حسن إمامي - بين حكايات جدتي ودروس أستاذتي في مادة الفيزياء والكيمياء

أستحضر هذا العنوان وأنا أقف أمام محطة تاريخية أردنا فيها كقدماء تلامذة مدينة مولاي إدريس زرهون أن نكرم أسرة التربية والتعليم التي شرّفت المدينة. وهي فرصة أردنا من خلالها إعادة الاعتبار لأسرة التربية والتعليم في زمن تملّص الجل لدور التربية ولدور القيم والأخلاق والمبادئ النزيهة في صوغ الحياة في عصرنا الحالي. فقد طغت الماديات وطغت معها ضغوطات العيش، وتخلى البعض عن ميزان التقدير والاعتبار للكرامة. هكذا أصبحنا نجد هرولة وتمسحا على عتبات أصحاب المال، ولو كان هذا المال ملوثا برشوة أو ممنوعات أو سرقة أو غيرها. أصبحت نفعية قذرة تحكم البعض حتى إنهم قد يدوسون على الكرامة من أجل المال. وسيطول الحديث في هذا الشأن طبعا. لكننا استحضرناه فقط لتبيان قيمة الخطوة التي أقدمنا عليها في تكريم أسرة التربية والتعليم. وهي قيمة ظهرت أكثر مع وضعية الحجر الصحي الذي فرضه انتشار وباء كورونا، والذي بيّن بالملموس اهمية التربية والتعليم وممارستهما داخل المؤسسات التعليمية، كما أهمية الصحة والثقافة وكل القطاعات الحيوية التي تخدم الوطن حياة وبناء.
وها هو الخطاب وقد أصبح مسيّسا ما دام الحاضر معولم في السياسة ومركب داخلها. لكن المنطلق في الفكرة طريقة تكريم خاصة أردتها من خلال استحضار محطة من حياتي التعلمية خلال مرحلة الإعدادي على الخصوص. كانت مادة الفيزياء تدرس في المستوى الثاني إعدادي أواسط سبعينيات القرن العشرين، وكن نصل لهذا المستوى بعد أن بدأنا تعلم الرياضيات كمادة خاصة، وبعدها العلوم الطبيعية. ويأتي التدرج في اختراق مادة الفيزياء والكيمياء.
وأنا أستحضر المرحلة ومحطة تكريم أستاذتنا جميعا خلالها، أستحضر أنني كنت ضعيف التحصيل والفهم في حصص الفيزياء والكيماء، أستحضر شخصي وقد أتى من منتوج ثقافي مجتمعي، ويعيش داخله بزخمه وقوة تأثيره. فذهنيا كم من التصورات التي رسمناها حول الوجود والكون والحياة والمادة والأشياء، ارتبطت بتفسيرات غيبية وأسطورية، بحكايات وروايات وحجايات كنا نتوق لتلقيها وسماعها، نؤثث بها أحلامنا ووعينا، نستحضرها للغد في جل طموحاتنا ولعبنا وتفاعلنا.
لا لوم على المرحلة، ولا على ما عشناه وتلقيناه فيها. ها نحن اليوم نعيش لحظة تشريف وتكريم. ربما أريد فيها أن أعتذر لأستاذتي لكني لم أكن من الأوائل. ربما كوني أقوم بعمليات تبرير متحايلا على المرحلة وعلى دراستي فيها. ما أزال ذلك الطفل الخجول الذي لا يجرؤ على تحدي السؤال ومراجعة ما تلقاه سواء مع روايات جدتي التي ترمز لكل حكايات المجتمع، أو مع دروس أستاذتي التي تطلب مني الانتباء والاستفسار بينما قد أكونني شاردا مع حلم اللعب لكرة القدم او لعبة التخفي بين الدرك واللصوص أو غيرهما من الألعاب. وقد أكونني مزاحما أفكاري في التلقي مع التصورات الذهنية التي راكمت بها عوالمي الداخلية بشتى نواميس الحجايات. فكيف ل"حجاية حديدان الحرامي" أن تفسر بالمنطق العلمي داخل مادة الفزياء والكيمياء؟ قد أطلب المستحيل، لكنه يبدو جميلا في التصور أن نجعل مادة جديدة اليوم تفكك ما نتلقاه داخل ثقافة الأسرة والمجتمع، وتعيد تركيبه وتفسيره بما يناسب التعلم. قد أكون طالبا للمستحيل هنا.
لكنني أردت فقط أن أجعل أستاذتي تشفع لي وتتقبل تكريمنا لها نحن كقدماء تلامذة المدينة، "كسالى" ومجتهدين، وديعين ومشاغبين، منتبهين وشاردين. مع الابتسامة طبعا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى