أمل الكردفاني - فوائد الصلاة الجماعية من وجهة أمنية..

يقول ديفيد هربرت في مؤلفه (جغرافية الجريمة الحضرية)، أن الحكومة البريطانية استطاعت تخفيض معدل الجريمة في بعض المناطق عندما أنشأت وسائل للترفيه، إذ أن الترفيه قد خلق -وهذا الاقتباس بتصرف- لُحمة جماعية عززت من روح التعاون، والتأمين الجماعي للمناطق. (ديفيد هربرت، ت:ليلى زعزوع ٢٠٠١).
وتشكل الصلوات الجماعية سواء في الكنائس أو المساجد أو أي معبد أحد أهم عوامل التأمين ومكافحة الجريمة، وأقصد بذلك الجرائم الكبيرة كالسطو (مع زيادة الجرائم الصغيرة المحدودة كسرقة النعال والأحذية في تلك المعابد).
تشكل الصلوات الجماعية في الأحياء عامل أمني مهم؛ إذ أنها تجعل كل سكان تلك المنطقة يتعرفون على بعضهم، وبالتالي يكون الغريب، ظاهراً عندما يدخل إلى تلك الأحياء، وهذا ما يجعل أي تصرف منه محل رقابة جماعية، وهو نفسه -أي المجرم- يعلم ذلك، وعلمه هذا يضعف حوافزه النفسية لإقتراف الجريمة.
بالإضافة إلى ذلك؛ فأدوات الترفيه الجماعية، كالحدائق الخضراء، والنوادي الثقافية في الأحياء، والمكتبات الخاصة بالحي، والجمعيات التعاونية، بل وصفوف الخبز والغاز، تعزز أواصر العلاقات بين أفراد الحي، ويعتبر الإفطار الجماعي داخل الأحياء في رمضان أحد أهم عوامل الحد من الجريمة.
تؤدي الصلوات الجماعية لحركة كثيفة في الشارع خاصة في المواقيت الخطرة، مثل العشاء والفجر، مما يحصر وقت المجرمين في نطاق زمني ضيق جداً. هو من الثانية عشر ليلاً وحتى الخامسة والنصف صباحاً (مع مراعاة فروق الوقت)، وتؤدي الحركة الكثيفة قبل وبعد الصلاة أو حتى المتقطعة في شوارع الأحياء أثناء الصلاة وإنارة مصابيح المنازل ودور العبادة إلى تلغيم الشوارع بالرقابة الشعبية، وهكذا تزداد صعوبة اقتراف الجريمة.
غالباً ما تستيقظ الأسر قبل الصلوات، وبالتالي سيجد المجرمون صعوبة في مواجهة المستيقظين أكثر مما لو كان المجرم يواجه نياماً.
حركة الشارع، واستعمال مكبرات الصوت، ينبه الحيوانات الأليفة وحيوانات الشوارع كالكلاب والقطط، وحتى الدجاج وغيرهم، وهكذا تزداد الحيوية العامة التي لا يحبذها اللصوص والمجرمون.
وللصلوات الجماعية جانب نفسي إذ تعزز ارتباط الفرد بالجماعة ويعطه ذلك الإرتباط شعوراً بقوة إضافية، وتتبادل الجماعة فيما بينها تلك القوة، ومن ثم فإنها تستطيع أن تواجه الخطر بإرادة أكبر، كما أن الجماعة ومن خلال المعابد تستطيع التخطيط لحماية منطقتها في حالة الإنفلاتات الأمنية في الإقليم أو الدولة بسرعة أكبر مما لو لم تكن تمتلك اماكن تجمعات لأداء تلك الصلوات الجماعية.
تعزز الصلوات الجماعية الشعور بالعيب، والتردد في كسر الحاجز الأدبي بارتكاب الجريمة، ويفضل ذو الميول العدوانية الخطرة عدم وضع نفسه موضع المنبوذ باقترافه لجريمة قد تحدث إستهجانا اجتماعياً في منطقته، ويؤدي ذلك الخوف من العيب أيضاً إلى تخفيض حالات العنف الأسري Domestic violence.
تختلف الصلوات الجماعية في قيمتها عن التجمعات الأخرى الأدبية أو الثقافية أو الترفيهية، بأنها تستند إلى شعور جماعي واحد بالإلزام. وتتأسس على التزامات أخلاقية واحدة أيضاً، وهذا خلافاً للتجمعات الأخرى التي لا تحتل الرغبة فيها إجماعاً نسبياً.
هذه وغيرها بعض فوائد الصلوات الجماعية. وإذا كنا اليوم في حالة إنفلات أمني بالفعل، فيجب أن نعمل بأنفسنا على تعزيز عوامل الأمن، ومكافحة الجريمة إلى حين أن تنهض الحكومة بما يليها من مهام.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى