافية والتي كانت تعمل مصورة فوتوغرافية واستمرت علاقتهما حتى أوائل الأربعينات. وقد قامت دورا مار بتوثيق لوحة بيكاسو الشهيرة غرنيكا... كما شكلت الراقصات وبائعات الهوى مصدر ألهام له ، لننتقل بعدها إلى صالات عدة تعكس تعاقب النساء في حياة بيكاسو: بداية من فيريناند أوليفر الموديل التي عاشت معه في باريس منذ عام 1905 ثم أولغا كوخولوفا زوجته الأولى وراقصة الباليه الروسيّة ثم شريكاته الأربع اللاحقات: الشقراء ماريا-تيريز وولتر، ودورا مار وفرانسوا جيلوت وأخيراً جوسلين بيكاسو زوجته الثانية والأخيرة وتأخذ كلّ منهن زاوية من مكان العرض، لكن أقواهن حضوراً في هذا الجزء هي جوسلين الممثلة في أعمال عدة. أما أكبر عدد من الأعمال المعروضة (حوالى 40 لوحة ومنحوتات عدة) تتمحور حول سيلفيت ديفيد، وهي صبيّة كانت في التاسعة عشرة حين تعرّف إليها بيكاسو لما كان في السبعين من عمره.
لكن في هذا المسار الفني لبيكاسو داس على كرامة المرأة ، ربما يظن البعض أن توصيف مارينا لعلاقات جدها الأكبر بابلو بيكاسو قاسٍ بعض الشيء، نعم لقد تزوج مرتين بالرغم من أنه كان لديه عدة عشيقات، واستخدم تقريبًا كل النساء اللاتي عرفهن في حياته بوصفهن عارضات للوحاته واستنفذهن عاطفيًّا قبل أن يستنزفهن فنيًّا، نعم أغلب أحبائه انتهى بهم الأمر بالاكتئاب أو بالانتحار أو الاثنين وألقوا اللوم عليه. حسنًا ربما لم تبالغ مارينا، لكن هل حقًّا هذه هي قصة بابلو بيكاسو مع النساء في حياته؟
كما اقترن اسم بعض الفنانات بالمعاناة والالم كما هو الحال للفنانة فريدا كاهلو مثلا ، ونساء أخريات ابدعت تحت عباءة الذكور باسم مستعار كما هو الشأن أو المثال التاريخي للروائية الإنكليزية وأحدى أبرز الكتاب في العصر الفيكتوري ماري آن إيفانز، التي كتبت تحت اسم مستعار هو جورج إليوت. وقس على ذلك بجميع المجالات المحظورة على النساء.
لكن المرأة الغربية استطاعت اثباث وجودها كما أشار لذلك مدير الويبو إلى ضرورى التعاون بين الفنانين والحكومة مثل حركة (Time-Up) في الولايات المتحدة ومسؤوليات تغيير كانت تقع على عاتق الجميع سواء كمسؤولين حكوميين أووالدين ورجال ونساء لجميع مجالات الإبداع.
3_ المرأة العربية حضورا وممارسة ، اين هي وسط هذه الإشكالية حاليا ؟
إن حضور المرأة كذات داخل التشكيل العربي هو كثيف وله إبعاد ودلالات تتعدى الرمزية إلى المرأة بعينها بل قد تكون دلالة على البلد الأم أو قضية متشعبة ومتفرعة أو رمزية الذات المبدعة داخل المنظومة الاجتماعية والفكرية.....والإكراهات اليومية. لهذا نخلص أن حضور المرأة كجسد أو جزء من جسدها أو وجهها أو لباسها وحليها له دلالات وإبعاد فلسفية سسيولوجية متعددة المرجعية حاضرة بقوة داخل أعمال الفنانين العرب نساء ورجالا. لكن عندما نعود لدراسة حضور المرأة العربية بالساحة الفنية كممارسة للعمل الإبداعي وفاعلة ومتفاعلة ومؤطرة نجد أن المجتمع الذكوري ما زال يمارس عليها الوصاية الفكرية ويتهمها بالقصور الفني والأدهى من ذلك أنه تمارس عملية تعتيم كبيرة على النماذج الناجحة محليا حتى لا تخرج من تحت عباءة الوصاية الذكورية، والشيء المضحك أحيانا أننا نجد وراء مجموعة من الرجال في نجاحاتهم الفنية مجموعة من النساء سواء كزوجات أو أخوات أو زميلات بالعمل حيث يحتكر الرجل المجال الفني ويفرض وصايته ويعمل بالمشروع الذي استطاعت احداهن رسم خطوطه العريضة أو سرقته منهن بالضغط عليهن للتراجع أمامه. ونلاحظ انه مؤخرا خرج أحد الكتاب العرب تحت عنوان : التشكيل النسائي صخب دون المأمول!!
قائلا " لستُ كما يستوحى من عنوان زاويتي لهذا اليوم أنني ضد التشكيل النسائي، لكنني ومن خلال متابعة العديد من المعارض والمناسبات التشكيلية النسائية ورصد العديد من المنجزات النسائية في هذا المجال أيضاً لاحظت أن كما هائلا من الأسماء النسائية المنشغلة بهذا اللون من العطاء الإنساني لا تزال وعلى الرغم من طول التجربة و أقول لا يزال عطاؤها دون المستوى المأمول.....لأن معظم المشاركات النسائية تأتي في الغالب اجترارا لمشاركات سابقة بل إن بعضا منها ينضوي تحت عباءة التقليد والارتماء في أسلوب الآخر هذا من ناحية، لكن الناحية الأهم أيضاً هي افتقار المنجزات النسائية بشكل عام للجدية والحداثة والتفرد وبالتالي نجد تكرارا للطرح، أعطوني اسما نسائيا واحدا (مع احترامي لكل الاجتهادات النسائية) استطاع أن يكون له حضور قوي ومشرف بعيداً عن مناخات المجاملة والتلميع..." (1)حتى لا ندخل في جدال فارغ قد لا يفضي إلى شيء يستحق الوقوف عليه، لكن اقول: له اخي الباحث ربما هذا بمجتمعكم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: على اي معيار نقدي اعتمدت ؟ وهل اجتهدت لتاتي لنا بنسق فكري نقدي جديد تتوفر فيه شروط الإبداع النقدي بكل حيادية دون إقصاء أ قدح للمرأة ؟ الساحة العربية برمتها تتخبط يمينا وشمالا، وما زالت تعيش تبعية مطلقة للنقد الغربي وغير قادرة على فطم نفسها عن رضاعة الكلريهات والملتقيات الغربية التي تتحكم في سوق الفن. الرجل العربي هو في حد ذاته ما زال يبدع في إطار المدارس الفنية الغربية المتعارف عليها، هات لي ولو فنانا عربيا واحد استطاع أن يحدث قطيعة فنية مع ما هو متداول حاليا بالساحة الغربية المتحكمة بالفن وسوقه. المرأة العربية الحالية ما هي إلا حلقة ضمن المنظومة الفنية إلى جانب الرجل بما لها وما عليها. النقد العربي ما زال غارقا وسط المجاملات،وأصحاب الكلريهات يرفعون من له الإمكانيات المالية للدفع به حتى وإن كان لا يملك أدنى ذرة ابداع، لأنهم ما زالوا يعتبرون الفن التشكيلي نخبوي ويقتصر على الفئة التي تملك الإمكانيات المالية للانتاج، في حين أن العديد من الفنانين الذين وصلوا للعالمية في إطار مدرسة فنية معينة وآمنوا برسالتهم الفنية رغم ضعف إمكانياتهم المالية لن تعترف بهم الساحة العربية إلا بعد اعتراف الغرب بهم سواء كانوا رجالا أو نساء كالفنان التشكيلي السوداني ابراهيم الصلحي أو الفنان المغربي القاسيمي و الشرقاوي ....والتشكيلية المغربية الركراكية و التشكيلية الشعبية طلال وفاطنة كبور ..... .
ويجب تكسير النمطية الفكرية الذكورية المؤطر لفعلها الإبداعي، وما زلنا نقعد الأمل على النخب المثقفة من النساء التشكيليات للكتابة عن أعمالهن أو أعمال زميلتهن لإماطة اللثام عن الكثير من النقاط حتى لا يبقى حضور المرأة بالفن التشكيلي هو حضور تجميلي للساحة الفنية أو للدعاية والاشهار وتضليل الإعلام.....اي لا يبقى حضورها تأثيثا للساحة الفنية العربية بل يكون إضافة فكرية وابداعية ........

خاتمة :
عموما يجب أن يكون النقد الفني عنيفا لا يحابي ولا يجامل، يتتبع اللغة التشكيلية والسند والنسيج التشكيلي وإبراز الانزياح الفني المجدد والانفتاح الفكري الإبداعي داخل اللغة البصرية لدى المرأة والرجل على حد سواء حتى نصل إلى إلى نقد الفكر النقدي ذاته والمدرسة التي ينتمي إليها العمل الفني المتناول بالنقد بعيدا عن نقد اليوم القائم على المجاملة والمديح بغض النظر عن جنس الفنان التشكيلي أو الناقد الفني بل رعاية التجارب الجادة والباحثة والمجددة سواء كانت لرجل أو لإمرأة لان الفن وجد اصلا من أجل التسامح والتعايش وترسيخ القيم الإنسانية الراقية بعيدا عن أسلوب التنميط والعنصرية بجميع اشكالها، بل وتقاسم المجال الإبداعي بين الرجل والمرأة على اساس البحث والتجديد والاجتهاد باحترام المرجعية الفكرية لكل واحد، بل يجب أن تكون المرأة قادرة على جعل التشكيل كلغة بصرية جمالية لغة متجدد وحاملة لقضايا إنسانية وقيمية راقية بعيدا عن النظرة الشوفينية التي تتعثر بها بين قدميها .

بعض المراجع المستأنفة بها:

1_ Al Jazirah NewsPaper Thursday 10/07/2008 G Issue 13069
الثقافية/محمد الخربوش/الخميس 07 رجب 1429 العدد 1306/صدى لون :التشكيل النسائي صخب دون المأمول!!
2_ التشكيل بين التأطير والتنظير . خيرة جليل 2017 عن جامعة المبدعين المغاربة.
3- التشكيل بارادايم بين الانزياح الفني المجدد والنقد الجاد...خيرة جليل 2021 ...جامعة المبدعين المغاربة
4 _midle-east.online.Com
المعارك الأدبية بين الذاتية والموضوعية/إبراهيم مشارة/ المعارك الأدبية/
5"تمكين المرأة في الصناعات الإبداعية" حدث على هامش جمعيات الويبو 28-09-20

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى