حامد فاضل - ليلة من ليالي القشلة*.. شعر, نصوص اضف تعليقاً 13 زيارة

سجادة حاكها الموج من خيوط الرمال
فانحنت عليها أكف صوب السماوة الصغير
لتفرشها بين ضفائر السدر
وأذيال ثوب الفرات
فكانت قلوب الذين لا يحق لهم دخول نادي الموظفين
تهفو اليها
فتعد لهم على شاطئ الرمل متكأ
بين مراوح النخل وأرجوحة النهر وجسر السماوة القديم
وعماتنا اللواتي تغنى بقولهن ناصر حكيم
عماتنا الفارعات
المتلفعات بشالات الليف
المعتصبات بعصائب الكرب
عماتنا المنتصبات على ضفة النهر كالساريات
شابت ذوائب السعف منهن
ولما يزلن يحرسنها في الظهيرة
كي لا تصاب بضربة شمس
وان جنّ ليل السماوة المعتق مثل نبيذ المعابد
تخرج القشلة بزينتها على قومها
تختال ما بين ماء وخضراء
وتزدان بالوجوه الحسان
لتبدأ ليلة من ليالي السمر
يترجل فيها القمر
وعلى إثره تأتي باقي النجوم
ليسبحن من حوله في النهر
هو ذا القمر السماوي
/ أمير/ لطيف / أنيس / جميل/ منير /
يحب مجالسة البسطاء
ينزل القشلة كل مساء
ليسامر روادها الدائمين
الذين ينحدرون اليها
حين تطفئ الشمس ذبالتها
وتخرج نسوة المدينة منها
تاركات شموع المُخَلّصِ تطفو على صفحة الماء
فالقشلة مشرعة أبوابها
لأهل الغتر البيض
واليشاميخ الحمر
ودشاديش الزبدة
يدخلونها بسلام آمنين
فرادى وزرافات
يفترشون رمالها الباردة
بين سياج آخر بيت من بيوت الأماميين
وأول ساقية لمضخة الحاج أشرف
يمدون للسهرة المائدة
خلفهم على ضفة الخزاعل
غابة من نخيل
والفرات العتيد قدامهم
وبضعة أبلام تمخر فيه
بين حين .. وحين
وهناك على ضفة الغربي قبالتهم
( كازينو علي سلمان )
بصوت مسجلها المخضرم ذي البكرتين
تعلن عن نفسها
وحين تداهم خيول الزحلة قلاع الهموم
على صوت سعدي ، أو أم كلثوم
يلعن السامرون شقاء النهار
ينزعون أقنعة العائلة
يكسرون قيود التقاليد
يخرجون على القاعدة
ينضون ثيابهم
وفي النهر يلقون أنفسهم
يتطهرون من الذنوب
ويبحرون مع الفرات المسافر نحو الجنوب
يغنون
يبكون
يتبادلون الشتائم
وبملء أشداقهم يضحكون
يفتحون صدورهم
ينثرون أسرارهم
دونما وجل أو ظنون
إنهم بعد منتصف الليل ثلة صادقة
خفيفون
لا تثقل كاهلهم مجاملة الوجهاء
يغفون
الرمال مطرحهم
والسماء غطاء
وفي ليلة من ليالي القشلة الخالدة
ليلة واحدة
ينامون ملء الجفون
وينسون أنهم فقراء

هامش
ـــــــــــ
القشلة : رحبة من الرمال على شاطئ الفرات في السماوة كانت عامرة بليالي السمر


حامد فاضل



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى