هدى بوحمام - ستفرح لأنك لم تتخلّ!

ستنجح وستصل إلى المبتغى وستفرح لأنك لم تتخلّ، في عز التأزم واشتداد الشك الذاتي والاهتزاز النفسي، وبين تصادم المسؤوليات وتكاثرها وتشابكها، تحت رحمة قطار الحياة السريع وصرامة الصور النمطية وظلم الأحكام المسبقة وعدم تكافؤ الفرص المعطية، رغم التعب والأرق والتعاليق المكرّرة والباردة حول اسوداد الهالات، لم تتخلّ عمّا تطمح إليه نفسك وما يردُّها إليك ردّا لطيفا بعد أن كانت قد انفلتت منك وتاهت عنك في وسط الحشد. لن تندم لأنّك قاومت كلّ ذلك ولم تتخلّ.

ستمر الغيمة ويزول الرماد ويصمت الرعد وستفرح لأنك لم تتخلّ، بل اخترت أن تخطو خطوة صعبة ومترددة إلى الوراء ولم تتسرّع بالهروب السهل، لم تذعر ولم تغادر، بقيت واقفا وحدك رغم الخوف في ساحة يغطيها المطر. تبللت قشرة رأسك وبردت خلايا عظامك ولم تخش مرض الأعضاء، صبرت إلى أن خمدت العاصفة واسترجعتْ السماء بسمتها وطاوعت الشمس نورها ولقيت العصافير أغصانها لتنصهر روحك في المكان، لن تندم لأنك انتظرت ولم تتخلّ.

ستزهر النبتة وستحصد ما زرعته واعتنيت به مطولا وستفرح لأنّ كلّ ما سقيته من دمك وجُدت عليها بالكثير من المشاعر والجهد والاهتمام وحميته بظهرك من أسهم العابرين سيُزهر وسيكبر وستنال ثماره لأنك لم تتخلّ، واصلت عملك بتفانٍ وتأنٍ وإتقانٍ في بُستان العطاء رغم غدر الشوك وانعدام أمان السماء. كنت أنت الشمس والمطر في غيابهما واحتضنتهما في شكل سماء مثلما يفعل الأمهات، كنت لنفسك كلّ ما احتاجته ولم تجده، فلم تتخلّ.

يعود الودّ ويُغرّد الحبّ وتزدهر اللهفة من جديد وستفرح لأنّك لم تتخلّ. لم تُصدّق شفاهً تفوّهت بكلام متمرّد مندفع خارج عن طوع القلب، فهمتَ أنه كلام مستعمِر ودخيل لا يعن القلوب في شيء، قلت لعلّ الروح مجروحة أو مشحونة أو مطحونة أو ماتت للحظة بين مستلزمات العيش، وترقّبتَ عودتها إلى الحياة وإليك، لربّما يطيب الجرح ويخفّ الشحن ويتوقّف الطحن ويرجع الود والحب واللهفة كما كانوا من قبل، بقيت مصرًا على الوعد وعلى الود وعلى العهد ولم تتخلّ.

ستُفتح الأبواب وتبسط الطرق وتتسع الثغرات وستفرح، بل بحثت عن باب آخر وشققت لنفسك طريقا آخر، واجهت الرفض والصدّ بجبهة محارب عنيد وآمنت بالأمل والمثابرة واتخذتهما درعين ضد اليأس والكسل والإحباط وثرثرة المجتمع اللامنتهية. سعيت في الأرض بلا قيود وتحديت كل القيود ومارست حريتك الإنسانية في الاختيار والاختبار واتخاذ القرار وتحديد المسار. صدّقت وعد الفرح وتشبثت بروح التوكّل وكنت من بين الذين لا غالب لهم، لن تندم لأنّك عزمت على ألا تتخلّ.

ستنتهي حصص العلاج وستختفي الأعراض الجانبية وستقّل مواعيد الطبيب وستفرح لأنك لم تتخلّ، لم تتنازل عن ابتسامتك ولم تتهاون في التفاؤل والأخذ بالأسباب والصبر على المصيبة، ومشيت في درب الغد الأفضل وتحت ظل الجانب المشرق، فضلت أن تحيا وألا تموت قبل موتك. رغم الألم الجسدي والهلاك المحتوم وخيانة الأشعة التشخيصية، لم تبخل على روحك بالعطف واللعب والدعم ولم تنس قلبك المرهق من شدة الضخ ضد مرض خبيث. تمسكت بالجمال ولو ظهر باهتا ورسمت الحياة بالألوان في لوحة هشّة ومتلاشية، فانتصرت الحياة على الموت وفازت الألوان لأنك لم تتخلّ.

إنّنا لم نخلق لكي نتخلى؛ فقد خلقنا العظيم وخلق بداخلنا كل ما نحتاجه لنسعى ونستمر ونتطور، صورنا في شكل بدن يتحرك ونفس تُحرّك، والنفس دون حركة وشغف وسعي ومثابرة لا تستطيع أن تحيا، فما المعاناة والشقاء والفراق والظلم والألم إلا محطات لا مفرّ منها، فلا تجعل وجودهم يمحو جوهر الرحلة، لا تسه عن الجوهر ولا تتجاهله ولا تفقده، فبه يموت الإنسان أو يحيا!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى